لم يسعدني كثيرا خبر موافقة مجلس الوزراء علي مشروع القانون الموحد للصحافة والإعلام. وإحالته إلي مجلس الدولة لمراجعته قبل تقديمه إلي مجلس النواب لمناقشته وإصداره. هي خطوة أولي في سبيل إصدار القانون.. هذا صحيح. لكني لست أصلا من بين أولئك الذين يعلقون علي القانون أملا كبيرا في اصلاح أوضاع الصحافة والاعلام وتصحيح المسار وتنظيم المسيرة. ولذلك لم اتعجل اصداره. بل بالعكس. ناديت بإرجائه حتي يتم إعداد مشروع قانون جديد لنقابة الصحفيين ومشروع قانون لنقابة الاعلاميين ثم مناقشة كل هذه المشروعات كحزمة تشريعية واحدة. أما لماذا لا أعلق أملا كبيرا علي هذا القانون. فلأن أوضاع الصحافة والاعلام عندنا لن يفلح في تصحيحها أو اصلاحها أي قانون.. لقد تجاوزت هذه المرحلة بكثير. كل شيء في الصحافة والاعلام يتغير. وبسرعة كبيرة. التركيبة البشرية للعاملين في الصحافة والاعلام تغيرت. ولم تعد كما كانت. سواء من حيث الأعمار. أو مستوي التأهيل الثقافي والمهني. الروافد التي تتدفق منها الأخبار والمعلومات تغيرت. وأصبحت بلا حصر. من السماوات المفتوحة ومن الأرض. وفي خطوط متوازية أو متقاطعة. وبمضامين مختلفة. ولا سيطرة حقيقية يمكن فرضها علي من يستقبل. ولا معرفة أحيانا بمن يرسل. ولا وقت لدي من يريد الفرز لكي يفرز. فالجميع في سباق علي البث والنشر. كم صحيفة قومية وحزبية وخاصة لدينا.. وكم يضاف إليها كل حين.. كم قناة فضائية نستقبلها.. كم موقعا للتواصل الاجتماعي وكم صحيفة الكترونية.. كم وكم وكم؟! وقد حدث ذلك في ظل وجود قانون للصحافة. ومجلس أعلي. ونقابة للصحفيين وأخري للعاملين بالصحافة والنشر. واتحاد للاذاعة والتليفزيون.. ماذا فعل القانون حيال هذه المتغيرات؟! وماذا فعلت التنظيمات الصحفية والاعلامية؟! لا شيء. ورأيي أن هذا سيكون هو نفسه موقف القانون الجديد المنتظر. هيئة وطنية للصحافة.. هيئة وطنية للاعلام.. مجلس أعلي فوق الهيئتين.. نعم.. لكن السؤال: بمن؟! وبأي آليات أو وسائل يمكن حصر هذه الفوضي. واخضاع المتغيرات للدراسة المعمقة. وفرز الصالح من الطالح. وإعادة بناء وتنظيم مهنة الصحافة والاعلام من جديد. وعلي قاعدة من الالتزام الوطني والديني والأخلاقي؟! لقد كانت مشكلة المشاكل في الصحافة القومية مثلا مشكلة مالية. وكنا نقول إن اسقاط ديون المؤسسات أو تسويتها سوف ينهي الأزمة وتنطلق الصحف القومية.. الآن اصبحت هناك مشكلة في كل عنصر من عناصر المهنة.. وكذلك الأمر بالنسبة للاعلام. أخشي أن يصدر القانون. فنجد انفسنا لا نغير شيئا سوي اللافتات.. نرفع لافتة المجلس الأعلي للصحافة ونضع بدلا منها لافتة الهيئة الوطنية للصحافة.. ونرفع لافتة اتحاد الاذاعة والتليفزيون ونسميه الهيئة الوطنية للاعلام.. أليس ذلك ما نفعله عندما نقوم في أي تشكيل وزاري جديد بتقسيم وزارة إلي وزارتين.. أو دمج وزارتين في وزارة واحدة؟!