عملاً بالمثل المصري الأصيل "داري علي شمعتك تقيد" فضلت الحكومة في مصر عدم الافصاح عن ملامح برنامج الاصلاح الاقتصادي خاصة ما يتعلق بالالتزامات التي اتفقت مع صندوق النقد الدولي علي الوفاء بها في اطار الاتفاق الذي تم توقيعه بشكل مبدئي ومن المتوقع اقراره والموافقة عليه من جانب مجلس ادارة الصندوق بنهاية الشهر الحالي وكل ما ذكرته الحكومة هو أهداف البرنامج الوردية التي تأمل تحقيقها وهي خفض عجز الموازنة والدين العام بالأساس وحل مشكلة النقد الأجنبي لكن لم تقل لنا الحكومة وسائلها لتحقيق هذه الأهداف. وما هي ملامح برنامج مواجهة الآثار السلبية المتوقعة لتنفيذ البرنامج علي مستوي معيشة غالبية المصريين خاصة وأن هناك نحو 25 مليون مصري تحت خط الفقر وفقاً لاحصاءات الجهاز المركزي للتعبئة والاحصاء بالاضافة إلي عدد معتبر آخر من الطبقة المتوسطة حول خط الفقر ويقاوم قدر جهده عدم السقوط في هوة الفقر السحيقة. ايضا اخفت الحكومة أن هناك حزمة تمويلية مطلوب منها تدبيرها قبيل الحصول علي الشريحة الأولي من القروض وتمثل شرطاً لاقرار القرض من جانب الصندوق. وأذكر أنه عقب ابرام الاتفاق المبدئي الشهر الماضي أعلن رئيس بعثة الصندوق لمصر قصة الحزمة التمويلية التي تقدر بنحو 6 مليارات دولار. ويبدو أن الحكومة فوجئت بهذه التصريحات فما كان منها إلا أن اكدت عدم دقة تصريحات مسئول الصندوق. وزادت علي ذلك بأن قالت ان الصندوق سيصدر تصحيحاً في وقت لاحق. وبالطبع لم يصحح الصندوق ولم ينف تصريحاته التي تاكدت بعد ذلك من مصادر عديدة بخلاف الحكومة. كذلك الحال بالنسبة للسياسة الجديدة لسعر الصرف والتي سيتم من خلالها تخفيض العملة الوطنية وربما تعويمها. تركت الحكومة لما يسمي بخبراء المال والاقتصاد يعبثون بالسوق من خلال تصريحات تؤكد علي تعويم الجنيه مما أدي إلي ارتفاع سعر الدولار أمام الجنيه الي مستويات قياسية في السوق السوداء. ولم تكلف الحكومة نفسها عناء توضيح الأمر للمصريين وهو ما كان سيعمل علي تهدئة السوق في واشنطن وعلي هامش الاجتماعات السنوية لصندوق النقد والبنك الدولي وانكشف ستر الحكومة. وأعلن الصندوق ما اخفته عن مواطنيها المستهدفين بالبرنامج والذين سيتحملون تكلفة تنفيذه. قال الصندوق أن برنامج الحكومة يتضمن سياسة مرنة لسعر الصرف وهو ما يعني بوضوح أن هناك قراراً وشيكاً بتخفيض الجنيه المصري. أو تعويمه قبيل عرض الاتفاق إلي مجلس ادارة الصندوق نهاية الشهر الحالي. وأكد الصندوق علي لسان مديره العام كريستين لاجارد أن علي مصر الوفاء بالتزاماتها تمهيداً لاقرار قرض ال 12 مليار دولار وصرف أولي شرائحه. وأهم هذه الالتزامات اجراءات خاصة بسعر الصرف إلي جانب تخفيض دعم الطاقة. ايضا اكد رئيس بعثة الصندوق الخاصة بمصر "كريس جارفيس" أن علي الحكومة تدبير 6 مليارات دولار لتغطية الفجوة التمويلية لبرنامج الاصلاح في عامة الأول. وقال ان مصر احرزت تقدماً في هذا المجال وانها بصدد تدبير باقي التمويل من مؤسسات مالية واطراف دولية مثل الصين وأعلن جارفيس ايضا ملامح برنامج الحكومة خاصة ما يتعلق عن عزم الحكومة علي اعادة فرض ضريبة الأرباح الرأسمالية وهو مالم تعلنه الحكومة حتي الآن. وربما فاجأني "جارفيس" عندما قال في اطار تعليله لفرض هذه الضريبة ربما لن تأتي الضريبة بموارد مالية كبيرة. لكنها ستكون مؤشراً علي مشاركة الجميع في تحمل الاعباء. وكانت الحكومة قد تخلت عن هذه الفلسفة عندما جمدت هذه الضريبة اعتماداً علي معارضة مستثمري سوق المال وتأكيدهم علي ضآلة مواردها المتوقعة. الخلاصة أن الحكومة التي كان عليها أن تشرح للمواطنين الاعباء الذي يخلفها برنامج الاصلاح الاقتصادي وكيفية مواجهة هذه الاعباء أوتقليصها. وذلك باعتبار أن المواطن هو المخاطب بهذا البرنامج وأنه هو الذي سيدفع ثمناً كبيراً لتطبيقه. لكن لم يحدث ذلك. سكتت الحكومة. وتركت الصندوق ليتحدث بدلاً منها!!!!.