أخيراً.. اتضح أن حكاية تعويم الجنيه ليست شائعة ولا مؤامرة للتشكيك والبلبلة.. وإنما حقيقة لها أصل وجذور.. القضية جد لا هزل فيها.. فقد كشف مسئولو صندوق النقد الدولي في اجتماعهم الأخير بواشنطن أن تعويم الجنيه كان من "المطالب الأساسية" التي قدمها الصندوق للحكومة المصرية من أجل منحها قرض ال 12 مليار دولار.. حسبما نقل زملاؤنا الصحفيون الذين شاركوا في هذا الاجتماع. ربما لم يذكر مسئولو الصندوق مطلب "تعويم الجنيه" بنفس المصطلح.. لكنهم ذكروه بمصطلحات أخري أخف وطأة مثل "وضع سياسة مرنة لسعر الصرف" أو "سعر عادل وواقعي للجنيه" أو "تخفيض الجنيه".. وكلها لا تعني في النهاية غير معني واحد هو "تعويم الجنيه". وتوقع بعض زملائنا المتخصصين في الشئون الاقتصادية الذين شاركوا في مؤتمر الصندوق بواشنطن الأسبوع الماضي أن يصدر قرار وشيك بتخفيض قيمة الجنيه أو تعويمه قبل موعد الاجتماع التالي للصندوق نهاية الشهر الجاري. ونقلوا عن كريستين لاجارد مدير عام الصندوق قولها إن "علي مصر الوفاء بالتزاماتها تمهيداً لإقرار قرض ال 12 مليار دولار وصرف أولي شرائحه.. وأهم هذه الالتزامات الإجراءات الخاصة بسعر الصرف إلي جانب تخفيض دعم الطاقة". وعلي هامش احتفالات شرم الشيخ بتاريخنا البرلماني سئل رئيس الوزراء المهندس شريف إسماعيل وفق ما نشرته "الدستور" يوم الثلاثاء الماضي: هل يتم تعويم الجنيه أم لا؟!.. وكانت إجابته نصاً "دا طبعاً داخل برنامج العمل مع البنك المركزي". إذن القضية لم تعد غامضة.. والموضوع صار في منتهي الوضوح.. لذلك خرجت أقلام وطنية تحذر من هذا التعويم الرهيب.. ليس بهدف التخويف والبلبلة وإنما بهدف النصح حفاظاً علي السلام الاجتماعي والتماسك الوطني واستقرار الدولة. لعل أقرب نموذج ما كتبه الأستاذ صلاح منتصر في "الأهرام" الاثنين الماضي تحت عنوان "قبل تعويم الجنيه" وقال فيه: "لا أتصور قبول تعويم الجنيه والسياحة في وضعها الذي عليه. والصادرات تعاني من الدول التي تغلق أمامها أبوابها وتخفض مواردها. والاحتياطي النقدي في وضع حرج يمكن أن تبتلعه آثار التعويم بسرعة وتصبح النتيجة أسوأ.. إن تعويم الجنيه يعني ترك الدولار للعرض والطلب.. وكرد فعل سريع سيرتفع الدولار وينخفض الجنيه بصورة تؤثر كثيراً علي أسعار السلع والخدمات.. والسؤال قبل أن يتورط صاحب القرار ويعوم الجنيه: أيهما أفضل.. إبقاء الحال علي ما هو عليه إلي أن تزيد موارد العملة الصعبة بالطريق الطبيعي وتخفف من آثار التعويم.. أم الدخول في مغامرة شرها أوضح من خيرها؟!.. إنني أرجو صاحب القرار ألا يتأثر بالضغوط التي تمارس في السوق من أجل التعويم فكثير من الحذر واجب وضروري". بالطبع.. أضم صوتي إلي صوت الأستاذ منتصر.. وإلي كل صوت مخلص يريد لبلدنا الرقي والاستقرار.. لا تسمعوا كلام الصندوق.. ولا تستجيبوا لمطالب الصندوق وروشتة الصندوق.. حتي لا نفاجأ بموجة جديدة من ارتفاع الأسعار والمعاناة يعلم الله وحده عواقبها الوخيمة علي الشعب. ابحثوا عن حلول بعيداً عن روشتة صندوق النقد فإنها مهلكة.. حاولوا أن تجدوا طريقاً آخر لعلاج الأزمة الخطيرة التي نمر بها.. طريقاً يعتمد علي العمل والإنتاج وتشغيل المصانع المغلقة والتقشف الحكومي "الجاد" والعدالة الضريبية وليس علي القروض.. فإن الدين هم بالليل ومذلة بالنهار.