وأنا طفلة السابعة.. كنا نسكن عند جدتي لوجود أبي مشاركا ومحاربا في حرب الاستنزاف.. لي من الأصدقاء صفية ورائد.. الذي كان والده مجندا هو الاخر. ذات صباح افقت علي عربة كبيرة تنقل اثاث بيت رائد. أمي وأبي يساعدون بحب وحزن مختلطين حتي انطلقت عربة العفش لبورسعيد.. وصعد رائد ووالداه للغداء عندنا ثم للحاق بالعربة التي تقلهم الي مدينتهم الأصلية.. كنت غاضبة جدا كيف سيتركني زميل المدرسة ورفيق اللعب ويسافر.. قلت لوالده: لو سمحت يا عمو سيب رائد هنا. قال لي : ازاي ياهالة وأين يعيش؟ قلت له : معنا أنا وهشام وأخي. ضحك وقال : لاينفع.. عموما بعد ان يكبر ويتزوج.. لو اراد العودة ليعيش هنا براحته الشقة موجودة لكنني لن اترك بورسعيد ثانية. اجبته بثقة : اتزوجه ليبقي معنا. ضحك الرجل ملء قلبه وقال: - لايجوز - لماذا .. هكذا قلت له حزينة غاضبة؟! فرد أبي وهو مازال يضحك لأنه مسيحي وأنت مسلمة. - يعني إيه؟! - هو مسيحي وأنت مسلمة. رددت بسرعة ماهو بكرة يخف ونتزوج. ضحك أبي أكثر وقال ليس مرضا.. دينه غير دينك - يعني إيه؟! سكت ثم نظر لوالد رائد وقال: يعني أنتما أخوة.. زي هشام وأنت.. ينفع تتزوجي أخوك؟! - لا. هكذا رائد وأنت. اطرقت حزنا وفجأة قلت لوالدي.. هو مثل هشام أخي.. وأنت تبقي والده.. ليبقي معنا.. وعمو يجيب واحد تاني لنفسه ويبقي هو وانجيل معه في بورسعيد. ضمني والد رائد قائلا: فقط لو حاربنا ياهالة سيعود رائد ليبقي هنا بجانبكم هو وطنط وأنجيل. - يارب تقوم الحرب ويرجع رائد عندنا.. هكذا تمني قلبي الذي لايعرف شيئا عن ويلات تلك الحرب ولاكيفيتها وقتها كان يعني حرب .73 قامت الحرب وارتوت رمال سيناء بدم عمو نبيل ولم يعد رائد ولم نتقابل ولكن ذكرياته تظل عالقة بعقلي وقلبي.. هكذا تربينا.. وهكذا كان ذكاء الآباء.. تربي داخلنا الحب واللحمة وعدم الفرقة. لم يبذلوا حينها مجهودا كبيرا في تعريف الوحدة الوطنية ولم نرفع الصليب مع الهلال ولم نمسك لبعضنا علي حروف الكلمات.. البيت الكبير ضمنا وسيظل رغم ما يحدث.. حكايتي مع صفية المسيحية ورائد المسيحي وكيف كنت الاقرب والأحب لرائد رغم ما يحدث.. حكايتي مع صفية المسيحية ورائد المسيحي وكيف كنت الاقرب والاحب لرائد رغم انه عمد في يومك واحد مع قريبته صفية. هذه الحكاية ليست حدوته وليست للتسلية لكنها مما تبقي عالقا بالذاكرة من ذكاء منظومة متكاملة من تعليم الأسرة والمدرسة والمجتمع فلماذا نعود لنفسر الماء بالماء.