انزعج الكثيرون عندما قرأوا خبر انسحاب السعودية والإمارات والبحرين والأردن من القمة العربية - الأفريقية بمدينة "مالابو" عاصمة غينيا الاستوائية بسبب مشاركة جبهة "بوليساريو" المغربية في أعمال القمة كعضو أساسي نظراً لعدم اعتراف هذه الدول الشقيقة بالجبهة من الأساس في الوقت الذي شاركت مصر في المؤتمر ولم تنسحب مثل الأشقاء الأربعة. والجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب المعروفة اختصاراً باسم "بوليساريو" بالإسباني ظهرت عام 1973 وكانت تهدف إلي تحرير الصحراء الغربية من تبعية دولة المغرب واختارت لنفسها اسم "الجمهورية الصحراوية" لمخاطبة المنظمات والكيانات الدولية ومنها الأممالمتحدة والاتحاد الأفريقي حتي أصبحت عضواً في هذا الاتحاد ومفاوضاً معترفاً به في الأممالمتحدة. ونشبت نزاعات مسلحة بين دولة المغرب الشقيقة وأنصار هذه الجبهة الذين يطلبون الاستقلال والتمتع بالحكم الذاتي وتسببت هذه الجبهة في خلافات استمرت ما يقرب من ثلاثين عاماً بين المغرب والجزائر.. فالمغرب كانت خاضعة للاحتلال الإسباني والجزائر كانت خاضعة للاحتلال الفرنسي وكان بينهما ما يشبه العداء نظراً لاختلاف مدرستي الاحتلال وجاءت جبهة بوليساريو فحظيت بتأييد ودعم الجزائر فاشتلعت الأزمة بين الدولتين تطورت إلي إغلاق الحدود بينهما. ومازالت العلاقات متوترة بين البلدين وتشهد بعضاً من الشد والجذب بين الحين والآخر كلما أثيرت قضية جبهة "بوليساريو". هذه نبذة مختصرة عن نشأة الجبهة وتطور أزمتها قبل الخوض في سبب عدم انسحاب مصر من المؤتمر المنعقد في غينيا الاستوائية. في البداية من حق أي دولة اتخاذ المواقف التي تتناسب مع رؤيتها وفي هذا الإطار لا يمكن التعقيب علي موقف الأشقاء المنسحبين من المؤتمر دعماً لموقف المغرب الشقيقة. أما بالنسبة لعدم انسحاب مصر فيمكن إرجاعه إلي عدة أسباب منها: أولاً: أكدت رئاسة الجمهورية في بيان لها أمس ان الموقف الرسمي للدولة المصرية هو عدم الاعتراف بجبهة "بوليساريو" وفي ذلك تأكيد علي دعم مصر لموقف الشقيقة المغرب ولكن مصر اتخذت الموقف الذي تراه مناسباً من وجهة نظرها بعدم الانسحاب مع التأكيد علي عدم الاعتراف بوجود وفد "بوليساريو" في المؤتمر. ثانياً: لم يكن مقبولاً ولا مستساغاً أن تنسحب مصر من هذا المؤتمر إذا علمنا أن مصر هي من أطلق هذه الشراكة بين العرب والأفارقة بعقد القمة الأولي العربية - الأفريقية بالقاهرة عام 1977 ومعني انسحاب مصر أنها تتخلي عن دورها التاريخي والريادي في هذا المجال. ثالثاً: الانفتاح المصري علي القارة الأفريقية أصبح من الأهداف الاستراتيجية للسياسة الخارجية المصرية منذ أكثر من عامين ولا يعقل أن تتخذ مصر موقفاً يهدم كل جهود التقارب مع الأشقاء في القارة السمراء.. ثم إننا لو أضفنا عنصر المصالح العليا للدولة المصرية إلي هذه القضية فإنه يمكن القول إن ما اتخذته مصر في هذا المؤتمر هو "عين العقل" خاصة أن هناك مسئولية خاصة تضطلع بها مصر كدولة عربية وأفريقية كما قال بيان رئاسة الجمهورية الصادر أمس. وإذا أضفنا لذلك أن هناك دولاً عربية شقيقة ومنها دولة الكويت ودولة السودان لم تنسحب من المؤتمر فإن ذلك يؤكد أن الانسحاب لم يكن الأسلوب الأوحد للاعتراض علي مشاركة "بوليساريو" في المؤتمر. الخلاصة أن مواقف مصر ثابتة سواء بالنسبة لقضية جبهة "بوليساريو" أو غيرها وعندما تريد مصر اتخاذ موقف فليكن هذا الموقف صادراً منها وبإرادتها الحرة وطبقاً لتقديرها وقناعاتها ومبادئها ومصالحها بعيداً عن السير في ركاب أي دول تتخذ أي موقف حتي لو كانت هذه الدول من الأشقاء المقربين جداً من مصر والمصريين.