دلائل قدرة الله سبحانه وتعالي متعددة ومتنوعة. يقهر الظالمين ويدفع كيد الكائدين ويدفع عن المؤمنين شرور الأعداء. ويحقق النصر للضعفاء ويقدم برهاناً لكل ذي قوة أن من يستمسك بحبل الله لا يضل ويحوطه الله بعنايته ورعايته. تجلي ذلك بصورة لا تقبل الجدل في يوم الأحزاب حينما اجتمعت هذه القوي الظالمة من المشركين واليهود واقتحموا المدينةالمنورة واحاطوا بالمسلمين من كل جانب. ولم يستطع المسلمون فكاكاً من ذلك الحصار سوي حفر خندق يحول بين المسلمين الضعفاء وبين أعداء الله. لعله يقلل ويخفف وطأة هذا اليوم العصيب في حياة هذه المجموعة من الرجال الأوفياء الذين التفوا حول رسول الله صلي الله عليه وسلم زادهم التقوي والاعتصام بحبل الله هو القوة التي استقرت في القلوب. يحكي الله في القرآن الكريم الجوانب العصيبة التي حدثت في هذا اليوم "يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ جاءتكم جنود فأرسلنا عليهم ريحا وجنوداً لم تروها وكان الله بما تعملون بصيراً ہ إذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا" 9. 10 الأحزاب. الزلزال امتلك القلوب القوة الغاشمة تنتظر اللحظة الفارقة لكي تنقض علي هؤلاء المحاصرين. المرجفون والمنافقون يرددون الشائعات التي تحاول تفتيت هذه الوحدة ويقولون ما وعدنا الله ورسوله إلا غروراً بينما وقف المؤمنون الصادقون قلوبهم مطمئنة بوعد الله سبحانه الذي لا يخلف الميعاد. هذا الموقف العصيب يحكيه الصحابي الجليل حذيفة بن اليمان فقد أخرج الحاكم والبيقهي في الدلائل عن عبدالعزيز بن اخي حذيفة قال: ذكر حذيفة رضي الله عنه المشاهد التي عاشوها مع رسول الله. وحينما استمع جلساؤه لحديثه قالوا: لو شهدنا ذلك لكنا فعلنا وفعلنا في محاولة منهم لابداء الاستعداد لأي معارك يخوضونها في سبيل دعوة الحق لكن حذيفة قال لهم: لا تمنوا ذلك فقد رأيت ليلة الأحزاب ونحن صافون قعوداً وأبوسفيان ومعه من الأحزاب فوقنا وقريظة لليهود أسفل منا نخافهم علي ذرارينا وما أتت علينا قط ليلة أشد ظلمة منها ولا أشد ريحاً في أصوات ريحها أمثال الصواعق وهي ظلمة حالكة جعلتنا لا نري حتي أصابعنا. وسط هذا الجو المشحون بالرعب والخوف تقدم المنافقون من رسول الله صلي الله عليه وسلم يستأذنون في الانصراف وكشأن المنافقين في أي موقف زعموا أن بيوتهم عورة يخافون عليها وماهي كذلك إنما هو الهروب من المعركة. وقد سمح لهم الرسول لأن هؤلاء لا كيان لهم ووجودهم يثير احباط هؤلاء المؤمنين. بعد موقف المنافقين أصبح المسلمون نحو ثلثمائة نفر. ويقول حذيفة: وقد استقبلنا رسول الله رجلا رجلا. وحينما وصل إليَّ كنت أرتعد وليس علي شيء اتق به البرد والقلب يرتجف من العدو. وكل ما أرتديه بعض ملابس خفيفة لزوجتي لا يجاوز ركبتي. وحينما وقف رسول الله علي رأسي كنت أجثو علي ركبتي. فسأل رسول الله: من هذا؟ قلت حذيفة. لكنني تقاصرت إلي الأرض كراهية أن أقوم فيبدو مظهري غير مناسب ورغم ذلك فقد قمت واقفاً. وهنا قال لي رسول الله صلي الله عليه وسلم يا حذيفة: إن هناك خبراً يتردد بين هؤلاء الأحزاب فاذهب إليهم واستطلع الأمر فخرج حذيفة يحدوه الأمل في أن يستطيع انجاز هذه المهمة وتنفيذ وصية رسول الله بعدم إحداث أي شيء حتي يعود. وصل حذيفة إلي مواقع هؤلاء الأحزاب وكانت هناك أضواء تنبعث من نار أوقدوها. فرأي رجلاً ضخماً يضع يديه فوق النار ثم يمسح بها علي جسده. هو أبوسفيان لكنني لم أكن أعرفه فأخذ حذيفة يستعد لتوجيه ضربة إلي هذا الرجل لكنه تذكر وصية رسول الله صلي الله عليه وسلم فاعاد سهمه إلي جرابه وسمع أحاديث القوم وهم يرددون الرحيل الرحيل. والرياح تقذفهم بالحجارة والصواعق تثير الفرع بينهم منتهي الرعب فانطلق عائداً لينقل لرسول الله ما رأي فوجد مجموعة من الفرسان يخبرونه بأن الله كفا رسول الله شر هؤلاء القوم. لكن حذيفة وجد رسول الله صلي الله عليه وسلم يصلي فانتظر حتي انتهي من صلاته التي كان يلجأ إليها في كل أمر يحز به ويثير فزعه. فأخبرت رسول الله بما رأيت. وفي هذه الأثناء نزل قول الله "يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم".. نسترجع هذه الذكريات ونحن نعيش ذكري حرب العاشر من رمضان التي انتصر فيها جيشنا العظيم في يوم العبور. وبفضل صيحة الله أكبر كتب الله لأبنائنا النصر والانتصار. فما أحلي هذه الفرحة في ظل تقوي الله والالتزام بمنهجه سبحانه وتعالي.