ہ علي مدار عدة عقود ونحن نستمع إلي أغاني أهل بلاد الذهب بكل ما فيها من مواجع وأنين وحزن ولوعة وحنين جارف للعودة إلي أرضهم.. مائة عام أو أكثر وأجيال ورا أجيال تتوارث حزن الفراق وتتمسك بأمل العودة.. كل نوبي يولد يحمل في جينات تكوينه نفس مشاعر الأجداد الذين هجروا من قراهم في أقصي الجنوب ليتم توطينهم في أضخم مشروع توطين في مراكز أسوان.. الكل يشعر أن هناك فرقاً.. نفس الفرق الذي تعيشه سمكة خرجت من الماء إلي اليابسة.. لقد شعر الأجداد بالغربة والوحشة في البيوت الأسمنتية التي لم يألفوها والأرض الرملية الصفراء التي لم يعهدوها.. غنوا ألحاناً حزينة وأذرفوا الدموع علي الأرض السوداء التي تركوها ومياه النيل التي كانت تحيط بهم وتحتضنهم من شمس ساطعة ساخنة ونخيل وارف متعدد الألوان والأشكال وتمور تتساقط منه بحلاوة وطعم ليس له مثيل.. ستبقي أغاني الأجداد والأحفاد علي مدار قرن من الزمان في ذاكرة وتاريخ الموسيقي والغناء بكل ما تحمله من زفرات أنين وحنين.. لكن قد يضيف النوبيون عشاق النغم وصناعه ألحاناً وأغاني كلها بهجة وسعادة تعم علي أرجاء هذا الوطن عندما تطأ أقدامهم من جديد أرضهم السوداء القديمة.. عندما يعودون إلي قراهم في تقسيم إداري مصري هو نفس التقسيم الذي عاشوا فيه آلاف السنين عندما يرون قري قورته واميركاب - ماريا - كلابشة - كشتمنة - الدكة - المضيق - وقرشة - كرور - مصمص - كرسكو - وأرمتا - الديوان - ادندان - توماس وعافية - ابريم وتوشكي - وقسطل والجنينة والشباك ودهميت وعنيبة. ہ إنه حلم طال انتظاره وستحققه ثورة 25 يناير وأعتقد أن أهل النوبة سيكونون أكثر امتناناً وعشقاً لهذه الثورة وهذا التاريخ بعكس ثورة يوليو التي هجرتهم إلي موطنهم الذي عاشوا فيه كل هذه السنين علي مضض وإن كانت المصلحة العليا في بناء السد العالي كانت حلماً قومياً عاماً.. سيغني أهل النوبة لثورة يناير التي جعلت صوتهم مسموعاً وأنينهم مرفوع وعودتهم لعشقهم وأرضهم ممكنة. ہ إنها مجرد خطوات ومجرد أوقات ليعود الفراعنة السمر إلي مكان يرتضونه وأرضاً كانت لأجدادهم من قبل التاريخ أرضاً علمتهم الحب والوفاء والطيبة والتحضر والإخلاص. ہ من يخون النوبيين أو يدعي انفصاليتهم ما هو إلا متآمر لا يعرف حقائق الجغرافيا ولا التاريخ.. لا يعرف أن هؤلاء المصريين القدماء السمر الأقوياء يعشقون هذا الوطن حتي النخاع ودافعوا عن ممالكهم وصدوا غزاة وطامعين وكانوا سداً منيعاً أمام أي غاز وطامع.. انهم مثل كل القبائل المنتشرة في مصر وعلي حدودها لا يفرطون في أرضهم ولا ينفصلون عن وطنهم الأكبر مصر.. يختلطون في الحياة والحضارة ويبدعون ويساهمون فيها ولكن لا يفرطون في موطنهم الأصلي لأن جذورهم ممتدة فيه ولا يستطيعون أن يعيشوا كنباتات شيطانية بلا جذور.