عمق استراتيجي .. دعمه «عبدالناصر» وتجاهله «مبارك» وفشل في تنفيذه «مرسي» إسرائيل تلعب الدور الخفي .. والمصالح الوطنية هي الضحية الدبلوماسية المصرية تبحث عن الحل تمثل القارة الإفريقية عمقا استراتيجيا للأمن القومي المصري ، ويعد البعد المائي أحد المحاور الأساسية ومن الحقائق الثابتة جغرافيا أن مصر دولة أفريقية ارتبطت عبر تاريخها الطويل بشعوب حوض النيل والقرن الأفريقي, وتكونت الصورة الذهنية التراكمية لدي رجال الدولة المصرية أن أفريقيا هي القارة السمراء التي تقع جنوب الصحراء الكبرى،وأن المعوقات الجغرافية التي تتصف بها كانت دوما عامل فرقة وتباعد, وليس عامل وحدة وتكامل. ودعمت ثورة يوليو 1952 حركات التحرر الإفريقي التي تفجرت بقوة بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، واحتضنت زعماء هذه الحركات التحررية وأمدتهم بالسلاح والمال والدعم السياسي والدبلوماسي. واهتمت مصر بكل مؤسساتها السياسية والأمنية والعلمية والدينية والبحثية والاجتماعية والاقتصادية، بشأن القارة الأفريقية، فأنشأت مراكز البحوث المختصة، ومدّت أذرعها التعليمية إلى أنحاء كثيرة من أفريقيا من خلال البعثات التعليمية المصرية في مجالات التعليم العام، وفروع الجامعات المصرية في بعض الدول الأفريقية، واهتمت بنشر الدين الإسلامي بصورته الصحيحة بعيداً عن تأثيرات الثقافات الأفريقية المحلية . واستمر دعم مصر للقارة الإفريقية إلى أن جاء عام 1960 وحصلت 51 دولة إفريقية على استقلالها، مثل الجزائر وتونس والمغرب وليبيا والسودان والصومال وكينيا وأوغندا وتنزانيا وغانا وغينيا ونيجيريا والكونغو (زائير سابقا)، وفقا لما ذكره تقرير مركز الدراسات الناصرية المنشور يوم 17 أغسطس 2010 . مرحلة جديدة وبعد استقلال معظم الدول الأفريقية كان من الضروري تغيير نوع الدعم المصري لإفريقيا فأنشى الصندوق الفني المصري للتعاون مع الدول الإفريقية؛ حيث كانت المعونة الفنية المتمثلة في الخبراء والفنيين والأساتذة خاصة من الأزهر والأطباء وأساتذة الجامعات والعمالة الفنية، وإقامة السدود وتوليد الكهرباء المائية وغيرها من المشروعات بالإضافة إلى إصرار عبد الناصر في تلك الفترة على أن يكون الوجود المصري في إفريقيا واضحًا ملموسًا؛ فكان هناك أكثر من 52 مكتباً لثلاث شركات قطاع عام تعمل في مجال التجارة الخارجية هم شركة النصر للتصدير والاستيراد ولها النصيب الأكبر، ومصر للتجارة الخارجية ومصر للاستيراد التصدير، وكان لتلك الفروع المصرية دورًا هامًا في الترويج للمنتجات المصرية. كل هذا الدعم الذي قامت به الدولة المصرية كان له أثر كبير في إعلاء شأن إفريقيا على مستوى المحافل الدولية؛ حيث قررت الأممالمتحدة أن تتخذ يوم 25 من مايو من كل عام للاحتفال بالقارة الأفريقية وذلك بعدما تمكنت أكثر من 51 دولة وقتها من الحصول على استقلالها والانضمام إلى المنظمة الدولية مما رفع عددها في تلك السنة إلى 52 مقعدًا بينما كانت إفريقيا ممثلة فقط بتسع دول مستقلة. وتشكل أفريقيا كتلة تصويتية كبيرة في المحافل الدولية ب 54دولة، وكانت هذه الكتلة ظهيرا سياسيا أساسيا للحقوق العربية خاصة المرتبطة بالصراع العربي الاسرائيلي. وساندت مجمل المواقف العربية من السياسات العنصرية والاستعمارية والاستيطانية لإسرائيل، كما كانت سندا أساسيا لحروب مصر ضد إسرائيل، خاصة حرب 1973 حيث قطعت العديد من الدول علاقاتها بإسرائيل ، وقررت الدول الإفريقية المصدرة للنفط بتفعيل سلاح النفط للوقوف بجانب المصريين . الريادة الأفريقية كما احتضنت مصر الكثير من الاتحادات والمنظمات والهيئات الأفريقية، وأصبح لها عضو متميز حقق لها أن تلعب دور الريادة والقيادة في كل القضايا التي ترتبط بالقارة الأفريقية، بل وحقق لها دورها ومكانتها في القارة أن تلعب دوراً كبيراً في الحد من النفوذ الإسرائيلي والصهيوني في القارة الأفريقية الذي كان يتغلغل داخل التنظيمات والأحزاب الحديثة لمواجهة أي نفوذ مصري محتمل. وأسهم دور مصر الكبير بالقارة الأفريقية في نشأة منظمة الوحدة الأفريقية والاتحاد الأفريقي وغيرها من المؤسسات ذات الأثر المتعاظم في حياة القارة وأهلها، ولعبت المنظمة دوراً كبيراً في تصفية الاستعمار الأجنبي. وحين زار نيلسون مانديلا مصر لأول مرة توجه من المطار مباشرة إلي قبر عبد الناصر الذي وقف أمامه صامتاً لعدة دقائق ثم قال لمرافقيه من المصريين إنه كان يتمنى أن يزور مصر في حياة عبد الناصر ليحظى بشرف استقباله له ورؤيته. واستمرت العلاقات في عهد الرئيس الراحل محمد أنور السادات علي نفس الوتيرة ، ولكن تأثرت بانشغال السادات بالحرب ضد إسرائيل، وحدثت مشكلة مع إثيوبيا أثناء مباحثات "كامب ديفيد" حيث عرض الجانب الإسرائيلي على السادات أن تكون هناك علاقات اقتصادية بين البلدين ومنها توصيل مياه النيل لصحراء النقب في إسرائيل ووافق السادات في البداية ثم تراجع بعد ذلك. واستغلت المخابرات السوفيتية هذه الحادثة ونقلتها للحكومة الأثيوبية بأن السادات يفكر في تحويل 800 مليون متر مكعب سنويا من مياه النيل إلى صحراء النقب الإسرائيلية، مما زاد من عدائها لمصر واستعدادها لبناء سدود وتفكيرها في تعديل حصتها من مياه النيل هي وباقي دول حوض النيل. وتراجعت العلاقات المصرية الإفريقية لحد كبير فى عصر مبارك ، وضعف الاهتمام المصري بأفريقيا منذ عام 1990 ولم يعد لمصر دوراً في الشأن الأفريقي أو مشاركة فاعلة على مجريات الأحداث، وأصبحت الدبلوماسية المصرية بعيدة عن حل المنازعات. وفي تلك الفترة حدثت مشاكل كثيرة في السودان سواء بالجنوب أو إقليم دارفور ولم يكن لمصر أي دور في اتفاقية نيفاشا التي نظمت علاقات جنوب السودان بشماله واعترفت بحق تقرير المصير للجنوبيين. بالإضافة إلى منطقة البحيرات العظمى والصومال والخلاف الدائر بين اريتريا وأثيوبيا وما يحدث في مناطق أخرى من القارة وغير ذلك من بؤر التوتر التي غاب عنها الوجود المصري في تلك الفترة. انحسار الدور المصري كما أن حركة التجارة البينية المصرية مع أفريقيا انخفضت بشكل كبير إذا ما قورنت بالستينات فإجمالي حجم تجارة مصر مع أفريقيا خلال السنوات السابقة باستثناء الدول العربية لا تزيد عن 6.8 مليار دولار من إجمالي حجم تجارة مصر الخارجية البالغة 68.1 مليار تمثل فيها الصادرات 2.3 مليار دولار من إجمالي قيمة الصادرات البالغ 23.1 مليار دولار حين تبلغ الواردات المصرية من أفريقيا 4.5 مليار دولار من إجمالي الواردات المصرية البالغة في ذات العام 45 مليار دولار. وأسهم انحصار الدور المصري في أفريقيا في إتاحة الفرصة لإسرائيل لتعزيز تواجدها داخل القارة السمراء، وتنشط علاقاتها مع الدول الإفريقية التي تمثل نحو48%من علاقات إسرائيل الدبلوماسية مع دول العالم الخارجي . ووضح مؤخراً دور القوي الخارجية وإسرائيل في أزمة سد النهضة الاثيوبي ومحاولة خنق مصر وتدميرها ، وتخفيض حصتها من مياه النيل . وفشل الرئيس المعزول محمد مرسي في استعادة المجد المصري بإفريقيا ، وإعادة العمق الأفريقي إلى السياسة الخارجية المصرية ، وخاصة دول حوض النيل والقرن الأفريقي والدول المحورية في القارة ، بالإضافة إلى تأمين حصة مصر من مياه النيل وضمان استمراريتها وحماية حقوق مصر المائية ، حيث أعلنت رسميا أثيوبيا بدء الخطوات التنفيذية لبناء سد النهضة والذي يهدد حصة مصر من مياه نهر النيل .