مازلت عند رأيي أن المسئولين في هذا البلد جميعًا بعيدون كل البعد عن السماء التي يُحلِّق فيها رئيس الجمهورية عبدالفتاح السيسي فالرجل يسابق الزمن برؤاه وأفكاره ويريد أن تتحقق كل الأحلام في أقصر مدة ممكنة وبأكثر جودة عالية واتضح ذلك جليًا في الكثير من المشروعات التي انطلقت في البلاد من أقصاها إلي أقصاها وشهدت البلاد طفرة هائلة نحو الاستقرار الاقتصادي من ينكرها جاحد تجلت مظاهرها في ارتفاع مستوي النمو والاحتياطي النقدي للبلاد ولا يكاد يمر يوم إلا وتتفتح مجالات جديدة للاستثمار ومشروعات تزيد من فرص العمل وتخفض أعداد من لا يعملون وأصبح ذلك محل تقدير الكثير من البلدان العربية والأجنبية التي نرتبط معها بأنشطة اقتصادية. نعم الكثير ممن يعملون في أجهزة الدولة مازالوا يعملون بفكر قديم ورؤي عفا عليها الزمن وكأنهم لا يرون إلا ما يريدون أن يروا وعلي سبيل المثال لا الحصر العاملون في سكك حديد مصر التي تعاني إهمالاً لا نظير له نري نتائجه بشكل دائم علي أرض الواقع فلا يكاد يمر أسبوع واحد إلا وتشهد هذه المنظومة حادثًا قد لا يكون مروعًا في كل مرة مثل خروج عربات قطار أو جرار من علي القضبان أو حادثًا جللاً مثل الذي حدث أمس في الإسكندرية لقي خلاله حتي مثول الجريدة للطبع 42 شخصًا بريئًا حتفهم وأصيب 179 آخرون بعضهم قد يصاب بعجز كلي ولن يستطيع الحركة مرة أخري أو آخرون بترت أجزاء من أجسادهم قد تمنعهم من العمل بعد ذلك. * نؤكد أن من أهم مصائب هذا القطاع أن التعيين والتوظيف فيه علي مدار كافة العهود السابقة كان يتم بالواسطة حتي أن بعض العاملين في السكة الحديد كانوا ينجحون في تعيين أولادهم بوظيفة "محولجية" بعد الحصول علي الشهادة الإعدادية وهم يواصلون دراستهم وتصبح الوظيفة مجرد حبر علي ورق يحصل المعين علي راتب دون أن يؤدي أي عمل إلي أن يحصل علي مؤهل دراسي متوسط كان أو عال ويتم بعد ذلك التسوية له وبالطبع يحصل علي ترقيات ويشغل مناصب قيادية دون أي خبرات وللأسف هناك عائلات في عدد من المحافظات عينوا جميعًا بالسكة الحديد طبقًا لما أكده لي أحد العاملين في الهيئة لدرجة أن هناك 53 موظفًا بينهم صلة قرابة ابتداء من وظيفة محولجي حتي كبير مهندسين. * هؤلاء بالطبع لا يؤدون أعمالاً ترتقي إلي ما يتطلبه الوضع الراهن والظروف التي تمر بها البلاد وما يتطلع إليه الشعب المصري من تقدم وازدهار فعمليات الصيانة تتم وفقًا لمعايير قديمة عفا عليها الزمن والآن صيانة القطارات في كل أنحاء العالم تتم بواسطة الاعتماد علي التكنولوجيا الحديثة وأصبحت السكة الحديد وسيلة النقل الأولي في الكثير من الدول المتقدمة والأكثر أمانًا ومازلنا نحن "نحول" مسار القطار بواسطة مفتاح التحويلة قبل قدوم القطار بدقائق علي الرغم من أن مصر هي الدولة الثانية في العالم بعد إنجلترا التي أنشئ فيها مرفق للسكة الحديد وكان مصدرًا للتباهي والفخر إلي أن حل بهذه الهيئة ما حل وتدهور حالها لدرجة أن هناك بعض القطارات ليس بها أبواب ولا زجاج ولا إضاءة ولا دورات مياه ناهيك عن عدم الانتظام في المواعيد ولم تعد تؤدي دورها كمرفق مهم في نقل البضائع بعد أن تم إلغاء أرصفة البضائع والحاويات في الكثير من المحطات وللأسف تم دفن ملايين القطع من القضبان المصنعة من الحديد عالي الجودة الذي كان قادمًا من إنجلترا وكذا الفلنكات الخشبية ولو تم اكتشاف أماكنها لأصبح لدينا كميات من الحديد تغنينا عن استيراد الخامات لعشرات من السنين القادمة ولكن الإهمال مازال مستمرَا وممتلكات الهيئة من مهمات وأراض تسرق "عيني عينك" علي مرأي ومسمع من المسئولين في الهيئة وهناك مافيا قادرة علي إخفاء ملفات الفساد في هذا المرفق. * لقد حان الوقت أن نفيق من غفلتنا ونفعل دور العلم وأن تخضع كل الأمور للتطور ولابد أن يبادر رئيس مجلس الوزراء وحكومته بتقديم مشروع إلي مجلس النواب فورًا يتضمن إنشاء قسم لهندسة السكة الحديد في كل كلية هندسة بجميع جامعات مصر وأن يتم إنشاء مدارس ابتدائية وإعدادية وثانوية لتعليم هندسة السكة الحديد يتم تعليم الصغار والشباب فيها جميع الحرف والمهن التي يتطلبها هذا القطاع ابتداء من تصنيع الجرار والعربات حتي الوصول إلي من يقومون بعمليات تصنيع المقاعد ويكون ذلك في منظومة متكاملة وأن يتم صرف مكافآت مالية لهؤلاء الدارسين الذين سيتمكنون من العمل والإنتاج أثناء فترة الدراسة حتي ننهض بهذا القطاع ويصبح لدينا كفاءات يستطيعون إدخال هذه الوسيلة في عدد من الدول التي ليس بها سكك حديد وأشير هنا إلي أن المملكة العربية السعودية استعانت بعدد من المهندسين المصريين أثناء قيامها بتنفيذ خطوط السكك الحديدية هناك وهم الأكثر كفاءة من غيرهم من الأجانب. * أما الأهم والأهم من ذلك فلابد من محاسبة كل من يثبت ارتكابه لأي خطأ تسبب في مأساة الأمس التي أدمت القلوب قبل العيون التي شاهدت أشلاء الضحايا تتناثر وسط الزراعات وأن بعض الجثامين لم يتم التعرف علي هويتها بسهولة ولابد أن يراجع المسئولون أنفسهم ولا يلقون اللوم علي الإشارات ذلك الكائن الأخرس الذي لا يستطيع الدفاع عن نفسه أو أن يصبح سائقا القطارين هما الضحية "ويشيلوا" الليلة.. بصراحة لابد أن يشعر عدد كبير من كبار المسئولين في وزارة النقل والسكة الحديد بالخجل وأن يبادروا إما بالاستقالة أو الإعفاء من مناصبهم وأن يتركوا المكان لآخرين من أصحاب الكفاءات حتي ينقذوا هذا المرفق المهم ويقوموا بتطويره ليتناسب وتاريخنا الطويل كدولة تعمل بها السكة الحديد منذ أكثر من عقدين من الزمن. أيضًا لابد من إعادة النظر في عمليات التوظيف والتعيين في هيئة السكك الحديدية وأن يخضع المتواجدون حاليًا إلي اختبارات لتحديد إمكانيات كل منهم وقدراته علي تنفيذ الأعمال الموكلة إليه وأن تتوقف فورًا عمليات التوظيف للأقارب أو بديل للأب الذي يبلغ سن المعاش أو يتقدم لتسوية معاشه والتي كانت سببًا للابتلاء الذي نحن فيه وأن يتأكد كل واحد أن الهيئة مش عزبة أبو من يريدون التعيين.