أفريقيا هي أم البشرية كلها.. وهذا ما يقوله التاريخ البيولوجي والجيولوجي. الإنسان الأول ظهر في أفريقيا. ثم انطلقت منها الهجرات البشرية إلي مختلف أنحاء العالم. ونحن كمصريين ننتمي للقارة الأفريقية بكل أواصر الانتماء. سواء بحكم الجغرافيا أو التاريخ. أو الثقافة. ومنذ قديم الأزل كانت للمصريين علاقات قوية بالقارة السمراء. تراوحت ما بين التجارة والسياسة وغيرها وتحدثنا كتب التاريخ وجدران المعابد الفرعونية والبرديات عما كان يربط مصر القديمة بأفريقيا. وعن السفن المصرية والبعثات التي كانت ترسلها الملكة حتشبسوت إلي بلاد بنط "الحبشة والصومال" لجلب التوابل والبخور والعاج والأبنوس واللبان الدكر والنسانيس وغيرها من هناك. وفي عصرنا الحديث خصوصا في أعقاب ثورة يوليو 1952 كانت لمصر علاقات وثيقة بدول القارة الأفريقية. حيث فجرت ثورتنا انتفاضات التحرر الوطني في انحاء قارتنا السمراء ضد قوي الاستعمار والاحتلال الغربي وضد نهب خيرات شعوب القارة الطيبة. ولكي تحافظ القوي الاستعمارية علي نفوذها داخل القارة عملت قبل جلائها عن الدول التي تحتلها علي ترك أسباب الشقاق والخلاف والصراعات داخل الدول حديثة التحرر وبين هذه الدول. بعضها البعض واتبعت في ذلك وسائل عديدة. منها جعل الحكم والسلطة في أيدي الأقلية. أو تقسيم الحدود بحيث توجد مناطق متنازع عليها بين الدول المتجاورة. ولا شك في أن السياسة الاستعمارية كان هدفها تفرقة البلاد الأفريقية وإشعال نيران الفتن والحروب فيما بينها. لتظل السيطرة مستمرة للمستعمر السابق. وحتي يتم قتل أي بذرة للوحدة بين دول القارة. بعد ثورة يوليو 1952. توطدت أواصر العلاقات بين مصر والدول الأفريقية وكانت مصر بمثابة الشعلة التي أضاءت مسيرات العمل الوطني في أنحاء القارة وساعد علي ذلك وجود توازن قوي بين القطبين الكبيرين في العالم. وهما حلف الأطلنطي بقيادة أمريكا وحلف وارسو بقيادة الاتحاد السوفيتي. مع غروب شمس الإمبراطوريات الاستعمارية التقليدية. وكان اسم مصر مقرونا باسم الزعيم الراحل جمال عبدالناصر معروفا لكل أفريقي. حتي لمن يعيشون في أحراش الغابات أو في مجاهل الصحراء وعرفنا في مصر أسماء زعماء أفارقة عظام. من أمثال الزعيم التنزاني جوليوسنيريري. والرئيس الغاني كوامينكروما قائد حركة التحرر الوطني في بلاده. والرئيس والأديب السنغالي ليوبولد سنجور. وغيرهم كثيرون. بعد ذلك مرت علي مصر حقبة انكفأت مصر فيها علي نفسها. عقب نكسة 1967 وانشغالها بتحرير الأرض المحتلة وبما حاق بالمنطقة من أحداث دوامية ودرامية. أسهمت في ابتعادها عن أصولها الأفريقية ومن بين هذه الأحداث محاولة اغتيال الرئيس الأسبق حسني مبارك لدي وصوله لحضور القمة الأفريقية في أديس أبابا عام 1995 ومنذ ذلك الوقت. أصابت مبارك "فوبيا أفريقية". جعلته يبتعد عن دول القارة الأم. بشكل لا يتفق مع أسس ومبادئ وبديهيات السياسة الخارجية. وبعد أن تولي الرئيس عبدالفتاح السيسي السلطة. بدأت السياسة الخارجية المصرية تنشط علي الساحة الأفريقية وقام الرئيس بزيارات وجولات عديدة لدول القارة. كما استقبل الكثير من زعمائها في مصر وعقدت مصر اتفاقيات تعاون وبروتوكولات سياسية واقتصادية وتجارية. تقوم علي أساس من الشراكة و المصالح المشتركة مع دول القارة. ومن بين التحرك في هذا المجال. جولة الرئيس الأخيرة في أربع دول أفريقية هي رواندا وتنزانيا والجابون وتشاد ولا شك في أن هذا التحرك ينطلق من رؤية واعية ومدركة لإمكانات القارة الواعدة. التي أضعنا عقودا في إهمالها وعدم الاستفادة منها. إن العالم كله يتسابق علي إقامة علاقات مع أفريقيا. ويسعي للفوز بنصيب من كنوز وثروات القارة البكر وهناك فرص واعدة لا حصر لها في مجال البنية التحتية و الطرق والكباري والثروات المعدنية والبترول والطاقة المائية وغيرها. يمكن لمصر الإسهام فيها بما يعود بالنفع علي دول القارة ككل. وليس اتفاق مصر مع تنزانيا علي إنشاء مصنع للخشب في الدولة الشقيقة. للاستفادة من غاباتها الاستوائية. في إنتاج الأخشاب اللازمة لمدينة الأثاث الجديدة بدمياط. سوي مثال بسيط علي أهمية فتح وتوسيع قنوات الاتصال وتعزيز أواصر الصداقة مع دول القارة الأم والعودة إلي أحضانها.