ابتداءً أعلم الظروف التي يمربها الوطن اقتصاديّاً وأمنيّا ًوسياسيّا ًومستعد للتعاون والتعايش المخلص لكن يبدو أن الوطن هو غير المستعد لاحترامي - كمبدع-! ربما كإنسان نكون قد اعتدناها وتكفينا نظرة سريعة عابرة لأحوال المسكين المسمي بالمواطن العادي. لكن للمبدع نفسيته وإحساسه الكبير بذاته وكرامته وموهبته أياً كان مستواها فينظر الآخر. ولن أطيل وأتوجه بسؤالي مباشرة للنظام ابتداء من السيد الرئيس مروراً بحكومته التي أخفت كل ملمح للبهجة من حياة المواطن - ونحتمل باعتبارها مرحلة- والسؤال هو : كيف تنظرون للمبدع وقيمته حقيقةً - بغض النظر عن شهرته - ؟ وكيف تنظرون للإبداع وتأثيره في الحياة عموماً. وفي مصر وظروفها الراهنة؟ ومامدي ضرورته؟ ليتكم تعلمون ثم تصدقون أن ثروتكم الحقيقية ومخزونكم الاستراتيجي الأكبر في مبدعيكم بعيداً عن المصطلح المتميع ¢ القوة الناعمة ¢ الذي أستشعر فيه رفاهية البيتي فور وكريمات الشعر وكل ما هو كماليات ترفيهية وذلك لشعوري أننا القوة الحقيقية في أقسي لحظات الحياة صعوبة وخشونة ودموية هل تؤمنون فعلا أن قصور الثقافة يمكنها أن تنشرالنور في العقول شريطة أن تتحرر إرادتها المالية وتتضاعف وتتخلص من عبء الروتين وعبء الأمن الذي أحيانا ما يتوجس قلقا من الأنشطة بلا مبرر خاصة في الجامعة. هل يتسع العقل ليسمح لنا بمناقشة التطرف فعليّاًوعمليّاً؟ هل يقبل النظام أن يسمح للمبدعين باختراق المحظور والتواصل في لقاءات مفتوحة مع أصحاب الرؤي الظلامية؟ أم أن شبح فرج فودة يكبّل أيدي أصحاب القرار؟ تتحدث الدولة عن التنوير .. تنويرمن ؟مجرد مؤتمرات وندوات مغلقة يحضرها المستنيرون المتكلّسون المنغلقون علي أنفسهم فحسب ولا يصل أي منتج للعامة. هل يقبل النظام طرح أفكار وسبل للتعاون بين وزارات الأوقاف والتعليم والشباب والرياضة والثقافة والإعلام بميزانيات ضخمة - رغم الظروف - ويمكن دعم الفكرة بجانب ما تقدمه الدولة من خلال رجال الأعمال بإنشاء وديعة محترمة تليق باسم مصر تنفق علي مشروعه التنويري وتحترم الأديب وتكرمه وتكفيه أن يسافرمن بلده لمكان الندوة في أعماق القري والنجوع أو الذهاب إلي أي مؤتمر كريما ويقيم كريما ويعود كريما وينال مكافأة تناسب آدميته وقيمته وظروف الحياة. كيف يستقيم المنطق ويقبل العقل أن يسافر أديب من بلده قاصدا المشاركة في فعاليات معرض الكتاب ليلقي قصيدة مجانا؟! كيف ينشر كتابا أو نصا داخل بلده ولاينال المكافأة الهزيلة إلا بعد شهور طويلة؟.. كيف تستقبل قناة النيل الثقافية وقنوات التليفزيون المصري الضيف المبدع مجاناً؟ باختصار مؤسسات الدولة تستغل طيبته وقهره وحاجته لبعض التحقق ولو أمام أسرته فيقبل بالمجانية مضطراً. هل تابع رئيس الوزراء ورئيسة التليفزيون حالة التردي التي وصل إليها تليفزيون الدولة خاصة قنواته الثقافية؟! وتواضع إمكاناته الفنية والتقنية حتي حالته المزرية من الداخل وبرامجه التي لا يتابعها أحد ولا يعلن بها عاقل. هل حاسب رئيس الوزراء وزير ثقافته وثقافة النخبة المعزولة ماذا قدمت الوزارة لمصر؟وهل حققت أي تنوير؟ هل تابع وزيرالثقافة مهازل أندية الأدب المهجورة وميزانياتها المضحكة؟ هل يستطيع شعراء مصر مجتمعين مع روائييها ورساميها وموسيقييها وسائر مبدعيها أن يبلغوا في تأثيرهم تأثير داعية سلفي ممول. أوممثل. أو لاعب كرة؟ لا .. لأنهم مهملون بلا غطاء خططي أو مالي أو أي دعاية من أي نوع مجرد أداء روتيني تكراري. يا رئيس الوزراء افتح ملف تأثير وزارة الثقافة في مصرخلال ربع قرن .. ماذا أنجزت؟ وهل وجودها حمي مصر من أي شيء؟ وماذا لو ألغيناها وأعدنا إحياء مشروع المجلس الأعلي للثقافة بفروعه علي مستوي الجمهورية متخلصين من مركزية ورقية مترهلة فقدت قيمتها وتأثيرها. وهل للمبدع وحده دور.. صدقني مستحيل وهو يعمل بالمجان.. ميزانية الثقافة العامة في كل مديرية سبعة آلاف جنيه سنويا توزع علي قرابة العشرين بيتا للثقافة وكأننا سننشر التنوير بثلاثمائة وخمسين جنيها سنويا. ناهيك عن كوميديا لوائح أندية الأدب صدقني يا أي مسئول إن لم تصل الثقافة إلي كل مكان في مصر حتي إلي أجهزة الدولة السيادية بميزانيات حقيقية وبكل الاحترام للمبدع. الاحترام المادي قبل المعنوي. فلن ينصلح حال البلاد والعباد ولن يتأسس للأمة وعي ولن تصان لها هوية. انظروا للمليارات التي ينفقها الإرهاب وأرباب الفكر الظلامي وتدبروا يا ولاة الأمر أمركم. ولا تتعللوا بالظروف وليتخفف الجيل الذي مصمص موارد الثقافة المصرية وتجاوز الثمانين بعض الشيء أولئك الذين يتصدرون كل اللجان والبيوت والاجتماعات والجوائز والسفريات. وعن نفسي أعلنها لست أديباً بالمجان وعندما أجد فائضا ويقدرني وطني سأبذل ما في وسعي من حق المبدع أن يشعر ماليا وقيمياً أنه كالضابط والمستشار والفنان ولاعب الكرة.. أنه نجم حقيقي تحترمه بلاده ونظامها.