مايكل مور "مواليد 23 إبريل 1954" مخرج تسجيلي أمريكي يعتبر الأهم والأكثر تأثيراً بأفلامه التي حصلت علي العديد من الجوائز الدولية مثل "فهرنهايت 11/9" انتاج 2004 الذي حصل علي جائزة السعفة الذهبية في مهرجان كان 2004. واستطاع أن تحقق أعلي الايرادات في تاريخ الفيلم التسجيلي في أمريكا.. وفيلمه "بولنج فور كولمباين" 2002 الذي تناول المذبحة المروعة التي شهدتها مدرسة "بولنج" الثانوية في أمريكا وكانت حديث العالم عام 1999 وراح ضحيتها عدد كبير من التلاميذ.. فيلمه "سيكو" "2007" الذي يوجه نقدا لاذعا لقوانين الرعاية الصحية في الولاياتالمتحدة ويعتبر مع فيلم "فهرنهايت" الفيلمان الأعلي تحقيقا للإيرادات في تاريخ الفيلم التسجيلي أطلاقا. ومايكل مور كتب وأنتج وأخرج أفلاما تسجيلية تنتقد قضايا علي درجة بالغة من الأهمية مثل "العولمة" والشركات العملاقة وهاجم بشدة حرية إمتلاك الأسلحة. وثقافة العنف والبندقية في الولاياتالمتحدة. وفي الأسبوع الماضي شاهدت آخر أفلامه "أين يكون الغزو التالي؟" "where to invade next" الذي يتناول كالعادة قضايا اجتماعية ملحة وفي هذه المرة يقوم بعقد مقارنات بين الأحوال والقوانين الإجتماعية في الولاياتالمتحدة وبين هذه الأمور نفسها في المجتمعات الأخري. وذلك من خلال عدة رحلات خارجية يقوم بها مايكل مور شخصياً إلي العديد من الدول معظمها دول أوربية. وقد أسماها "غزوات" لاصطياد الأفكار والأحوال الاجتماعية ونقلها إلي أمريكا. ويركز "مور" في البلاد التي زارها علي عقد مقارنات بين نظم الرعاية الصحية ومجانية التعليم الجامعي. والوجبات الصحية المجانية في المدارس وعيادات الرعاية الصحية للمرأة واجراءات منع الحمل والاجهاض بدون مقابل. وعن دور المرأة في دعم الاقتصاد وأحوال السجون وقوة المرأة في دعم النهوض الاجتماعي.. إلخ. والشيء الواضح الذي حاول "مور" أن يظهره في الفيلم هو أن الأفكار الكثيرة الإيجابية التي اكتشفها في غزواته" ولدت تاريخيا في الولاياتالمتحدة في زمن أو أزمنه أكثر ليبرالية من زمن "الحرب علي الإرهاب" الفاشلة والحرب علي العراق إبان حكم جورج بوش الابن والذي تناوله في فيلم "فهرنهايت". ويحاول مايكل مور أن يوجه أفلامه التسجيلية بحيث تتوافق مع أفكاره وتدعم الفرضية التي ينطلق منها دون النظر إلي المشكلات الحقيقية في المجتمعات والبلدان التي يغزوها. فهو يقدم المجتمعات والمسئولين فيها بطريقة لطيفة ومثالية متجاهلا الجوانب الأخري في هذه المجتمعات. والفيلم يشرح بأسلوب بسيط وجذاب كيف يمكن إحداث تغييرات مؤثرة في النظام السائد لأي بلد وذلك من خلال لقاءات وزيارات لمؤسسات كبيرة ولقاءات مع مسئولين كبار ونافذين. وفي فنلندا علي سبيل المثال يوجد أحسن نظام تعليم في العالم. ولا توجد مدارس خاصة ولا أي نوع من الطبقية في التعليم. وجميع التلاميذ يتلقون نفس التعليم والمناهج.. وجميع التلاميذ يجدون قسطا كافيا جدا من الوقت للاستمتاع الحر. وللابتكار. وفي فنلندا كذلك تشكل النساء وفق القانون نسبة 40% من مجالس الادارات داخل المؤسسات والنتيجة إيجابية جداً. وفي ايطاليا من حق العمال شهر اجازة في السنة بأجور جيدة ومعاملة طبية وساعتان للراحة يومياً فهذا ما يقوله الفيلم. والذي إعترض علي عدم صحته بعض الذين شاهدوه من الايطاليين أثناء عرضه في مهرجان تورنتو بايطاليا "!!". ولم يذكر "مور" أن ايطاليا تعاني من نسبة بطالة تصل إلي 4.11% حسب الاحصائيات. وهو الأمر الذي دفع البعض إلي إتهام الفيلم بالتسطيح والتعميم وعدم التدقيق في أوضاع كثيرة سلبية. ومايكل مور في أفلامه بما فيها هذا الفيلم يحتل المساحة الأكبر هو نفسه. يظهر في صورة قريبة والأكثر قربا انه ناشط سياسي فعال. وأفلامه سلاح ماض ينتشر علي طول البلاد وعرضها. وقوة ناعمة توجه سهامها إلي الولاياتالمتحدة من أجل أن تصحح مسارها ولا تكرر أخطاء الماضي البغيضة. وفي غزوه لألمانيا يذكر معسرات الإبادة النازية. ويقول أن المانيا إستفادت من ماضيها المروع علي عكس أمريكا التي تنشط فيها العنصرية والتمييز ضد المرأة والعنف والعبودية. يقول مور: نحن نعيد أسوأ مظالمنا من جديد. فهذا البلد "أمريكا" مقسمة طوال تاريخها بخطوط عنصرية وسياسية. واقتصادية ولا ينال كل واحد فيها نصيبه العادل من "الحلم الأمريكي" وأمامنا بالطبع طريق طويل نقطعه حتي نتخلص من بشاعات وأهوال الماضي من مظاهر العبودية. والصراع من أجل الحقوق المدنية. والتفرقة العنصرية. والتمييز ضد المرأة. وإضطهاد الأقليات.. فهذه لها مشكلات تواجه النظام الأمريكي. ويقول: إن الحلم الأمريكي كما يبدو مازال حياً وموجوداً في كل مكان ماعدا أمريكا نفسها. وفي هذا الفليم "أين الغزو التالي؟" يقوم هذا المخرج المشاكس نماذج وحالات قوية من خلال تجارب الشعوب تزلزل الطرق التي تفعل بها الأشياء". وفي "النرويج" يقدم صورة للسجن مبهرة. السجناء طلقاء لكل منهم "استوديو" خاص به. أشبه لشقة صغيرة أقرب إلي الفيلا... السجين يتمتع بكامل حريته داخل مساحة تطل علي خلاء طبيعي ووسط حراس لا يحملون أسلحة. والحد الأقصي للعقوبة 21 سنة. ومن الأساليب التي يعتمد عليها هذا المخرج الذي يشكل حالة فريدة فعلاً في تاريخ السينما التسجيلية الذهاب إلي الأماكن التي تتحقق فيها مظاهر الحياة علي نحو سليم حتي يتضح الاختلاف بينها وبين المظاهر السلبية في الحياة الأمريكية التي يصوب نحوها سهام نقده. في هذا الفيلم تتعدد رحلاته وانتقالاته فيما يشبه التحقيق الواسع والمطول بين ما يجري في أمريكا وبين ما يحقق في البلاد التي يغزوها.. "فالغزو" يتضمن "ايطاليا". وفرنسا. وفنلندا. وايسلندا. والبرتغال. والمانيا. والنرويح. وسلوفينيا. وتونس. وحتي إيران حيث التقدم الكبير في أبحاث الخلايا الجذعية. طوال الرحلة يحمل مور علما أمريكيا ضخما يغرزه مع نهاية لل"غزوة" في الأرض معلنا "استيلائه" علي أفكارها التي يحملها معه إلي أمريكا. أفلام مايكل مور تعتبر نموذجا مثاليا لدور الفيلم التسجيلي في معارك الأفكار. وفي الكشف عن أسرار السياسة. ومظالم ومفاسد الرأسمالية. وفي التحريض وإحداث الصدمة. وسير أنوار المشكلات السياسية وفضح مصادر الفساد. ومع ذلك كله في توفير المتعة المعنوية والمعرفية وتغذية الوعي وخلق القدرة علي عقد المقارنات. وتسجيل مجريات التاريخ وقت حدوثها. إنها أيضا مشاريع تجارية ناجحة. وفنية تضع الكاميرا والفنان صاحب المواقف في مقام المؤرخ والباحث والمقاتل في معارك تقدم الشعوب.