لقد خلق الله الإنسان وهداه النجدين. وليس من الضرورة أن يوجد إنسان علي الخير دائماً إلا أن يكون نبياً. وليس من الضروري أن يكون موجود مخلوق علي الشر دائماً إلا أن يكون شيطاناً. أما الإنسان فقد علم أنه متردد بين الخير والشر تحكمه إرادة مرجحة وعقل ضابط. ويعجب الناس بآحاد النوع البشري وجماعاته إذا غلب خيرهم علي شرهم. لقد وقعت في يدي رسالة جعلت أتأملها وأعيد قراءتها ومحتوي هذه الرسالة أن صاحبها قد اشتغل بالتدريس فترة من الزمن ثم اعتزله لسبب يخصه. ثم حضرته النفس اللوامة في خلوة من خلواته تناقشه الحساب حول سؤال واحد مؤداه: هل كنت في أيام انشغالك بالتدريس تقوم بعملك علي وجه يرضي ربك؟ وكان صاحب الرسالة صريحاً مع نفسه حيث أجاب بالنفي. ثم دخل في دوامة ما يسمونه اليوم بعذاب الضمير. أو فيما ينتاب المؤمن من الخوف من لحظة المثول بين يدي الله عز وجل. وعند هذا الحد توقفت عن القراءة لأعيد التأمل فيما قرأت. وأنا أنظر ببصري وبصيرتي إلي ما حولي من المجتمع والناس أتابع أحوالهم. لأتحسس مكان الداء ثم أعيد إلي نصوص القرآن الكريم لأبحث عن ناجم الدواء. فعثرت علي هذه النعمة وعلي تلك الجوهرة هي تلك الملكة النفسية التي سماها القرآن الكريم بالنفس اللوامة إن شئت. أو هي هذا القسم من أقسام النفس يتوسط بين قسمين هما النفس الأمارة بالسوء. والنفس المطمئنة. فقلت في نفسي جميل جداً أن يجلس الإنسان إلي هذه النفس اللوامة كل يوم تناقشه الحساب قبل أن يفوت الأوان. فما فاته من أعمال الخير استدركه. وما افسدته يداه في جوانب المجتمع أو الكون أصلحه. وأجمل من هذا كله أن يجعل من نفسه مثالاً ونموذجاً يقدمه للناس بقصد محاكاته فيما يفعل. وأنا أعد من يفعل ذلك بأنه سوف ينتقل عن الجلوس أمام هذه النفس اللوامة إلي هذه النفس المطمئنة التي توسد رأسه كل مساء ذراع الأمل في غد سعيد. وتلك جنة الدنيا. وهي مقدمة إلي جنة الآخرة. كما أني أتوعد من لم يصغ إلي النفس اللوامة بأنه في أقل القليل سيكون عبداً للنفس الأمارة بالسوء. فيتلظي بأثر شقوتها في الدنيا. وهو أثر سيكون مقدمة إلي عذاب الآخرة. وقلت في نفسي: وماذا يحدث للإنسان إذا هو أدرك بكل العمق أنه ليس من القداسة أن تكون الملائكة نور وهي نورا. وليس من الفخار في أن يكون الجن نارا وهو نار. وإنما القداسة والفخار في أن يكون الإنسان نورا ونارا وهو تراب. إنه لو أدرك ذلك لاستطاع أن يحقق الخلافة عن الله في كونه ودينه فسعد وأسعد.