خيال هذا أم حقيقة؟!! طبيب شاب متخصص في أمراض الباطنة والفيروسات الكبدية. يكرس حياته لخدمة المرضي غير القادرين. ويفتح عيادته مجاناً لمحدودي الدخل.. لا يقبل قيمة الكشف إلا إذا أصر المريض علي الدفع.. ويتحمل هو من جيبه قيمة مشروبات الضيافة باردة أو ساخنة التي يقدمها لمرضاه.. ويري أن مكسبه الأكبر هو الراحة النفسية التي يشعر بها فور وصوله إلي منزله. هل هذا النموذج يمكن أن يكون موجوداً في حياتنا اليوم؟!! ومن أين يأتي بالملايين التي سيدفعها لشراء الشقة الفاخرة. أو الفيلا.. والملايين التي سيدفعها لشراء السيارة الفاخرة.. والملايين التي سيدفعها لأبنائه في الجامعات الخاصة أو الدولية. والدروس الخصوصية لزوم الوجاهة الاجتماعية؟!.. ناهيك عن مصاريف البيت والفُسَح والملابس؟!! معقول؟!.. هناك مَن يستطيع أن يتحمل القناعة بهذا الشكل في زماننا؟!! وإذا وجد هذا الشخص. فالمؤكد أن يكون قد تجاوز سن الطموحات الكبري.. واتجه إلي العمل الخيري التطوعي بعد أن حقق كل أحلامه.. أما أن يكون في الأربعينات من عمره. ويسير في هذا الطريق. فلابد أنه شخص غير عادي.. يحمل قلباً رحيماً كبيراً. غير القلوب التي نعرفها.. ولابد أن وراءه ومعه أسرة قوية ثابتة مؤمنة بما يفعل. ومقدرة ومؤازرة له. القصة أوردتها صحيفة "المصري اليوم" الخميس الماضي.. وبطلها هو الدكتور السيد إبراهيم المر. استشاري أمراض الباطنة والفيروسات الكبدية بمستشفيات جامعة الزقازيق بمحافظة الشرقية. تنقل الصحيفة عن سكرتير الدكتور قوله: إنه يقوم بتسجيل الحالات الوافدة إلي العيادة.. والدخول إلي الدكتور حسب أولوية الحضور. مهما كانت شخصية المريض.. الكل متساوون.. ولا أستطيع تقاضي قيمة الكشف إلا إذا أصر المريض علي الدفع.. وبعض المرضي يصرون علي دفع الكشف.. وما نحصل عليه من هؤلاء الذين يصرون يكفي جداً لاستمرار تشغيل العيادة التي تقع في موقف المنصورة بمدينة الزقازيق. وبمجرد دخولك للطبيب يصر علي تقديم واجب الضيافة من مشروبات باردة وساخنة بجملته المعهودة: "أنت ضيفي. ومش هكشف عليك قبل ما تشرب"!! أما الدكتور السيد فيقول: "كفاية إن الواحد بيحاول ينشر الخير.. البلد اليومين دول محتاجة لكل حاجة حلوة في أي مجال". وأكثر ما يسعده المتابعة المستمرة من طلاب كلية الطب. ليروا ما يقوم به من عمل. وكيف يقدم الخدمة والمساعدة للمرضي. حتي يقتدوا به ويسيروا علي نفس الدرب. ويضيف: أتوقع أن الجيل القادم من خريجي كليات الطب هو الجيل اللي كنا بنحلم به.. منهم من لديه فكر راق في تقديم الأعمال الخيرية.. وجيل آخر يتبرع بالدم للمرضي. وغيره من الأعمال. تخيل لو عندنا في كل حي.. أو في كل قرية.. نموذج مثل هذا الطبيب الرائع.. كيف ستتغير حياتنا.. وتكون أكثر هدوءًا أو سعادة ورحمة. إن كثيراً مما نعانيه في حياتنا سببه الجشع لدي الجميع.. والرغبة العارمة في تحقيق أكبر قدر من المكاسب والامتيازات في أسرع وقت.. البعض لا يهتم بالوسيلة التي يحقق بها غايته.. فالغاية تبرر الوسيلة.. وكل تصرف يمكن أن يقدم له تفسيراً يجمله في عيون الناس.. المهم أن يحصل علي المال.. ويلبي طموحاته وطموحات أسرته. التي ليس لها حدود. ومهما قلت. وقال الناس في إدانة الجشع. والطمع واللهاث الدائم وراء المال. لن يقتنع أحد إلا بالنموذج.. فالكلام سهل. ولكن الصعب هو ذلك الرجل الذي يضرب المثل بنفسه ويكون القدوة في التغيير.. ويحتمل التضحيات في سبيل ذلك. وما أحوجنا إلي نماذج للقدوة.. تقنعنا بأن الخير موجود.. وأن مصر فيها خيرون كثيرون.. المهم أن ننقب عنهم ونقدمهم إلي المجتمع.. حتي يتسع مجال الخير في بلادنا.