رئيس لجنة التحقيق فى أحداث اللاذقية: محاكمات المتهمين تبدأ صباح اليوم    مجانًا بث مباشر.. مشاهدة مباراة مصر ضد كاب فيردي| اليوم دون تقطيع وبجودة عالية    هتشحن بكام؟.. قيمة زيادة كروت الشحن المتوقعة    أبرز عروض كارفور في الجمعة البيضاء 2025.. خصومات هائلة    #جزيرة_الوراق تتصدر مع تحوّلها لثكنة عسكرية .. ودعوات للتصدي بالثبات في الأرض    ترامب يتوعد بعقوبات شديدة على الدول التي تتعامل تجاريا مع روسيا    حركة القطارات| 45 دقيقة تأخير بين قليوب والزقازيق والمنصورة.. الاثنين 17 نوفمبر 2025    السيطرة على حريق نشب في سيارة ملاكي و4 موتوسيكلات بأرض فضاء بالزاوية الحمراء    بمناسبة ذكرى استشهاده.. القصة الكاملة لاغتيال العقيد محمد مبروك: بطل هزّ عرش جماعة الإخوان الإرهابية    ياسمينا العبد: شخصيتي في ميدتيرم هي الأصعب.. مركبة من عدة شخصيات في آن واحد    جدول ومواعيد فعاليات اليوم الخامس لمهرجان القاهرة السينمائي    الفجر 4:52 مواقيت الصلاه اليوم الإثنين 17نوفمبر 2025 فى محافظة المنيا    مواقيت الصلاة اليوم الإثنين 17 نوفمبر 2025 في القاهرة والمحافظات    لأول مرة| البريد تطلق تطبيق «فلوسي» وخدمة التسليم عبر محطات الطرود الذكية    أمن الجيزة يفحص فيديو اعتداء مالك سيارة وزوجته على سائق بالجيزة    انتهاء التحقيق مع الفنان شادي ألفونس وحبسه 4 أيام بتهمة حيازة المخدرات    رويترز: الرئيس الأمريكى دونالد ترامب قد يجرى محادثات مع نظيره الفنزويلى    قوات حرس الحدود الأمريكية تعتقل 81 شخصا في شارلوت كارولاينا الشمالية    د.حماد عبدالله يكتب: الأمن القومى المصرى !!    مروة صبري تعتذر ل دينا الشربيني: «أنا غلطت والصلح خير»    رئيس جهاز 6 أكتوبر: قطع المرافق وإزالات فورية لمخالفات البناء    مصادر عسكرية سودانية: مقتل 6 من قيادات الدعم السريع في محور بابنوسة    مدير الترميم بالمتحف الكبير: المركز أول مبنى في المشروع.. وتمر كل القطع عليه    إيران: البرنامج النووى لا يزال سليما رغم الأضرار الكبيرة فى المواقع النووية    كلب ضال يعقر 9 أشخاص فى منطقة الكرور بأسوان    نتنياهو يواصل التهرب من تشكيل لجنة تحقيق رسمية في هجوم أكتوبر    عاجل- الفصائل الفلسطينية تؤكد شروطها تجاه أي قوة دولية محتملة في قطاع غزة    تريزيجيه: فضلت منتخب مصر على أستون فيلا.. والقرار أنهى رحلتي في إنجلترا    أحمد سعد يطمئن جمهوره: أنا بخير وقريبًا بينكم    إيطاليا تسقط أمام النرويج برباعية في تصفيات أوروبا المؤهلة لكأس العالم    اللجنة المصرية في قطاع غزة توزع الخيام على النازحين المتضررين من الطقس السيء | فيديو    حلم البديل يتحقق.. الكونغو الديموقراطية تقصي نيجيريا وتتأهل إلى الملحق العالمي المؤهل للمونديال    لاعب الزمالك السابق: خوان بيزيرا صفقة سوبر وشيكو بانزا «غير سوي»    ضبط 16 جوال دقيق مدعم وإغلاق مخابز مخالفة في حملة تموينية موسعة بالعياط    "هو ضاع وهي ضاعت".. شقيقة المجني عليه بالإسكندرية تروي تفاصيل قبل مقتله أمام أطفاله الثلاثة    مودي ناصر: طارق السيد فاوضنى للانضمام للزمالك والموسم الحالى هو الأخير مع إنبى    رجب بكار: منتخب مصر ضحى بي في أمم أفريقيا 2019    نائب رئيس اتحاد كاب فيردي: غياب صلاح لن يؤثر على قوة منتخب مصر    هل تناول اللحوم والألبان خطر على الصحة في ظل انتشار الحمى القلاعية؟    السجن المشدد عقوبة جريمة الإضرار بالأمن القومي من خلال تقنية المعلومات    أخبار × 24 ساعة.. وزارة التضامن: 10.2 مليون طفل من سن يوم إلى 4 سنوات    بولندا تستقبل 2026 باحتفالات مبهجة.. أسواق الهدايا تضيء مدينة بوزنان    بعد جولة ناجحة بأهم 3 عواصم أوروبية.. عين الحسود تصيب أحمد سعد    وزير التعليم الأسبق ل ستوديو إكسترا: التقييم المدرسى يجب أن يكون له هدف واضح    في عمق الشتاء، صيف. (10)    خبراء التكنولوجيا يؤكدون اقتراب مصر من ريادة الذكاء الاصطناعي إقليميًا بشرط توحيد الاستراتيجية    هل التبسّم في الصلاة يبطلها؟ أمين الفتوى يجيب    خطوبتي مش بتتم وقالوا لي معمول سحر.. أمين الفتوى يجيب    لأول مرة بمستشفيات الفيوم.. نجاح تركيب منظمات ضربات القلب وأجهزة الصاعق الداخلي    ما حكم الامتناع عن الإنفاق على الزوجة والأولاد؟.. أمينة الفتوى تجيب    أول رد رسمي من تربية أسيوط على واقعة سحب مقررين لأحد الأساتذة    قضايا الدولة تفتتح مقرا جديدا لها بالوادي الجديد (صور)    انطلاق حملة التطعيم ضد الحصبة للأطفال حتى 12 سنة بأسوان.. صور    بتوجيهات شيخ الأزهر .. دخول قافلة «بيت الزكاة والصدقات» الإغاثية الثانية عشر إلى غزة    وزير الصحة يكشف مفاجأة عن متوسط أعمار المصريين    انطلاق أسبوع الصحة النفسية لصقل خبرات الطلاب في التعامل مع ضغوط الحياة    الرعاية الصحية تبحث تطوير خدمات القساطر القلبية المتقدمة لمرضى التأمين الصحي الشامل    وزير الدفاع يشهد تنفيذ المرحلة الرئيسية للمشروع التكتيكي بالذخيرة الحية في المنطقة الغربية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مجدى نجيب وصهد الشتا
نشر في التحرير يوم 28 - 10 - 2014

أصعب شىء على الباحثين عندما ينقبون عن سيرة كاتب أو شاعر أو فنان، هو اختصار الشخص فى قصيدة أو أغنية أو رواية، وهذه الظاهرة ليست مصرية فقط، بل امتدت لتشمل كتّابًا وشعراء وروائيين فى العالم العربى، فالكاتب السودانى الطيب صالح تم اختزاله فى روايته «موسم الهجرة إلى الشمال»، والشاعر السورى نزار قبانى تم اختزاله فى بضع قصائد أغنيات، والكاتب المغربى محمد شكرى ركزت الميديا النقدية والإعلامية على روايته «الخبز الحافى»، لما فيها من خروج ووضوح وجرأة قل ما نقابلها فى نصوص روائية أخرى.
أما على المستوى المصرى فجمال الغيطانى يعنى «الزينى بركات»، ويوسف القعيد يعنى «يحدث فى مصر الآن»، وصبرى موسى يعنى «فساد الأمكنة»، وقبلهم يحيى حقى يعنى «قنديل أم هاشم»، وسعد مكاوى يعنى «السائرون نيامًا»، وغير هذا نجد الكثير من هذه الاختصارات والاختزالات التى لها أسباب عديدة ومتنوعة، والحقيقة أن هذه الظاهرة أصبحت ضارة للغاية، لأنها تركز على جانب، وتحجب جوانب أخرى للمبدع، وربما تكون الجوانب المحجوبة أهم بكثير من الجوانب المعلنة، وهذا ما حدث مع الشاعر الكبير مجدى نجيب، الذى اشتهر بأغنياته التى عمّ صيتها الأرجاء مثل أغنية «كامل الأوصاف»، التى غنّاها عبد الحليم حافظ، وكذلك «قولوا لعين الشمس» التى غنتها شادية، و«العيون الكواحل» التى غنتها فايزة أحمد، وأغنية «الحب ليه صاحب» والتى غناها أحمد منيب، ثم الأغانى التى غنّاها الفنان محمد منير مثل «شبابيك وممكن، وحواديت، ومن أول لمسة»، وهكذا وهكذا، فشهرة هذه الأغانى الناجحة جماهيريا وفنيا أخفت جوانب كثيرة مضيئة فى مسيرة هذا الشاعر والفنان، الذى غنى شعرًا للناس والحياة والأطفال والعمّال والفلاحين والمرأة، وها هى قصيدة بديعة عنوانها «الأصوات»، وصاحبت القصيدة لوحة للشاعر، يقول نجيب فى مستهل قصيدته:
(الكفّ العرقانة بتولد قلعة
تحمى العمر.. والشهر ماعادش يعاشر إنسان بيجوع
وماعادشى فى عينكم ياصحابى..
معنى اللوعة
ولا آهة تجر دموع...).
والشاعر مجدى نجيب كان أحد الذين ابتلوا فى مقتبل حياتهم بالاعتقال، ومن بين ما كتبه فى هذه التجربة أغنية «شبابيك»، التى استوحاها من شبابيك السجن المعلولة، وفى هذا المعتقل ارتبط بالكثير من المناضلين اليساريين، وهذه القصيدة التى نشرها فى العدد الصادر فى 28 أكتوبر عام 1965 من مجلة «صباح الخير»، يبدو فيها أثر الثقافة اليسارية، والتى تتحول فيها الحياة إلى أصوات حية فاعلة، فيقول فيها:
(جرى إيه يا مكن
جرى إيه يا مكن
أنا برضك إنسان وحدفنى زمن
وحدف لى محن..
من ساعة ما قرينا الجرنان
وقالوا لنا زمانّا جديد وحديد ومكن
أنا قلبى اتمطع جوّه ضلوعى وقلت:
«مش هابقى مكن..»..).
وتسترسل القصيدة فى رسم الجوّ العمّالى الذى يحيط بالمكن والعمّال، ويشتاق إلى نسمات الحرية التى كانت مفقودة، ولكن الشاعر يأمل فى وجودها، والعامل ينتظرها ويسعى إليها فيغنى قائلا:
(أنا أول إنسان حيفك لنفسه المسامير
ويفضّى من قلبه الزيت الأسود
واتحول بنى آدم من غير جنازير
قلبى لصاحبى يقول: يا صاحبى
وما عدتش أبقى صامولة وآهة فى جنبى
ولا ترس يدور
أنا عقلى بذور مبدور
مستقبل أبيض
وباخطّى جدران السور
وبافضّى من قلبى الزيت الأسود).
هذه كانت ثقافة مجدى نجيب التى اعتنقها ودافع عنها واعتقل من أجلها، وهى لم تكن خاصة به وحده، ولكن هذه الثقافة كانت مناخًا واسعًا، شمل شعراء آخرين، وعلى رأسهم الشعراء عبد الرحمن الأبنودى وسيد حجاب ومحمد إبراهيم أبو سنة ومحمد أمل دنقل، وكمال عمار وحسن توفيق وآخرون، ثقافة السعى والنضال من أجل الحرية، وغالبية هؤلاء الشعراء أصدروا دواوينهم فى هذه الفترة، أى فى منتصف الستينيات، وقد أصدر مجدى نجيب ديوانه الأول «صهد الشتا» آنذاك، وقدمه الشاعر والناقد مجاهد عبد المنعم مجاهد، وكتب دراسة نقدية تحت عنوان «لهذه الأشعار الغريبة حكاية»، وجاءت الدراسة رصينة وكاشفة، ورغم أن الناقد ينتمى إلى جيل أسبق قليلا، وهو شاعر يكتب الشعر الفصيح الحديث، وصاحب الدراسة يميل إلى قراءة النصوص الأدبية من منظور فلسفى حسب تخصصه، فإنه قد استطاع أن يغوص فى بحر القصائد ليستخرج منها لآلئ ساطعة ومضيئة، وراح يصول ويجول ليكتشف أن هذه الأشعار لها آباء وجدود مباشرون، وأخذ عبد المنعم مجاهد يحلل التناقض الواضح بين الصهد والشتاء، وكيف يكون للشتاء صهد، ولكنه اكتشف أن هذه التناقضات الشكلية هى التى تقوم عليها الفنون، وربما تصبح سرًّا من أسرارها، فرغم أن الشتاء والصهد لا يجتمعان فى الواقع، فإن الشاعر وجد لهما صيغة فى الخيال، ليصل بنا إلى معنى يريد أن يرسله الشاعر عبر صوره وفقراته الناعمة، وتعتبر هذه الدراسة هى أول بيان نقدى قدم الشاعر مجدى نجيب، وقد أتمها الناقد فى 13 أغسطس عام 1964، أى قبل نشره قصيدة «الأصوات» بعام، ثم انطلق الشاعر فى ما بعد ذلك، ويكتب الأغانى، ويكتب الدراسات النقدية عنها، ثم يبدع فى الرسم، ويأتى ديوانه الثانى «الحب فى زمن الحرب»، والحب هنا ليس بالمعنى البسيط والتقليدى الذى ينشأ بين فتى وفتاة، بل إنه الحب الشامل والإنسانى الذى يضم المرأة والوطن والحياة والعدل والحرية، وكذلك يغنى لمصر فيقول:
(اللى تتسمى بكل اسم فيه نبض النضال
فى وريد ولد
اللى ضلّها من فوقينا
زى أم ملهوفة على ولادها
عمره ما ابتعد
الحنونة، الرقيقة، البشوشة، العنيدة
الحزينة، السعيدة،
من أيام ما كان الفراعنة بيحفروا أجمل أمل).
ثم ينشر ديوانه الثالث: «ليالى الزمن المنسى»، ويقدمه الناقد جلال العشرى بدراسة نقدية تصل إلى 40 صفحة، وبعدها يأتى الديوان الرابع ليشارك مجدى نجيب شعراء الوطن الهيام بانتصار أكتوبر 1973، وكان عنوانه «مقاطع من أغنيات الرصاص»، ويكتب مقدمته الناقد على شلش الذى يقول: «لقد ظهر مجدى نجيب فى غمار حرب، ونضج فى غمار حرب ثانية، وها هو يتألق فى غمار حرب ثالثة، ففى عام 1956 كانت البدايات الحقيقية لأشعار مجدى نجيب، وفى عام 1967 تقدمت هذه البدايات، وفى عام 1973 تألقت الأشعار فى يديه وبدت أكثر نضجًا».
هذا هو مجدى نجيب الشاعر الرقيق الذى أفلت من براثن قسوة الاعتقال ليعطينا شعرًا وغناءً ورسومًا ودراسات نقدية، ولا تستطيع هذه الأغانى الجميلة والشهيرة أن تختزله وتلخص مسيرته.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.