«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لماذا تموت الكاتبات كمداً ؟ 7
شاعرات العامية الممنوعات من التداول
نشر في أخبار الأدب يوم 14 - 05 - 2016

إذا كان عباس العقاد في كتابه "شعراء مصر وبيئاتهم" عام 1937 ،قد نفي أن تصلح المرأة لكي تكون شاعرة ، ففي عام 1962 كتب الشاعر أحمد عبد المعطي حجازي مقالا في مجلة "صباح الخير" عنوانه "عشرون تقليديا .. وبعض الشعراء.. هزمونا بالمعجبات"، وفي سياق المقال كتب وأنا أنقل هنا بدقة ماكتبه بالنص كما جاء في المقال:"أما المرأة ..فأنا لا أدري أولا معني لتمثيلها في المهرجان ..فالرجل في المهرجان لا يمثل جنسه ،وإنما يمثل نفسه كشاعر ..فإذا وجدت شاعرة فهي أيضا لا تمثل جنسها ولكن تمثّل نفسها ..إن الحكم علي أشعار السيدات تسمعه منهن شخصيا ،بشرط أن تجلس مع كل واحدة علي حدة ..ففلانة تقول إن فلان هو الذي يكتب لشريفة فتحي أشعارها ..وعلانة تقول إن علان هو الذي يكتب ل »لورا« أشعارها .."، وفي نهاية المقال يكتب عن مهرجان آخر قائلا :"..ولكني تبينت أن عدد المعجبات بالشعراء المحافظين أكبر من عدد المعجبات بالشعراء ..وهذا شئ مؤسف ! ".
نحن أمام حالتين شبه متقاربتين ،إن لم تكونا متطابقتين ،والفارق الزمني بينهما ربع قرن من الزمان ،وكان من المفترض أن يكون الشعراء والنقاد والباحثون قد تخلّوا عن نبرة التعالي ،والتي تصلّ إلي التشهير ،وربما التجريس لشاعرات زميلات ،حتي لو كن شاعرات متوسطات القيمة،وهنانلاحظ أن أستاذنا عبد المعطي حجازي راح ينتقدهن بالجملة دون أن يذكر ماالذي قرأه من قصائدهن في المهرجانين حتي نتأكد من صحة ماذهب إليه.
وإذا كان هذا يحدث مع شاعرات يكتبن الفصحي ،فما بالنا لو أن الشاعرات كتبن بالعامية، وهذا كان نادرا، بل شبه مستحيل أن نعثر علي شاعرة تكتب بالعامية المصرية قبل عام 1960، واستمر الأمر طويلا حتي ظهرت في عقد السبعينيات شاعرات يكتبن بالعامية ،وكان هذا محيّرا بالنسبة لي ،وبالطبع فشعر العامية أساسا كان منبوذا ،ونحن لم نعثر -مثلا- علي دراسة واحدة عن شاعر للعامية ،بل زاد الأمر كارثية عندما قال عام 1955في مقدمته لمجموعة قصصية مشتركة لعدد من الأدباء ،بأن الكتابة بالعامية لن تنتج أدبا رفيعا علي الإطلاق.
ومهما بلغ شعراء العامية من قيمة وارتفاع وتحقق ومجد ، نجد أنهم يشعرون بغصة ما في الحلق ،فهاهو عبدالرحمن الأبنودي ذاته ، يكتب في شهادة فريدة عام 1987قائلا :"هموم شعر العامية واسعة الرقعة ،مترامية الأطراف ،فهو شعر ينسب- بحكم أدواته اللغوية- التي لم يعتد يوما بما جاء بها ،ولم تنل التفاتة من كهّان اللغة والأدب ،وبالتالي وقع عليه نفس العقاب التاريخي الذي وقع علي هذه الآداب، فمنذ تدوين اللغة وضبطها ،ومنذ حدد مصنفو الأدب العربي ماهيته ،اتفقوا - جميعا- !!علي نفي كل إبداع طمح إلي النشأة والنضج خارج شروطهم اللغوية والشكلية".
وإذا كانت العامية - هكذا- كانت منبوذة بشكل عام ، فكيف سيكون الأمر عندما تكتب بها النساء المشكوك أساسا في صلاحيتهن لكتابة الشعر ،وأنا كثير الاندهاش - بالفعل- من خلو حياتنا الأدبية من شاعرات عامية إلا في العقود الأربعة الأخيرة ،وربما جاء ذلك علي استحياء ،ومنذ أن بدأ عبدالله النديم التعبير شعرا منذ أواخر القرن التاسع عشر ، لم نجد في عصره علي الإطلاق شاعرة واحدة كتبت بالعامية، وفي أول كتاب ظهر لرصد كافة الفنون المكتوبة بالعامية ،وذلك في كتاب "أدب الشعب" الذي كتبه الأديبان حسين مظلوم رياض بالاشتراك مع مصطفي محمد الصباحي ، وقدّم له الدكتور أحمد ضيف ،وقد صدر عام 1936، نجد أنه رصد عددا كبيرا من الزجالين آنذاك مثل الشيخ محمد النجار وعبدالله لهلبها والحاج حسن الآلاتي والسيد عبدالله النديم وحفني ناصف بك ومحمد صدقي باشا ومحمد توفيق ومحمد إمام العبد والشيخ أحمد القوصي وعزت صقر والشيخ يونس القاضي وبيرم التونسي وبديع خيري وغيرهم، لم نعثر علي أثر واحد لامرأة تكتب شعرا باللهجة العامية ،وظل الأمر هكذا ،حتي أن انتبه صلاح جاهين في مطلع عقد الستينيات إلي ظاهرة جديدة تتشكل في الواقع الإبداعي المصري ، وهي ظاهرة شعراء العامية الشباب ، فراح يقدم الواحد تلو الآخر ، فقدم عبد الرحمن الأبنودي وسيد حجاب ورزق هيبة وفؤاد بدوي - بدأ شاعرا للعامية أولا- ومحمود عفيفي ،ثم قدم لنا شاعرة لا تقل بأي شكل من الأشكال عن أي موهبة من تلك المواهب التي قدمها ،بل كانت قنبلة مدوّية.
ربما عندما نذكر اسم الشاعرة ،لن يتعرّف عليها أحد علي الإطلاق من الأجيال الجديدة ،وكذلك عندما يقرأه أحد مجايليها في تلك المرحلة، سيقول بأنها كانت زوجة باحث الفلكلور الكبير والروائي الراحل وكاتب القصة شوقي عبد الحكيم ، ذلك لأن تجربتها الرائدة لشاعرات العامية لم يتفضّل أحد من الباحثين الذين يتابعون شعر العامية عموما قد تذكرها ،أو- حتي- ذكر اسمها عرضا ،ولم يتوقف أحدهم عند قصيدة لها هنا أو هناك ،رغم أنها لم تزاحم أحدا ،ولكن تجربتها تكاد أن تكون مطموسة ، إنها الشاعرة فريدة إلهامي ،وقد علمت بالصدفة المحضة بأنها جمعت أشعارها في ديوانين ،وكانا قيد الطبع وكان ذلك في الهيئة المصرية العامة للكتاب منذ عامين ،ولا أعرف هل صدرا أم لا.
وهنا أريد أن أورد مقدمة الشاعر صلاح جاهين كاملة لأهميتها التاريخية، والتي كتبها في 5 أكتوبر عام 1961 بمجلة "صباح الخير" ليحتفي بقصيدتها "احنا البنات"، والتي قال فيها :"إذا استثنينا شاعرات الريف اللواتي قدمن لنا المقطوعات الجنائزية والبكائيات الشعبية الخالدة ..فإنه من المستحيل في بلادنا أن نعثر علي شاعرة تكتب الشعر بالعامية وتجيد فيه ! ،فالمجيدات يفضلن الفصحي لينظمن بها .. والناظمات بالعامية - يحزنني أن أقول- لم أصادف فيهن واحدة تحسن حتي مجرد النظم السليم ..دعك من التعبير والمادة الشعرية ذاتها ..آسف..كان هذا قبل أن أقرأ للشاعرة الشابة فريدة إلهامي! ،وفريدة إلهامي في العشرين من عمرها ،طالبة بكلية الآداب بجامعة عين شمس ..تحب أشعار شوقي وإيليا أبوماضي ولامارتين وترجمة فيتزجيرالد الانجليزية لرباعيات الخيام ..والدها محمود إلهامي شاعر وزجال من القدامي الذين عاصروا مدرسة الزجل في عصره الذهبي وكانت أشعاره تنشر في "الرسالة" وغيرها من مجلات ذلك العصر ،وفي هذا ما يفسر لنا قدرة الابنة علي النظم الجيد والأسلوب المتين ..الأمر الذي يفتقر إليه الكثيرون ممن يرسلون بإنتاجهم الشعري إلي "صباح الخير" ..وقصيدتها "احنا البنات" قصيدة ثورية ..فيها كل صفات القصيدة الثورية ..إيقاعها نبض قوي ..وألفاظها
مشتعلة بلهب الانفعال ..إنها منشور سياسي ،ولذلك فإن صورها أقرب إلي الواقع العادي منها إلي التخيل الشعري والرؤيا المركبة الوجدانية ..شأنها في ذلك شأن كل القصائد التي تنظم لتؤدي وظيفة عاجلة ! والآن ..مرحي ..فهنا فتاة تقول الشعر بلغة الشعب".
هذا ما كتبه العظيم صلاح جاهين ،وإن كان تحدث- بالطبع- بلغة الأستاذ ،وهو جدير بالفعل بتلك الأستاذية ،ولكن وصف القصيدة بأنها منشور سياسي ،وأنها من القصائد التي تؤدي وظيفة عاجلة ، فهذا مما نختلف معه فيه ،ولكن تلك الإضاءة المهمة والدّالة في مناخ طارد لشاعرية المرأة، تعتبر من الإشارات اللافتة لشاعرة أعتبرها أول شاعرة مصرية ،تكتب قصيدة العامية بذلك الوهج ،وتلك الروح الوثّابة، ولا أعرف ما الذي أوقف أو عطّل أو أخر التجربة ،بل غيّبها تماما ،وجدير بالذكر أن اسمها لا يرد في أي ببلوجرافيا عن شعر العامية المصرية ،هذا إن كانت هناك ببلوجرافيا أساسا ، ومن الغريب أن تنشر بعض المجلات الثقافية المصرية ملفات عن شعرية العامية ،دون الإشارة إلي تلك الرائدة من قريب أو بعيد ،فهاهي مجلة الثقافة الجديدة في عددها الصادر في سبتمبر 1987،تنشر فيه ملفا واسعا عن شعر العامية المصرية ،ولا أعثر فيه علي قصيدة واحدة لشاعرة عامية ،وبالتالي تسقط تجربة فريدة إلهامي من الذاكرة ،وهذه مجلة القاهرة تفعل الشئ ذاته في يونيو 1996،ويصدر العدد دون قصيدة لشاعرة عامية واحدة ،ولا توجد إشارة إليهن علي الإطلاق ،وإذا كانت الساحة تخلو من شاعرات للعامية ،فذلك كان يستدعي أن يتوقف الباحثون أو النقاد أو الشعراء لبحث هذه الظاهرة ،ولكن الأمر نال قدرا غير مفهوم - علي المستوي الفني - من التجاهل ،ولا أريد أن أبوح بما أعرفه عن الأسباب التي علمت ببعضها عن غياب الشاعرة فريدة إلهامي ،لأنها - متعها الله بالصحة وطول العمر- أقدر مني لكي تتحدث عن تجربتها المهمة ،ولماذا غابت عن الحياة الثقافية.
وهنا سوف أورد المقطع الأول من قصيدتها "احنا البنات"، تاركا أمر قراءة القصيدة كلها وشعرها كله عندما يصدر ديواناه إن شاء الله:
(احنا البنات
احنا اللي شفنا الذل وعرفنا الآهات
مالناش وجود
احنا العدم
احنا اتخلقنا للألم
شوف حتي يوم مابنتولد
الأب واقف ينتظر
ومن القلق راح ينتحر
خايف لا ما يجيلوش ولد
وان جت له بنت يكون عذاب
ويكون هوان ويكون خراب
وتكون فضيحة في البلد
..والبنت نايمة وللملايكة بتبتسم
والظلم ليها بترسم
دا الأب فات البيت وفات كل البلد
علشان مراته قال ما ولدتشي ولد).
وفي قصيدة أخري عنوانها "علمني العوم" تقول في مطلعها :
(علمني العوم
من قبل ما تنزل بيا ف بحر غويط
لأبص ألاقي الموج حواليا
أغرق وأموت
والبحر عميق وعميق
ولو ان قراره ياقوت وعقيق
لكن بيخوف ..واعذرني
دا نا عمر ماحدش علمني
أنزل في بحور الشوق واضرب
وأصارع جوه الموج واتعب
غير ما امسك بإيديا الطوق
علمني..)
وإذا كانت المباشرة التي تحدث عنها صلاح جاهين في قصيدة "احنا البنات "واضحة ، فسوف نلاحظ أن رمزية فنية راحت تتسلل في القصائد وتعبيراتها ومعانيها ومفرداتها ، ففي قصيدة نشرتها في "صباح الخير" ابريل عام 1963 تقول فيها :
(مايكنش الليل..
فارد ع البحر جناح نواح..
اسود بجراح
والليل سواح لو مال علي بر..
مايخلي قلوب الناس ..ترتاح
خلّي الانسان..
بيخاف يمشي لوحده ..ويصرخ..
ويقول ..أنا اهو..
أنا اهو انسان..
قام راح يرتاح ف عيون انسان!)
وفي قصيدة رابعة عنوانها "الفارس" نشرتها في مايو 1963 ،وتصدرت القصيدة جملة تقول :"عن العلاقة بين المرأة والرجل"، ولا أعرف هل هذه العبارة من وضع الشاعرة ،أم من وضع إدارة التحرير في المجلة ، للتمويه علي المعاني المبثوثة في القصيدة ،ففي مطلعها تقول :
(وفتح لي السجان الباب..
وضحك لي ..وقال لي خلاص..
مبقاش فيه حبس!!
والضحكة بتكشف عن أنياب..
وعيون بتقطر خبث !!..
ازاي السجان اللي اتعود يسجن فيه؟
يفتح لي الباب ..ويقوللي : أهه الحرية!!
ازاي ده يكون؟!..
وازاي يتحرر م الاحساس..
بالعار لو يهرب يوم مسجون!..
علي مين إمال يرفع السيف؟؟
ولمين راح يسمع ولا يشوف؟!
صرخات ..وعيون..مليانه بخوف!!).
ولا أريد أن أسترسل في رصد تجربة فريدة إلهامي المهمة ، والتي تضيء بعضا من الجوانب الناقصة في المشهد الشعري في مصر علي مدي أكثر من نصف قرن من الزمان ،وبالتأكيد ذلك الاستبعاد الذي لحق بها منذ خمسة عقود كاملة ،طال شاعرات أخريات ، لا تنقصهن الشاعرية العالية والراقية ، فهناك شاعرات علي سبيل المثال مثل سهير متولي وسيدة فاروق وأمل درويش ووفاء المصري وفاطمة المرسي وزينات القليوبي وسحر سامي وكوثر مصطفي وأمل فرح وغيرهن كثيرات ،تستحق تجاربهن التوقف بشكل لا تصلح معه تلك السطور السريعة ،ولكن كلهن لا يجدن ذلك الاحتفاء الحقيقي بما يقدمن من تجارب ، بل من الممكن أن تلقي بعضهن عنتا وعنادا سلطويا مريرا ،وأنا شخصيا كنت طرفا في تجربة مؤسفة ، عندما فازت الشاعرة فاطمة المرسي بجائزة معرض الكتاب ، واجهت سيلا من الهجوم المريب، ولم يقدم أحد من الذين هاجموا الشاعرة علي قراءة ديوانها ،وهو "رباعيات بالبلدي"، ولكن الشائعات انتشرت بشكل ظالم ومعكوس ،وأشاع البعض بأنني كنت في اللجنة التي أقرّت فوز الديوان ،وعندما علموا بأنني لم أكن في اللجنة ،أشاعوا بأنني ضغطت علي اللجنة لتفويزها ، وكل هذا كان ظلما واضحا للشاعرة دون أن يقرأها أحد ،وأعتذر لأنني سقت هذا المثال، ولكنه مثال صارخ ودال علي ذلك الاستبعاد والاستهجان المخلّ حتما بقيمة تجارب الشاعرات.
وكما أشرت سابقا ،فالأمر ليس معركة بين رجال ونساء ،أو ملائكة وشياطين ،ولكنه يتعلق بمنظومة قيم ثقافية موروثة ،وتعمل كافة الملابسات علي تعميق سوء تلك المنظومة ،وبالإضافة إلي كافة الأدلّة السابقة التي تركّز فعل التربص بالمرأة شاعرة كانت ،أو قاصة، أو كونها تمارس أي فعل إبداعي ، مادامت خارج إطار سلطة المنظومة الموروثة ، وعندما تلحق أي شاعرة بسلطة تلك المنظومة ، فتصبح خارج إطار الرجم المعتاد ، وسوف أسوق مثالا واحدا لذلك ،ذلك المثال يتعلق بالشاعرة إيمان بكري ، عندما تولّت إدارة النشر في الهيئة المصرية العامة للكتاب منذ سنوات ، فحصلت علي مميزات استثنائية ، منها - علي سبيل المثال- أن صدر كتاب عن الهيئة، وتحت إشرافها ،عنوانه "قراءات في الشعر العالمي" للدكتور حمادة إبراهيم ،وتضمن ذلك الكتاب أسماء الشعراء جاك بريفير وبول فيرلين وشارل بودلير ولويس أراجون وهنري ميشو وفيكتور هيجو ،وغيرهم من الشعراء العالميين جدا ، ولم يتضمن الكتاب شاعرا عربيا واحدا ،أو شاعرة عربية ، ولكنه ضمّ في إهابه الشاعرة إيمان بكري فقط ،وونشر قصيدة لها ،مع قراءة ضعيفة لتلك القصيدة، كذلك نشر مع القصيدة والقراءة ببلوجرافيا للشاعرة.
ومن المؤسف أن ذلك لم يتحدث عنه أحد ، بل كتب الشاعر عيد عبد الحليم كتابا عن الشعر النسائي في مصر ،وبالطبع كتب فصلا عنها ، وهذا من حقها ، ولكن عندما تكون خارج إطار سلطة النشر ، هذا فضلا عن تحويل بعض قصائدها إلي كتب للأطفال ، كتبها كاتب الأطفال الراحل عبد التواب يوسف ، وكل هذه الاستثناءات تحدث عندما تعمل المنظومة الثقافية الموروثة بشكل عميق ، وتستبعد من تريد ،وتضم من تريد كذلك.
ويحدث هذا الأمر في ظل تجارب شعرية بالعامية للشاعرات المصريات شبه مستبعدة ،مثل تجربة الشاعرة المهمة جدا في هذا المجال ، وهي الشاعرة وفاء المصري ،وأذكر عندما احتفت بها جريدة "أخبار الأدب" منذ سنوات ،وقدّم لها الكاتب والروائي ياسر عبد الحافظ تقديما لافتا ، أثار هذا الأمر جدلا واسعا في الحياة الثقافية ، وذلك دون النظر إلي تجربتها الشعرية الخاصة بشكل حقيقي ،ودون أن يخضع أحد من الباحثين أو الأكاديميين دواوينها لدراسة علمية تستحقها عن جدارة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.