مآسي إنسانية ومفارقات تدمي القلوب شهدها حادث قطار الشيخ الصغري ما بين جثث معلومة ومجهولة حيث أبيدت أسر بأكملها في هذا الحادث الأليم حضرت للاصطياف فعادت في نعوش ولعل أولها هي أسرة عبدالرحمن جابر والذي فقد أطفاله الثلاثة وزوجته ووالدته ووالده ولا يزال يبحث عن طفله المفقود في أعقاب حضور الأسرة من الشرقية للاصطياف بالإسكندرية. * أما أسرة سعيد عوض ما بين أبنائه وزوجته وأبناء شقيقه راحوا جميعًا ضحية الحادث المنكوب فيقول إبراهيم حسن سليمان أحد أقارب الزوج التعيس الذي يعاني من حالة انهيار تام: لا نصدق ما حدث فنحن في نكبة نسارع الوقت لدفع ضحايانا لنصل ستة من أسرة واحدة. أضاف: لقد سافرت زوجة أخي المرحومة مني سعيد عطية "29 سنة" لحضور حفل زفاف شقيقها بالشرقية ومعها كل من أبنائها ياسين "أربع سنوات" وجودي "تسع سنوات" ولوجي "11 سنة" وأبناء عديلها "شقيق زوجها" وهم بسمة السيد عوض "10 سنوات" ودينا السيد عوض "14 سنة" وانهم قد سافروا ليكونوا هم عرائس السماء. أضاف: لقد كان الأب في انتظار أسرته في محطة مصر بالإسكندرية بعد أن اتصلت به الزوجة المتوفية من أبوحمص لتبلغه بأنهم علي مشارف الإسكندرية ومع حدوث حالة ارتباك في حالة القطارات وتأخره عرف الزوج بالحادث فسارع بالتوجه إلي الموقع فلم يجد أحدًا يدله وأخذ يبحث طوال الليل عن أفراد أسرته حتي عثر عليهم كجثث في مشارح المستشفيات المختلفة نظرا لكون الأطفال كانوا يلهون بالقطار بجوار أمهم فلم يموتوا بجوار البعض. مضيفا بأن اللطمة الكبري في عدم العثور علي عبدالله سعيد عطية "17 سنة" لكونه لا يحمل بطاقة أو أي إثبات شخصية ولا نعلم أين هو حتي الآن ولم "يبقي" أمامنا سوي البحث بين الاشلاء. * أما نعيمة عادل وشهرتها سحر "35 سنة" فهي الأخري قد سقطت أسرتها بأكملها فقد حضرت من الشرقية للاصطياف ومعها أولادها الثلاثة أحمد محمد أحمد "15 سنة" وعمر "12 سنة" وعادل "8 أشهر". بالإضافة إلي والدتها نعيمة أبوالعينين التي تصارع الموت بالعناية المركزة بالأميري الجامعي بينما لقي والدها عادل محمد علي مصرعه علي الفور وتقول وهي تبكي وفي حالة انهيار: لا أصدق ما حدث لقد فقدت أسرتي بالكامل لقد كنا نستقل قطار بورسعيد ومعي أسرتي قادمين للاصطياف وتوقف القطار لفترة طويلة بعد توقفه أكثر من مرة بالطريق وكان أولادي يلعبون بجواري ووالداي يحملان طفلي الرضيع ثم وقع الحادث فأصيبت بإغماء مؤقت لأستيقظ علي أصوات الأهالي وهم يحاولون سحبي للخارج ورأيت ابني عمر وقد انقسمت رأسه إلي قسمين بينما سقط والدي ينزف من كل جزء في جسده وابني الرضيع يتنفس بصعوبة ويلفظ أنفاسه الأخيرة وعندما أخرجني الأهالي أخذت أصرخ أولادي أولادي فأخبروني بأنه سيتم إنقاذهم وعندما نقلت للمستشفي واكتشفت أن إصابتي طفيفة سألت علي والدي فعلمت بوفاته وأن والدتي بالعناية المركزة تصارع الموت حتي الآن ولم يبلغوني بوفاة أولادي إلا متأخرا وأنا كنت أعتقد أنهم يتلقون علاجهم وأخذت تبكي كيف أعود إلي منزلي بدون أطفالي فقد اختفت الضحكة من حياتي أرجوكم ادعو لي بالصبر علي مصيبتي. * وأمام مشرحة كوم الدكة وقفت أسرة محمد جمال عبداللطيف "28 سنة" وهم في حالة انهيار ويقول والده وهو منهار: لقد حضر نجلي للاصطياف لدي حالة بواسطة قطار القاهرة المتسبب في الحادث واتصل بوالدته بعد أن دخل الإسكندرية وأبلغها بأنه يقوم بإنزال حقيبته لأنه علي بعد دقائق من محطة مصر. وفجر الأب مفاجأة من العيار الثقيل بأنه فور علمه بالحادث اتصل بنجله علي هاتفه المحمول فرد عليه لص سرق التليفون وأبلغه بأن ابنه توفي وأنه يجب أن يحضر للبحث عنه وبعدها أغلق التليفون. موضحا بأن لديه أملاً أن يكون ابنه في غيبوبة ومع سرقة متعلقاته لم يتم التعرف علي شخصيته. وافضا الاعتراف باحتمال وفاته. * أما الطفل عبدالوهاب "أربع سنوات" فقد أدمي قلوب العاملين بمستشفي الجمهورية وهو ينادي علي والدته سميحة حسن القاضي وتبين بأن الطفل قد حضر مع والده وشقيقه للاصطياف وعندما وقع الحادث فدته الأم بجسدها فألقت بنفسها فوقه لتلقي مصرعها بينما كتب لباقي أفراد الأسرة النجاة ولم يستطع أحد أن يبلغ الطفل بفقدانه لأمه حتي مع حضور والده لاستلامه. * ولعل هناك معجزات شهدها القطار المنكوب نجا أصحابها من الموت بأعجوبة لعل أولهم هي أسرة رشا عبده موسي التي حضرت للإسكندرية للاصطياف ومعها نجلتها ملك هاني الضوي "ست سنوات" وسلمي "8 سنوات" ووالدتها فاطمة عبدالوهاب السيد وفي البداية تم إبلاغ رشا بإصابة نجلتها سلمي بخلع بالكتف وهي مصابة بمرض بالقلب. أما ملك فقد أبلغوا والدتها بضرورة بتر ساقها لخطورة حالتها كما تم إبلاغها بوفاة والدتها فاطمة وقامت الأسر بالزقازيق بإعداد المقبرة لاستقبال جثمان فاطمة إلا أن المعجزة كانت لكون فاطمة لا تزال علي قيد الحياة وتخضع لعملية جراحية بالساق وكانت في غيبوبة حيث تم تركيب شرائح ومسامير لها. أما الطفلة ملك فبعرضها علي الدكتور علي الإمام أستاذ الأوعية الدموية فأكد علي إمكانية إنقاذ الساق لكون الشريان الرئيسي لم يتمزق وهناك إمكانية كبيرة لإنقاذ الساق ليتحول بكاء وعويل الأسرة إلي أفراح وإلغاء سرادق العزاء الخاص بفاطمة. * أما شفاعة محمد سليمان "56 سنة" وزوجها علي عبدالله بالمعاش فهما أيضا مثال للمعجزة الإلهية حيث كان يستقلان بقطار بورسعيد قادمين من طنطا لزيارة شقيقها وشاءت الأقدار أن تكون شفاعة زوجها نائمين وقت الحادث ليستيقظا علي آلام مبرحة بالساقين وأصوات الأهالي وهم يتحدثون معهم لإنقاذهم وتبين انهيار الكرسي الأمامي لهم علي ساقيهما مما حال دون إنقاذهم وظلا يصرخان من هول الألم حتي حضرت قوات الدفاع المدني وأخذت في نشر المقعدين بالمنشار الكهربائي بما يقرب من نصف الساعة لتكتب لهم الحياة من جديد حيث تبين إصابتهم بتفتيت في عظام الساقين وتم تركيب شرائح ومسامير لهما لإنقاذ ساقيهما من البتر. * علي الجانب الآخر كانت مأساة نبيل جمعة كمال "27 سنة" محاسب بحسابات السكة الحديد الذي فجر في البداية عدة مفاجآت حينما أكد أن قطار بورسعيد قد فوجئ بأن الإشارة أمامه حمراء وهو ما دعا علي وقوفه في انتظار تغيره لأن هذا إنذار ولم يكن به أي عطل يذكر كما أن المنطقة لم يكن بها أي انحنايات تحجب الرؤية علي سائق قطار القاهرة الذي كان يري جيدا قطار بورسعيد وهو واقف ليقوم بتفاديه أو تهدئة سرعته ولكنه استمر في سرعته مما تسبب في الحادث.. مضيفا بأنه أصيب بخلع في الكتف وتمكن من القفز من النافذة ولم يستطع إنقاذ غيره معه نظرا لحالته. موضحا أن الأهالي نقلوه أسفل شجرة حيث أغشي عليه وعندما فاق وجد نفسه بمستشفي الأميري. قال: لقد فوجئت بأن زملائي يبلغوني بأنني معرض للفصل ولابد من إثبات حالة اني بمستشفي بالرغم من أني أدليت بأقوالي في محضر رسمي مع باقي المصابين إلا أن هيئة السكة الحديد لم تعترف بذلك وتعتبرني منقطعًا عن العمل.. موضحا أنه يأتي يوميا في نفس القطار من إيتاي البارود للإسكندرية لعمله ويعود في أول قطار عائد للبحيرة. * معتز محمد إبراهيم "30 سنة" تاجر وكان قادما من زيارة والدته بالزقازيق حيث يقيم فهو مثال حي لشهامة أولاد البلد حيث أكد أنه قد سمع أصوات صافرات الإنذار وهو يستقل القطار ولا يعلم سببها وفوجئ بالحادث ونظرا لكونه لا يشعر بأي إصابة سارع في نقل الموتي فقال ل "المساء": لقد قمت بنقل العشرات من الأمهات وهم جثث هامدة يحتضن أطفالهن الذين توفوا أيضا.. مؤكدا أن نسبة الوفيات من الأطفال هي الأكبر. وأضاف بأنه ظل ينقذ في المصابين حتي وصول سيارات الإسعاف إلا أنه شعر فجأة بضيق في التنفس وآلام بالصدر ليسقط وتبين بالمستشفي انه مصاب بتجمع دموي بالرئة نتيجة لكدمة لا يشعر بها وهو ينقذ المصابين حتي سقط. أما محمد أحمد الحملي "68 سنة" فهو صانع يدوي لمفارش العرائس وكان قادما من دمنهور للإسكندرية لبيع 24 مفرشا يدويا بناء علي طلبية لأحد تجار الإسكندرية وعند وقوع الحادث أصيب بحالة إغماء وعندما أفاق كان داخل سيارة إسعاف واكتشف باختفاء مفارشه وتليفونه المحمول فطلب من المسعف الاتصال بأسرته من تليفونه لإبلاغهم بالحادث بعد أن سرق كل ما بحوزته. مضيفا بأنه أصيب بكسر بالركبة والساق بالإضافة إلي كدمات بجميع أنحاء الجسم وضاع مجهود الشهور الماضية. أما مصباح السيد عثمان "50 سنة" من كفر نعمات الدقهلية فيروي قصة مأساته قائلا: أنا كنت جاي أشتغل للعمل في العلمين وحضر ومعه مبلغ ألفان جنيه لشراء مستلزمات النجارة ومعه صديقه أحمد محمد أحمد البربري الذي لا يعلم إذا كان علي قيد الحياة من عدمه وعند وقوع الحادث أصيب بإغماء وعندما أفيق فوجئت بأني علي ملاية وسط الجثث بأرض زراعية فأخذت أصرخ بأنني لازلت علي قيد الحياة حتي حضر لي المسعفون ليكتشف بسرقة أموالي وتليفوني المحمول وساعتي. موضحا أن ما حدث هو خراب بيوت ما بين كسر الساق وكدمات بالضلوع وإصابته التي سوف تقعده عن العمل خاصة وأن لدَّي طفلين سبع سنوات وثلاث سنوات. ومن الأسر المحظوظة أسرة محمد السيد عواد "34 سنة" الذي كان قادما للإسكندرية مع زوجته وبناته حنين "ثلاث سنوات" وحنا "خمس سنوات" وحماه وحماته من الإسماعيلية للاصطياف ونجا مع أسرته من الموت بأعجوبة حيث أصيبت زوجته بكسر وتم تركيب شريحة لها. ومن الأسر المحظوظة حسرة محسن حسني عبدالعال القادمين إلي الإسكندرية بعد مشاركتهم بحفل عرس بالتل الكبير وكان معهم كل من زوجته وابنته أميرة "30 سنة" وزوجها أحمد محمد السيد عواد وابنه حسني "28 سنة" وكريم "17 سنة". وأكد أنه فور وقوع الحادث أصيبوا جميعا بحالة إغماء ليتبين إصابته بكسر في الأنف عند نقله للمستشفي بينما قام أولادي بمحاولات إخراج الضحايا خوفا من انهيار العربة بهم.