البحر مدينتي. الضفة الثانية للإسكندرية: اليابسة والبحر. بحري مكان محدود المساحة. كيلو متر ما بين الميناءين الشرقي والغربي وامتدادهما إلي خليج الأنفوشي. لا محدودية المساحة يصنعها البحر. وزخم الشخصيات. وتنوع ظروفها الاجتماعية والثقافية. مفردات الحياة في بحري: أمواج وبلانسات وحواري وأرقة ومقاهي ومآذن وقباب وأضرحة ومقامات وموالد وأذكار وأهازيج ودعوات وحلقة سمك وعلماء دين ومتصوفة ودراويش وصيادين وعساكر سواحل وبحارة أجانب وحرفيين وفتوات. بحري مكان محدد. ومحدود. لكنه بالبحر الذي يطل عليه بالغ الاتساع الحياة فيه مثل البحر تماماً. وربما نتيجة ملامسته البحر متجددة دوما. علي حد تعبير الدوس هكسلي. لا نهائية البحر ليست في الأفق وحده. بل انها أبعد ما تكون عن المجاز. فالبحر يتصل بالمحيط. والمحيط يتصل ببحار ومحيطات أخري. ولدت في بيت يطل علي البحر من معظم جوانبه. أنا أكتب عن حي بحري. شبه جزيرة في شبه جزيرة الإسكندرية. عشت معتقدات ناسه وعاداتهم وتقاليدهم. عمق من هذه الصلة ما يتسم به الحي من روحانية عالية. متمثلة في عشرات الجوامع والمساجد والزوايا. وما يتصل بها من مظاهر الحفاوة الدينية. كموالد الأولياء وزيارة الأضرحة والمقامات. وحلقات الذكر.. طقوس لا حصر لها. يكاد يتفرد بها حي بحري. ربما تجد بعضاً منها في أحياء أخري. وفي مدن وقري أخري في مصر. وفي الوطن العربي لكن من الصعب أن تراها مجتمعة إلا في بحري. ذلك الحي الذي أدين له بالفعل بمعظم ما كتبت. كتبت عن البحر في مغايرة لمن عنوا بتناول الحياة عنه. وعن ناسه. الراحل صالح مرسي علي سبيل المثال سرد قصصاً حقيقية ومتخيلة بحكم عمله سنوات طويلة في البحرية المصرية عن الحياة في البحر. وفي المقابل. فثمة من كتب عن الإسكندرية اليابسة. وتأثرها علي نحو وآخر بالبحر الذي تتشكل في قلبه شبه جزيرة عرضها ما بين كيلو متر واحد. وستة وعشرين كيلو متراً. هي المساحة ما بين رأس التين والمنتزه. فضلا عن المناطق الصحراوية والزراعية التي أضيفت إلي كردون المدينة. الأعمال التي تناولت فيها البحر. عنيت بالصلة بينه وبين اليابسة. هؤلاء الذين تتوزع أحوالهم المعيشية بين الحياة في البحر. والحياة في اليابسة. وتنشأ من خلال ذلك كله قصص وحكايات ومعتقدات وخوارق ومعجزات وكرامات ومكاشفات. هي التعبير عن تلك الصلة بين البحر واليابسة. البحر يثور. أو يصبح حصيرة. لكنه لا يتغير. نحن الذين نتغير. تبدل الحالات النفسية. تقدم العمر. الدنو من النهاية. وهبني البحر رحابة الأفق. أرفض أن تقيد حركتي ولا آرائي. ولا أن تحد انطلاق مخيلتي محظورات من أي نوع. الأصل في الإبداع هو الحرية. وان أشار البعض إلي أنه عندما يدور الصراع في داخل الفنان. بين حرية الابداع وأخلاقيات المجتمع. فأنه يجب أن ينتصر للخيار الثاني.