يعد الشاعر الكبير مجدي نجيب واحداً من أهم شعراء جيل الستينيات في مصر.ففضلا عن دواوينه الشعرية التي تشكل نفسا خاصاً وحالة خاصة في شعر العامية المصرية. والتي استهلها بديوانه الفائق ¢ صهد الشتا¢ ثم أعقبه بعدة دواوين أخري. منها ليالي الزمن المنسي. ومقاطع من أغنية الرصاص.وممكن. والوصايا. فقد كتب مجدي نجيب مجموعة من الأغاني لكبار المطربين والمطربات أسهمت في تشكبل وعينا. خاصة أن معظم أغانيه جاءت من سكة خاصة ومختلفة عن الغناء السائد. كتب لعبدالحليم حافظ. ومحمد منير. وفايزة. وصباح. ومحمد قنديل. وغيرهم. ومن أجمل وأشهر ماكتب لشادية ¢ قولوا لعين الشمس ماتحماش¢. ولأسباب مجهولة أو ربما معلومة. فإن مجدي نجيب لم يأخذ حقه النقدي ولا الإعلامي كشاعر كبير ومؤثر. استفادت الأجيال الجديدة من شعراء العامية من كتاباته. وأذكر أننا في بداياتنا كنا نتداول مجموعة من الدواوين التي ينصح بعضنا البعض بقراءتها. وكان علي رأسها ديوانه¢ صهد الشتا¢. نعم هناك بعض الدراسات عن تجربة مجدي نجيب الشعرية. لكنها لاتتناسب مع حجمه كشاعر يستحق المزيد من الدراسة والاهتمام. ربما يكون مجدي نجيب مسئولاً عن جزء من هذا الإهمال نظراً لابتعاده عن الأوساط والتجمعات الأدبية. وتركيزه في السنوات الأخيرة علي الرسم والكتابة للأطفال وهي تجربة مهمة أيضاً. ولكن متي كان حضور الشاعر الجسدي شرطاً للاهتمام النقدي والإعلامي به. خاصة إذا كان شاعرا كبيرا في حجم مجدي نجيب. ربما لا يطلب مجدي نجيب اهتماماً نقدياً أو إعلامياً.مدركاً أن كل ذلك زائل. وأن دوره كشاعر ورسام هو الإبداع دون السعي إلي ¢ شو¢ إعلامي أو نقدي. لكن حق الأجيال الجديدة التي تم تزييف وعيها بالإلحاح عليها بأسماء بائسة وقاتلة. أن تتعرف علي هذه القيمة الشعرية المهمة.لاأذكر أنني قرأت له حواراً أو تصريحاً يشكو فيه من الظلم مثلاً. وظني أن شاعراً في حجمه لايشعر بالظلم لأنه شعور قاتل لأي شاعر. فمادام يواصل إبداعه بعيداً عن منغصات ومؤامرات الأوساط الأدبية وغيرها فهذا يكفي للشعور بالرضا تماماً عما أنجز طوال مسيرته. وإن ظلت الأجيال الجديدة في حاجة ماسة إلي الإضاء علي تجربته. ورشة الزيتون التي يقودها الشاعر شعبان يوسف.والتي تسعي دائماً إلي الاحتفاء بالقامات الكبيرة. خاصة التي لاتسعي إلي الأضواء وتقضل العكوف علي تجربتها في صمت. احتفت الاسبوع الماضي بالشاعر الكبير مجدي نجيب. وحتي هذا الاحتفاء لم يحضره نجيب. وإن حضرت أشعاره وسيرته الذاتية. وحضر عدد كبير من محبيه والمؤمنين بقيمته وقامته. الاحتفالية تصدرها فيلم تسجيلي عن مجدي نجيب ¢بعنوان¢ صهد الشتا¢ للمخرجة ألفت عثمان. وهو فيلم بالجهد الذاتي للمخرجة التي عملت فيه وحدها دون مساعدة أو دعم من أي جهة. قالت المخرجة إنها تقدمت إلي المركز القومي للسينما لإنتاج هذا الفيلم عن مجدي نجيب. لكن أحداً لم يسأل فيها. ويبدو أن المسئولين عن هذا المركز البائس لايعرفون من هو مجدي نجيب. وهذا أمر طبيعي في قيادات وزارة الثقافة الآن. فإذا كان المركز قد تقاعس عن إنتاج فيلم لن يكلفه الكثير من الأموال.عن قامة كبيرة. فعن من تكون أفلامه إذن. ومتي يعيد هؤلاء تثقيف أنفسهم ليعرفوا القامات الشعرية والثقافية الجديرة بالاحتفاء. الفيلم يقدم لمحات مهمة من سيرة مجدي نجيب. خاصة فترة سجنه في الواحات. حيث يسرد الشاعر الكبير هذه الحكاية وحكايات اخري. وقد أجادت المخرجة ألفت عثمان في تناولها لهذا الفيلم حيث حرصت.باعتبارها تتعامل مع شاعر من نوع خاص. أن يأتي فيلمها مختلفاً وغير تقليدي. سواء من حيث التناول أو من حيث التقتنيات التي استخدمتها. ورغم أنها كانت تصور بكاميرا واحدة نظراً لضعف الامكانات فقد جاء الفيلم بمثابة وثيقة فنية مهمة أتمني أن تتبناه إحدي القنوات الجادة المؤمنة بقيمة الثقافة والأدب. وإن كنت أشك أن هناك من سيفعل ذلك. فإذا كانت وزراة الثقافة نفسها قد رفضت إنتاج الفيلم فكيف نطالب قناة خاصة أو عامة بأن تتبناه. لم تقتصر الاحتفالية علي عرض الفيلم ومناقشته. لكنها امتدت للحديث عن مجدي نجيب وأشعاره وأغانيه. والغريب في الأمر أن هناك عدداً من المهتمين من غير المصريين شاركوا في الاحتفالية التي أدارتها الكاتبة سامية أبو زيد. نقاد وباحثون وكتاب من فلسطين والمغرب وتونس والسودان وموريتانيا. والأغرب انهم جميعاً تحدثوا عن الشاعر الكبير ومعرفتهم له ولكن من خلال الاغاني التي قال بعضهم إنه وأسرته كانوا يستيقظون عليها كل صباح خاصة ¢ قولوا لعين الشمس¢. وإن لم يعرفوا أن كاتب هذه الأغنية واحد من أهم شعراء مصر بعد أن اطلعوا علي دواوينه. وبغض النظر عن أن مجدي نجيب آثر الابتعاد والإبداع في صمت. فإن المؤسسات الثقافية الرسمية مطالبة بالاهتمام بهذا الشاعروالفنان الكبير والاحتفاء بتجربته. خاصة بعد أن اهتمت به مؤسسات مصرية أخري تعرف قيمته. وإن كانت وزارة الثقافة أولي بالقيام بهذا الدور.. هذا إذا كانت تهتم بالثقافة والمثقفين أصلاً.