حملة لتوفير أجهزة كمبيوتر.. دعوات لتأهيل المدارس لتعليم التكنولوجيا | تفاصيل    تراجعت على العربات وبالمحال الصغيرة.. مساعٍ حكومية لخفض أسعار سندوتشات الفول والطعمية    وفقا لوزارة التخطيط.. «صيدلة كفر الشيخ» تحصد المركز الأول في التميز الإداري    الجيش الأوكراني: 96 اشتباكا قتاليا ضد القوات الروسية في يوم واحد    طائرات جيش الاحتلال تشن غارات جوية على بلدة الخيام في لبنان    3 ملايين دولار سددها الزمالك غرامات بقضايا.. عضو مجلس الإدارة يوضح|فيديو    كرة سلة - ال11 على التوالي.. الجندي يخطف ل الأهلي التأهل لنهائي الكأس أمام الجزيرة    المقاولون العرب يضمن بقاءه في الدوري الممتاز لكرة القدم النسائية بعد فوزه على سموحة بثلاثية    تصريح مثير للجدل من نجم آرسنال عن ليفربول    السجن 15 سنة لسائق ضبط بحوزته 120 طربة حشيش في الإسكندرية    إصابة أب ونجله سقطا داخل بالوعة صرف صحي بالعياط    خناقة شوارع بين طلاب وبلطجية داخل مدرسة بالهرم في الجيزة |شاهد    برومو حلقة ياسمين عبدالعزيز مع "صاحبة السعادة" تريند رقم واحد على يوتيوب    رئيس وزراء بيلاروسيا يزور متحف الحضارة وأهرامات الجيزة    بفستان سواريه.. زوجة ماجد المصري تستعرض جمالها بإطلالة أنيقة عبر إنستجرام|شاهد    ما حكم الكسب من بيع التدخين؟.. أزهري يجيب    الصحة: فائدة اللقاح ضد كورونا أعلى بكثير من مخاطره |فيديو    نصائح للاستمتاع بتناول الفسيخ والملوحة في شم النسيم    بديل اليمون في الصيف.. طريقة عمل عصير برتقال بالنعناع    سبب غياب طارق مصطفى عن مران البنك الأهلي قبل مواجهة الزمالك    شيحة: مصر قادرة على دفع الأطراف في غزة واسرائيل للوصول إلى هدنة    صحة الشيوخ توصي بتلبية احتياجات المستشفيات الجامعية من المستهلكات والمستلزمات الطبية    رئيس جهاز الشروق يقود حملة مكبرة ويحرر 12 محضر إشغالات    أمين عام الجامعة العربية ينوه بالتكامل الاقتصادي والتاريخي بين المنطقة العربية ودول آسيا الوسطى وأذربيجان    سفيرة مصر بكمبوديا تقدم أوراق اعتمادها للملك نوردوم سيهانوم    مسقط تستضيف الدورة 15 من مهرجان المسرح العربي    فيلم المتنافسون يزيح حرب أهلية من صدارة إيرادات السينما العالمية    إسرائيل تهدد ب«احتلال مناطق واسعة» في جنوب لبنان    «تحيا مصر» يوضح تفاصيل إطلاق القافلة الخامسة لدعم الأشقاء الفلسطينيين في غزة    وزير الرياضة يتابع مستجدات سير الأعمال الجارية لإنشاء استاد بورسعيد الجديد    الاتحاد الأوروبي يحيي الذكرى ال20 للتوسع شرقا مع استمرار حرب أوكرانيا    مقتل 6 أشخاص في هجوم على مسجد غربي أفغانستان    بالفيديو.. خالد الجندي: القرآن الكريم لا تنتهي عجائبه ولا أنواره الساطعات على القلب    دعاء ياسين: أحمد السقا ممثل محترف وطموحاتي في التمثيل لا حدود لها    "بتكلفة بسيطة".. أماكن رائعة للاحتفال بشم النسيم 2024 مع العائلة    القوات المسلحة تحتفل بتخريج الدفعة 165 من كلية الضباط الاحتياط    جامعة طنطا تُناقش أعداد الطلاب المقبولين بالكليات النظرية    الآن داخل المملكة العربية السعودية.. سيارة شانجان (الأسعار والأنواع والمميزات)    وفد سياحي ألماني يزور منطقة آثار بني حسن بالمنيا    هيئة الرقابة النووية والإشعاعية تجتاز المراجعة السنوية الخارجية لشهادة الايزو 9001    مصرع طفل وإصابة آخر سقطا من أعلى شجرة التوت بالسنطة    رئيس غرفة مقدمي الرعاية الصحية: القطاع الخاص لعب دورا فعالا في أزمة كورونا    وزير الأوقاف : 17 سيدة على رأس العمل ما بين وكيل وزارة ومدير عام بالوزارة منهن 4 حاصلات على الدكتوراة    «التنمية المحلية»: فتح باب التصالح في مخالفات البناء الثلاثاء المقبل    19 منظمة حقوقية تطالب بالإفراج عن الحقوقية هدى عبد المنعم    رموه من سطح بناية..الجيش الإسرائيلي يقتل شابا فلسطينيا في الخليل    تقرير حقوقي يرصد الانتهاكات بحق العمال منذ بداية 2023 وحتى فبراير 2024    مجهولون يلقون حقيبة فئران داخل اعتصام دعم غزة بجامعة كاليفورنيا (فيديو)    حملات مكثفة بأحياء الإسكندرية لضبط السلع الفاسدة وإزالة الإشغالات    «الداخلية»: تحرير 495 مخالفة لعدم ارتداء الخوذة وسحب 1433 رخصة خلال 24 ساعة    "بحبها مش عايزة ترجعلي".. رجل يطعن زوجته أمام طفلتهما    استشاري طب وقائي: الصحة العالمية تشيد بإنجازات مصر في اللقاحات    إلغاء رحلات البالون الطائر بالأقصر لسوء الأحوال الجوية    عبدالجليل: سامسون لا يصلح للزمالك.. ووسام أبوعلي أثبت جدارته مع الأهلي    دعاء آخر أسبوع من شوال.. 9 أدعية تجعل لك من كل هم فرجا    مفتي الجمهورية مُهنِّئًا العمال بعيدهم: بجهودكم وسواعدكم نَبنِي بلادنا ونحقق التنمية والتقدم    نجم الزمالك السابق: جوميز مدرب سيء.. وتبديلاته خاطئة    برج القوس.. حظك اليوم الثلاثاء 30 أبريل: يوم رائع    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مسعود شومان : المؤتلف والمختلف.. يعيد الاعتبار لشعر العامية
نشر في المساء يوم 15 - 08 - 2016

¢المؤتلف والمختلف .. قراءات في شعر العامية المصرية¢ كتاب جديد صدر للشاعر مسعود شومان. يعد توثيقاً مهماً لتجارب العديد من شعراء العامية واتجاهاتهم ورصداً لأبرز تجليات هذا النوع من الإبداع. والكتاب الذي يعد جهداً مؤسسياً بالفعل يطرح العديد من القضايا بالغة الأهمية ويثير العديد من الأسئلة التي تركها مسعود بلا إجابات حاسمة أو يقينية.. في هذا الحوار يتحدث مسعود شومان بتفصيل أكثر عن الكتاب ومحتواه والهدف من إصداره.. ويجيب كذلك عن بعض الملاحظات حول كتابه:
أخذ البعض علي الكتاب تجاهل العديد من الشعراء حيث لم يحط بالمشهد كاملاً .. مارأيك في هذه الملاحظة؟
ليس من هدف هذا الكتاب استقصاء كل أسماء شعراء العامية المصرية. أو إعداد مسح شامل يطل علي شعر العامية وشعراء العامية في كل مصر. وليس هدفنا التعريج علي أهم السمات الجمالية التي يختص بها أحد الشعراء عبر دراسة أعماله الكاملة. فهذا جهد لا نستطيعه. ويحتاج إلي كتائب من الدارسين والنقاد في ظل غياب تاريخي عن دراسة هذا اللون من الشعر. و ليس من هدف الدراسة استقصاء مرحلة أو جيل من أجيال الكتابة في هذا النوع الشعري الذي بدأت قامته في السموق. وتنوع إنتاجه بشكل مدهش. لكن الهدف هو الوقوف علي إبراز أهم الاتجاهات الشعرية والظواهر التي تجلت في هذا النوع الشعري بوصفه تجليا ذا أثر بالغ في حركة الشعر الحديث. فضلا عن تأثيره الاجتماعي الواسع. وكذا محاولة تقديم معاينة لشعر العامية ودوره المجتمعي. ولا نظن أن من هدفنا استقصاء كل المحاولات أو قراءة المنتج الشعري بكامله. وما يقدمه من توجهات اجتماعية أو سيسيو جمالية خاصة مع اتساع الفترة الزمنية التي تحتاج لرصد ببليوجرافي دقيق لم يقدر له أن يتم حتي الآن.
وما المعاييرر التي علي أساسها اخترت الشعراء محل الدراسة؟
- إن هذه المحاولة تتناول مجموعة من كبار الشعراء المؤسسين خاصة في علاقتهم بالمصادر الشعبية. ثم تعرج علي عدد من كبار شعراء الستينيات كخطوة لاستكمال حلم دراسة باقي الشعراء. كما يتناول الكتاب ظاهرة نظن أنها جديرة بالدراسة موت شعراء العامية في سن مبكرة وبحث أسبابها الاجتماعية وتجذر مفهوم الموت في أشعارهم. مع رصد إحصائي لعدد كبير ممن رحلوا عن عالمنا مبكرا. ولا يتوقف الكتاب عند جيل الرواد ومن لحقهم من الشعراء. لكنه يواصل دراسة عدد من شعراء السبعينيات والثمانينيات. ويلحق الكتاب ببليوجرافيا بالشعراء المدروسين. فضلا عن كشاف تجريبي يوثق لدواوين شعر العامية المصرية في الفترة من "1980: 2015". ولا نزعم كمال الكشاف ووفاءه. لكننا نظن أنه خطوة في طريق توثيق إنتاج هذا اللون من الشعر الذي ظلم طويلا. كما يضع الكشاف جزءا كبيرا من نتاج هذا النوع الإبداعي أمام حركة النقد في مصر. وليس مستغربا ألا تتوفر تلك القاعدة المعلوماتية حول شعر العامية "نقوم بإعداد ببليوجرافيا شعر العامية منذ 1951: 2015"» وهي القاعدة التي لم تتوفر لغيره من الأنواع الأدبية. الأمر الذي يجعلنا نصرخ في وجه المؤسسات الثقافية لإنجاز هذه الخطوة التأسيسية لأهميتها ليس علي مستوي الرصد والتوثيق الببليوجرافي ولكن علي مستوي القراءة الدالة مجتمعيا وثقافيا وجماليا.
أرقام وحقائق
وما الجديد في الرصد الببليوجرافي وما الذي يفصح عنه؟
- الرصد الببليوجرافي "ملحق" يشير إلي عدد من النقاط شديدة الأهمية ليس رصدا توثيقيا فحسب تلقي بنا في جب الاجتماعي والجمالي معا. وتعكس نظرة المجتمع ومؤسساته لهذا اللون الإبداعي. حيث رصدنا ما يزيد علي ألف ديوان تراوحت بين شعر العامية والزجل وهي نسبة زادت علي ما أنتجته المطابع مجتمعة طبقا للتقرير السابق لشعر الفصحي والعامية.
بلغت نسبة ما نشرته المؤسسات الثقافية الحكومية حوالي 72% من مجمل الإنتاج الشعري في الفترة المدروسة من خلال مؤسسات الهيئة العامة لقصور الثقافة - الهيئة المصرية العامة للكتاب - المجلس الأعلي للثقافة.
جاءت الهيئة العامة لقصور الثقافة في مقدمة المؤسسات التي قامت بنشر شعر العامية والزجل من خلال النشر المركزي عبر عدد من السلاسل شبه المنتظمة وكذا النشر الإقليمي الذي تقوم عليه الأقاليم الثقافية وفروع الثقافة بالمحافظات. حيث بلغت نسبة ما نشرته قصور الثقافة حوالي 34% من جملة ما تم نشره.
بينما نشرت الهيئة العامة للكتاب حوالي 10% من جملة ما نشر. وهو ما يشير إلي غلبة نشر الفصحي علي العامية في هذه المؤسسة ليس لدينا إحصاء أو رصد لدواوين شعر الفصحي الأمر الذي يعكس اهتماما من مؤسسة قصور الثقافة بهذا اللون من الشعر. فضلا عن انتشار شعرائه في أقاليم مصر. وهي معنية بتبني ونشر أعمال المبدعين الذين يكتبون هذا النوع الإبداعي.
أما نسبة من قاموا بالنشر علي نفقتهم حوالي 25%. وربما تزيد هذه النسبة إذا وضعنا في حساباتنا دور النشر الخاصة التي تولت نشر أعمال بعض شعراء العامية وحصلت منهم علي كل تكلفة الطباعة نظير وضع اسم الدار علي الكتاب.
تتبقي نسبة 11% هي ما نشرته دور النشر الخاص من أشعار عامية وأزجال وإن كنا نشك كثيرا في أنها قد قامت بنشر هذه الأعمال بدافع تقديم الشعراء أو تبني إبداعهم. وهو ما يؤكد أن معظم الشعراء الذين نشروا في هذه الدور قد تكبدوا نفقات نشر دواوينهم أو القدر الأكبر من تكاليف النشر.
يشير الرصد الببليوجرافي إلي تزايد مضطرد لنشر هذا اللون بداية من الثمانينيات حيث بلغت نسبة ما نشر في السنوات العشر الأولي "1980:1990" حوالي 10% من جملة الإنتاج. بينما زادت النسبة بشكل كبير في الفترة من "1991: 2000" لتصل حوالي 28.8%. وتقفز قفزة هائلة في الفترة من "2001: 2010" لتصل النسبة لحوالي 60.2%.
يشير الرصد الببليوجرافي قمنا بتوثيق المكان الذي ينتمي إليه الشاعر حتي لو عاش تحققه في مكان آخر إلي نسبة الدواوين التي تنتمي إلي المحافظات دونما إشارة للأماكن الفرعية. وقد جاءت علي هذا النحو: القاهرة 11%- الاسكندرية 10.5% - الدقهلية 10% - قنا 9.5% - القليوبية 9%. وهذه المحافظات الخمس قد حصلت علي نسبة بلغت حوالي 50% من جملة ما نشر من إنتاج.
توزعت نسبة ال 50% الباقية بين باقي محافظات مصر. وجاءت جنوب وشمال سيناء - الوادي الجديد - البحر الأحمر - مطروح أقل المحافظات نشرا حيث حصلت كل واحدة منها علي 5% بينما توزعت باقي النسب علي المحافظات الأخري كالتالي: الجيزة - دمياط - الغربية - كفر الشيخ. كل واحدة منها بنسبة 5% يليها المحافظات التالية: المنوفية 4%- السويس 5.3% - الإسماعيلية 3%- بورسعيد 3% - أما محافظات: أسوان - الأقصر- سوهاج - أسيوط - البحيرة. فقد بلغت نسبة كل واحدة منها 2%. وتأتي محافظة الفيوم والمنيا بنسبة 1.5% - بني سويف بنسبة 1%.
تلاحظ أن كل المحافظات الحدودية هي الأقل نشرا في شعر العامية وربما الفصحي. وربما يعود ذلك لعدد من الأسباب لعل السبب الديموجرافي هو الأوقع في هذا السياق. خاصة أن معظم من نشروا من هذه المحافظات لا ينتمون بالميلاد لها. فضلا عن بعد المسافة بين هذه المحافظات والمركز مما ساهم في تضاؤل النشاط وربما يستتبع ذلك قلة الرواد والمبدعين وهو ما يجعل فرص النشر قليلة في هذا السياق.
إن بعض عناوين الدواوين قد جاء متماثلا. بما يشير إلي خلل كبير يعود إلي نقص البيانات. وعدم متابعة الشعراء لإنتاج بعضهم. فضلا عن التشابهات في بعض العناوين. أو في جزء منها.
صدور أكثر من ديوان لشاعر واحد في مكان وسنة النشر ضمن مطبوعات عدد من المؤسسات الثقافية والأمر لا يقتصر عليها. لكنه يتعداها إلي دور النشر خاصة. فضلا عن صدور أكثر من ديوان للشاعر الواحد في أعوام متتالية من نفس دار النشر.
غياب النقد
وكيف تري التعامل النقدي مع هذا الكم من الأعمال الشعرية المتنوعة؟
- لقد سكت النقد طويلا عن ملاحقة شعر العامية. ودرسه الدراسة التي تليق بمنجزه. وهو ما نراه سكوتا مريبا. يمنحنا مؤشرا علي نظرة النقد للعامية لغة وإبداعا. فبعد مرور أكثر من نصف قرن علي ظهور مصطلح ¢شعر العامية¢ بوصفه ليس امتدادا للزجل. لكنه أحد الأنواع الكتابية الجديدة التي فارقت العمود الشعري لازال النقد يتحفظ عن المتابعة. ويحجم عن ملاحقة هذا الطوفان الإبداعي. مرة لأسباب معيارية خاصة بالفهم الضيق للشعر ولغته. وأخري لأسباب سياسية ودينية. وثالثة لعدم إمساك نقادنا بمفاتيح هذا النوع من الشعر لأنه يحتاج لامتلاك أدوات جديدة. ولما كان بعض النقاد قد امتلكوا عدة جاهزة يصعب عليهم التفريط فيها لصالح أخري. أو مراكمة أدوات جديدة لتسكن بجوار أدواتهم. فإن الطريق السهل والمعبد دوما هو طريق النفي. أو علي الأقل وضع هذا النوع من الشعر في تراتبية مقيتة ليست لها علاقة بطرائق الفن. وهي في الأصل تراتبية مبنية علي معيارية لا تفصل بين الفن ولغته. ولما كنا بحاجة ماسة لمراكمة الكتابات والمتابعات النقدية التي تدور حول العامية لغة وشعرا علي قلتها حتي يصبح لدينا من الأفكار والتصورات والرؤي ما نستطيع أن نوجد به طريقا نمشي عليه ¢يا حلو قول لي علي طبعك وانا امشي عليه¢. بمعني أن معظم المهتمين من النقاد والقراء لازالوا ينقسمون حتي الآن بين رأيين يتلخصان في عد شعر العامية شعرا من الدرجة الثانية علي أحسن التقديرات. بينما آخرون يرونها ¢وعاء من ورق لا يستوعب الفن الرفيع¢» الرفيع !!
بصفة عامة كيف رأيت هموم شعراء العامية من خلال كتاباتهم؟
- المتأمل لعناوين الدواوين سيجد انها تتضمن كلمات مفتاحية تدخلنا إلي قضايا اجتماعية شديدة التأثير. حيث سنلمح حالة كاسية من الشجن والحزن تتجلي في العناوين. كما تتعمق في تضاعيف القصائد وسطورها. وهو ما نلمحه في الغرام برصد التفاصيل اللصيقة بالتجربة المعيشة / الآنية. بعيدا عن الغرام باللغة وتشكيلها. والانشغال بألعابها. جريا وراء اللعب في حد ذاته. من هنا سنجد أن معظم الشعراء قد انحازوا لهم أيديولوجي. لكنه ليس الهم الكلي / الجمعي الذي يسهل التدليل عليه عند كبير من شعراء الموجة الأولي والثانية» ذلك الهم الذي يمثل عنصرا رئيسا في عدد كبير من قصائد الستينيات ومن مشي في ركاب قصائدهم. بل يصح أن نقول إن العنصر المؤطر لجماليات تجربة معظم شعراء الستينيات بوصفهم أبناء الأحلام الكبري. والانشغالات بالجموع. والهموم السياسية المرتبطة بفكرة القومية العربية. وبعيدا عن الدخول في قضايا إشكالية تقتضي نقاشا طويلا. وجدلا واسعا حول تبعية الشعري للسياسي. أو تآزرهما لتثبيت ¢المقولة¢. كذلك حول ¢تقنيع¢ السياسي بالجمالي. أو ما يمكن تسميته ب ¢تكنيك اللحية المستعارة¢ نري أن هموم معظم شعراء الفترة المدروسة تتخفي في سياقات شعرية. غير مستسلمة للشعار. فالأيديولوجي في قصائدهم ينحل في مفردات وسياقات وبني تخص الذات. وهو ما يتقاطع مع الانحياز الأيديولوجي لعدد كبير من شعراء الستينيات الذين لم يلتفتوا كثيرا لاصطياد الحس الإنساني. فقد كانت تصورات بعضهم خاصة الذين تبعوا السياسي رافعين الشعار دوجمائية بكل ما كرست له من مقولات نحَّت الشعر جانبا لتستسلم للشعار. وجنبت الإنسان لصالح ¢المقولة¢. ولم تكن هذه السمات عامة عند كل الشعراء. أوفي كل الشعر آنذاك. ونري أن جميع الشعراء الذين كتبوا قصائد عامية منحازة لتصورا ت. أو أفكار أيديولوجية سادت انتصارا للسياسي علي الشعر كانت نظرتهم للبشر كتلية "العمال - الفلاحين - الناس - الغلابه - المقهورين - الغلابه - الفقراء". هذا الانحياز الطبقي بالمفهوم السياسي. لم يكن ليجعل الشاعر المدفوع. والمندفع وراءه أن يميز بين عناصر هذه الجموع. بما لكل فرد فيها من خصوصيات. وبما في كل نموذج من نزوع نحو الفرادة في المكان. أو في الحلم. حتي لو كان هذا الحلم يمثل كابوسا للآخر. أو خروجا علي أعراف الحلم الجمعي الذي ينطوي علي تصور سياسي صدره السياق العام. وإذا كانت هذه الفترة/المرحلة قد انشغلت بهذا النوع من القصائد إلا أنها لم تكن خلوا من قصائد عظيمة ومهمة عند بعض شعرائها. أما السمة الغالبة عند عدد كبير من شعراء الفترة المدروسة في ظل تراجع الأحلام الكبري وتشيؤ الذات والوقوع في لجة الاستهلاكي وانهيار سلم القيم والشعور الطاغي بالوحدة في عالم زاخم بالإحباطات والإنكسارات وعدم التحقق وتنميط المشاعر الإنسانية واللهاث خلف المادي.
موت مبكر
أشرت إلي موضوع مهم حول الموت المبكر لشعراء العامية.. كيف نظرت إلي هذا الأمر الغريب حقاً؟
هل حقا يموت الشعراء مبكرا المعاينة الأولية تشير إلي ذلك. لكن هل هذا يشير إلي حقيقة ثابتة مدعومة بمستندات علمية. وهل لذلك علاقة بمجتمعاتنا العربية وحدها. وكيف نتتبعها في الواقع الثقافي المصري. وما مدي صحة السؤال عن موت شعراء العامية تحديدا في سن مبكرة؟.
والسؤال هل لموت الشعراء علاقة بنوع الكتابة. أم بوضعية هذا النوع في سياق الكتابات النوعية الأخري. أم بانحصار أماكن النشر والعامل مع هذا النوع من الشعر بوصفه ¢درجة ثانية¢ علي أحسن تقدير. أم بحصار هذا النوع من الشعر ومحاولة تثبيته عند حدود الإلقاء في الندوات والأمسيات. أم من قلة الجوائز الممنوحة له. أم بالنضج المبكر. أم بالوعي بالمجتمع أم بتحقيق الشهرة في سن صغيرة. أم له علاقة بالتكون الاجتماعي. أم تقف العلاقة عند المستوي الطبقي الذي ينتمي له الشاعر. وهل يؤثر المستوي اللغوي وطرائق الإبداع والبحث عن الجديد في الوصول للموت بوصفه أحيانا ليس نهاية للحياة. لكن بوصفه بداية الخلود واللمعان والاهتمام بالراحل. وهل الرغبة في التجاوز وتفجير اللغة والخروج عن الثابت والمألوف يصل الشعراء بطريق الموت أم أنه يضعهم في قلب الحياة؟
إن هذه الأسئلة وغيرها من الأسئلة التي يمكن أن تنضاف من المهتمين والشعراء يمكن أن نجد لبعضها إجابة في دراسة كوفمان التي تؤكد أن صورة الكاتب كشخصية ابتليت بالشقاء وفي بعض الأحيان سنجدها صورة تراجيدية. قدر لها الموت مبكراً. كما يمكن أن يؤكدها البحث الذي استمد بياناته عن الكتاب والشعراء من كتب السير الذاتية "البيوجرافيات" والموسوعات الأدبية. وهي قد تمنحنا مؤشرا إحصائيا لابد من اكتماله بالدرس الميداني والقراءات التحليلية للمنتج الشعري الذي يمكن أن يكون مرشدا في تنبؤه بالموت أو ما يتشاكل في سياقاته من دلالات كالعجز والانطفاء والقهر والاختفاء والغربة والوحدة وانتهاء بالموت والانتحار.
نحن إذن أمام مجموعة من الطرق المؤدية إلي الإجابة من خلال البحث عن الأسباب. إنها مجموعة كاملة من الأسباب. إذا تأمل الإنسان أكثر. زاد احتمال إصابته بالاكتئاب. والشعراء يتأملون. والشعراء ينضجون في سن مبكرة. وهم يكتبون علي انفراد وحدهم وهو ما يتأكد حين نبحث في النوع الأدبي ومعدلات الموت فمعدل الموت في سن مبكرة بين الشعراء ربما كانت له علاقة بطبيعة الإبداع الشعري في حد ذاته. وقد وجد الباحثون أن التواجد في حقل عاطفي ذاتي يرتبط بالاضطراب العقلي. مقارنة بالكتابة النثرية. حيث يميل الشعراء غالبا و بدرجة أكبر إلي الاستبطان والتعبيرية. وهو ما قد يؤدي إلي استنتاج أن معدلات موت الشعراء الأكثر ارتفاعاً ربما كانت لها علاقة بزيادة معدلات إصاباتهم بأمراض عقلية. لكن هذه النتيجة تجافي أسباب موت الشعراء عندنا. حيث إن معظمهم قد ماتوا نتيجة المرض
إن قراءة لحال الشعر المصري خلال ربع قرن مضي ستؤكد علي عدد من الظواهر لعل منها ظاهرة رحيل شعراء العامية في سن مبكرة. وسيقف المتتبع مندهشا أمام رحيل عدد كبير من الشعراء. وستزيد الدهشة حين نطالع أسماء شعراء العامية من الراحلين سواء من حققوا شهرة ومكانة كبيرة أو من لم يقدر لحياتهم أن تمنحهم الذيوع. ويمكن أن نرصد أسماء: فؤاد حداد. صلاح جاهين. حجاج الباي. فؤاد قاعود. زكي عمر. مجدي الجلاد. محمد إبراهيم أبو سعدة. محمد النبوي سلامة. محمد حمد. محمد صابر مرسي. كامل حسني. عبد الدايم الشاذلي. أحمد عبيدة. عمر نجم. خالد عبد المنعم. مجدي الجابري. إبراهيم عمر. عصام رخا. ليلي محمد علي. فنجري التايه. إبراهيم رضوان مجاهد. إبراهيم غراب. السيد الغواب. فاوي الشريف. أسامة الدناصوري- مجدي الجلاد. محمد عبد المعطي. عصام حجاج. محمد الحسيني. كامل عيد رمضان. عصام العراقي. صابر فرج. عبد الرحمن درويش. محروس الصياد. محمد العتر. الشربيني خطاب.
وتشير القائمة إلي رحيل عدد كبير من شعراء العامية في جيل الثمانينيات في سن مبكر. فمعظم من رحلوا لم يكملوا 50 عاما. بل إن بعضهم لم يكمل عامه الثلاثين. وهي ظاهرة تستأهل الدرس مع هذا الجيل تحديدا الذي يمثل قنطرة بين جيلين» قنطرة عبرت عليها التغيرات السياسية والاجتماعية الحادة. فضلا عن الإهمال النقدي الذي لقيته هذه المرحلة. فظل النقاد يتابعون شعر السبعينيات والتسعينيات وكأن جيلا كاملا قد سقط من حسابات التأريخ والمتابعة النقدية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.