لا أحد يختلف علي أن قرض صندوق النقد الدولي الذي نتفاوض عليه أصبح الحل الوحيد المتاح أمامنا لإنقاذ اقتصادنا من محنته الحالية. ولا أحد يجهل أن هناك عوامل كثيرة ضربت قواعد اقتصادنا.. بعضها من صنع أيدينا مثل استمرار غلق بعض المصانع حتي الآن "ما اعرفش ليه"؟!.. وعدم جذب استثمارات كبيرة لبناء مصانع ضخمة توفر فرص عمل للعاطلين وتدر دخلاً دولارياً يعوض ما يجمعه الإخوان.. وبعضها الآخر يأتينا من عملاء الداخل وأعداء الخارج في صورة ضرب السياحة و"لم" الدولار. واختراق سعره كل الأسقف. ولأننا لن نصمد إلي ما لا نهاية علي مساعدات دول الخليج العربية. خاصة السعودية والإمارات والتي لم تنقطع حتي الآن.. فليس أمامنا سوي قرض صندوق النقد. حيث إن حصتنا في الصندوق ارتفعت إلي 2.8 مليار دولار بدعم خليجي أيضاً. وقواعد الإقراض تنص علي أن الحد الأقصي الذي يمكن التفاوض حوله هو 6 أضعاف الحصة. أي في حدود 17 ملياراً.. والمتوقع أن يوافق الصندوق علي منحنا قرضاً قيمته 12 مليار دولار علي 3 سنوات. من الطبيعي أن البنك ستكون له طلبات تضمن السداد.. وقد تكون الطلبات مغالي فيها وتضرنا أكثر مما تنفعنا.. لذا.. فإن علي الحكومة وهي تتفاوض أن تضع أمامها تجربتنا السابقة في الإصلاح الاقتصادي وما فعله د.عاطف صدقي. رئيس الوزراء الراحل وقتها. وتسير علي نفس النهج. وذات الطريق الآمن. هناك خطوط حمراء يجب علي الحكومة ألا تقترب منها خلال التفاوض: عليها ألا تمس محدود الدخل. لأن دخله إذا كان محدوداً. فماذا سيتبقي له. أو سيفي بالتزاماته إذا تم المساس به؟!.. وعليها ألا توافق علي رفع الدعم عن السلع الأساسية. حتي لا تخنق الفقراء. وهم غالبية الشعب. خاصة أن التضخم وصل إلي 14%. ويجب خفضه لا زيادته.. وعليها أن ترفض بشدة زيادة أسعار المواد البترولية. خاصة البنزين والسولار. لأن زيادتها ترفع أسعار كل شيء بالتبعية.. وعليها أن تنسي تماماً مهزلة فرض ضرائب جديدة بالأشكال الملتوية التي تمارسها الحكومات ولا تطبق إلا علي الفقراء.. بعد ذلك فلتفعل ما تشاء. يجب أن تكون الحكومة أكثر شفافية وواقعية ومنطقية في تعاملها مع الشعب.. وأن تبتعد عن تصريحاتها التي تستخف فيها بالعقول مثل تلك التي أطلقتها غادة والي. وزيرة التضامن حول إعداد قوانين لدعم وتقوية شبكة الحماية الاجتماعية. وتحسين أوضاع الفئات الفقيرة ومحدودي الدخل.. فهذا كلام يقال في الهواء الطلق. لأن هناك واقعاً ينسف كلامها جملة وتفصيلاً. وهو أن الوزارة تخنق أرباب المعاشات. وتحرمهم من أموالهم "المستولي عليها" فعلاً. وترفض بإصرار زيادة معاشاتهم بالقدر الذي يتلاءم مع التضخم في وقت أصبحوا في أحوج الحاجة للزيادة بعد أن أعطوا الدولة حياتهم وصحتهم وينفقوا غالبية معاشهم علي الأدوية التي ساهمت الحكومة في أن تتجاوز أسعارها كل الخطوط.. الكلام إما أن يكون واقعياً أو فلتصمتوا. أيضاً.. فإن زيادة الفائدة علي الودائع في البنوك كما يطلب البعض. ليس الحل الناجع. لتقليل موجة التضخم المتوقعة بعد القرض. أو تعويض جزء من زيادة الأسعار.. فليس صحيحاً أن أصحاب الودائع من محدودي الدخل. بل هم أعلي منهم.. قد يكون بعضهم. لكن ليس كلهم. في حين أن المضارين الأصليين من التضخم سيكونون من الطبقات الفقيرة التي ليس لها ودائع لا في البنوك ولا غيرها. بل تُدبر قوت يوم بيوم.. نعم.. ارفعوا سعر الفائدة. ولكن ابحثوا أيضاً عن حلول واقعية تفيد غالبية الشعب ولا تضرهم. علي الحكومة أن تحذر وهي تتفاوض. حتي لا تنزع فتيل القنبلة دون أن تدري بالعواقب. وتحقق لأعدائنا مبتغاهم.. البلد "مش ناقص" بجد.