إسكان النواب: إخلاء سبيل المحبوس على ذمة مخالفة البناء حال تقديم طلب التصالح    بكام الفراخ البيضاء اليوم؟.. أسعار الدواجن والبيض في الشرقية السبت 4 مايو 2024    جيش الاحتلال ينشر قناصته على أسطح المنازل في بلدة دير الغصون شمال طولكرم    «مدرب واقعي».. سيد عبد الحفيظ يتغزل في جوميز    تفاصيل التحقيقات مع 5 متهمين بواقعة قتل «طفل شبرا الخيمة»    الداخلية توجه رسالة للأجانب المقيمين في مصر.. ما هي؟    وفاة الإذاعي الكبير أحمد أبو السعود.. شارك في حرب أكتوبر    دراسة جديدة تحذر من تربية القطط.. تؤثر على الصحة العقلية    صحيفة: ترامب وضع خطة لتسوية سلمية للنزاع في أوكرانيا    رسالة من مشرعين ديمقراطيين لبايدن: أدلة على انتهاك إسرائيل للقانون الأمريكي    تستمر يومين.. الأرصاد تحذر من ظاهرة جوية تضرب مصر خلال ساعات    الإسكندرية ترفع درجة الاستعداد القصوى لاستقبال أعياد القيامة وشم النسيم    تشكيل الأهلي المتوقع لمواجهة الجونة    لو بتحبي رجل من برج الدلو.. اعرفي أفضل طريقة للتعامل معه    مينا مسعود أحد الأبطال.. المطرب هيثم نبيل يكشف كواليس فيلم عيسى    إسماعيل يوسف: «كولر يستفز كهربا علشان يعمل مشكلة»    المحكمة الجنائية الدولية تحذّر من تهديدات انتقامية ضدها    عيار 21 الآن بعد الارتفاع الجديد.. سعر الذهب والسبائك بالمصنعية اليوم السبت في الصاغة    مالكة عقار واقعة «طفل شبرا الخيمة»: «المتهم استأجر الشقة لمدة عامين» (مستند)    ارتفاع جديد.. أسعار الحديد والأسمنت اليوم السبت 4 مايو 2024 في المصانع والأسواق    مصطفى بكري عن اتحاد القبائل العربية: سيؤسس وفق قانون الجمعيات الأهلية    دفنوه بجوار المنزل .. زوجان ينهيان حياة ابنهما في البحيرة    جوميز يكتب نهاية شيكابالا رسميا، وإبراهيم سعيد: بداية الإصلاح والزمالك أفضل بدونه    37 قتيلا و74 مفقودا على الأقل جراء الفيضانات في جنوب البرازيل    العالم يتأهب ل«حرب كبرى».. أمريكا تحذر مواطنيها من عمليات عسكرية| عاجل    صوت النيل وكوكب الشرق الجديد، كيف استقبل الجمهور آمال ماهر في السعودية؟    رشيد مشهراوي ل منى الشاذلي: جئت للإنسان الصح في البلد الصح    معرض أبو ظبي للكتاب.. جناح مصر يعرض مسيرة إبداع يوسف القعيد    وكالة فيتش تغير نظرتها المستقبلية لمصر من مستقرة إلى إيجابية    حسام موافي يوضح خطورة الإمساك وأسبابه.. وطريقة علاجه دون أدوية    برش خرطوش..إصابة 4 من أبناء العمومة بمشاجرة بسوهاج    وفاة الإذاعي أحمد أبو السعود رئيس شبكة الإذاعات الإقليمية الأسبق.. تعرف على موعد تشييع جثمانه    هبة عبدالحفيظ تكتب: واقعة الدكتور حسام موافي.. هل "الجنيه غلب الكارنيه"؟    سبت النور.. طقوس الاحتفال بآخر أيام أسبوع الآلام    «صلت الفجر وقطعتها».. اعترافات مثيرة لقاتلة عجوز الفيوم من أجل سرقتها    هييجي امتي بقى.. موعد إجازة عيد شم النسيم 2024    حازم خميس يكشف مصير مباراة الأهلي والترجي بعد إيقاف تونس بسبب المنشطات    عرض غريب يظهر لأول مرة.. عامل أمريكي يصاب بفيروس أنفلونزا الطيور من بقرة    تقرير: 26% زيادة في أسعار الطيران السياحي خلال الصيف    وكالة فيتش ترفع نظرتها المستقبلية لمصر وتثبت تصنيفها عند -B    وكالة فيتش ترفع نظرتها المستقبلية لمصر إلى إيجابية    توفيق عكاشة: الجلاد وعيسى أصدقائي.. وهذا رأيي في أحمد موسى    عضو «تعليم النواب»: ملف التعليم المفتوح مهم ويتم مناقشته حاليا بمجلس النواب    دينا عمرو: فوز الأهلي بكأس السلة دافع قوي للتتويج بدوري السوبر    أول تعليق من الخطيب على تتويج الأهلي بكأس السلة للسيدات    تعثر أمام هوفنهايم.. لايبزيج يفرط في انتزاع المركز الثالث بالبوندسليجا    «البيطريين» تُطلق قناة جديدة لاطلاع أعضاء النقابة على كافة المستجدات    سلوي طالبة فنون جميلة ببني سويف : أتمني تزيين شوارع وميادين بلدنا    250 مليون دولار .. انشاء أول مصنع لكمبوريسر التكييف في بني سويف    دعاء الفجر مكتوب مستجاب.. 9 أدعية تزيل الهموم وتجلب الخير    دعاء الستر وراحة البال .. اقرأ هذه الأدعية والسور    برلماني: تدشين اتحاد القبائل رسالة للجميع بإصطفاف المصريين خلف القيادة السياسية    أحمد ياسر يكتب: التاريخ السري لحرب المعلومات المُضللة    كندا توقف 3 أشخاص تشتبه في ضلوعهم باغتيال ناشط انفصالي من السيخ    طبيب يكشف سبب الشعور بالرغبة في النوم أثناء العمل.. عادة خاطئة لا تفعلها    أخبار التوك شو| مصر تستقبل وفدًا من حركة حماس لبحث موقف تطورات الهدنة بغزة.. بكري يرد على منتقدي صورة حسام موافي .. عمر كمال بفجر مفاجأة    «يباع أمام المساجد».. أحمد كريمة يهاجم العلاج ببول الإبل: حالة واحدة فقط بعهد الرسول (فيديو)    المفتي: تهنئة شركاء الوطن في أعيادهم ومناسباتهم من قبيل السلام والمحبة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محمد جبريل:آهم رواياتي لم تكتب بعد
نشر في أخبار اليوم يوم 16 - 11 - 2012

كتاباته لها مذاق خاص، عشق الاسكندرية فاختارته كاتما لأسرارها ، لكن ابداعاته كشفت السر في سطور روايته، انتج العديد من الروايات والقصص والحكايات والمقالات المفعمة بروائح عروس البحر.. وعندما يهاجمه هاجس الكتابة يظل سجينا له لا يخرج من بيته ولا يغادر حجرته إلا بعد ان يكون بين يديه مولود ابداعي جديد.. الكتابة هي غذائه اليومي.. فصار واحدا ممن يتصفون بغزارة الانتاج.. الروائي محمد جبريل له عالمه الخاص الذي يكتب فيه ما يلح علي وجدانه ولا يهدف الي تغيير العالم علي حد قوله وإنما كل ما يحلم به ان يظل يكتب ويكتب لان افضل ما كتبه لم يكتب بعد.امتد حواري مع الروائي الكبير محمد جبريل لساعات طويلة يحكي ويسرد ويفيض بالكلام كماء البحر.. وتمتلئ الصفحات بالحكايات والروايات التي تروي قصة عاشق متيم بالكتابة والإبداع منذ طفولته.
في البداية فرض علي حوارنا حال الثقافة في وقتنا الحالي وما آلت اليه فسألته :
هل توافق علي الرأي بأن حركتنا الثقافية تعاني أزمة؟
- هناك بالفعل أزمة في حركتنا الثقافية وأطراف الأزمة موجودون في الصورة ، يشكلون ملامحها وقسماتها وأبعادها المختلة من ألوان وظلال وعمق. وأحدد الأزمة بأنها الشللية المعلنة التي صارت فيها طبيعة العلاقات بين المثقفين. إنهم ينقسمون بصورة أساسية - إلي يمين ويسار، وتتفرع من نهري التقسيم روافد لا حصر لها، تشكل في مجموعها ما أسميه بالشللية، وإن كان تأثيرها السلبي يتجاوز هذه التسمية، ويمثل عائقاً فعلياً أمام تطور حركتنا الثقافية، بل ويسهم في تشويه صورتها تماماً. ويكفي أن المثقفين الذين يرفضون الانتماء لهذه الجماعة أو تلك، ويفضلون الانتماء لقضايا بلادهم وحدها، يجدون أنفسهم في حصار من التعتيم والتجاهل، المصادرة أحياناً. ولعلي أذكر صديقاً شاعراً رحب بانضمامه إليه حزب معارض، ووعدوه بأنهم سيجعلون منه أهم شعراء مصر!. فلما تخلي عن عضوية الحزب - لأسباب موضوعية - أصبح شاعرنا في المعسكر المعادي ، وحق عليه ما علي الأعداء من اتهامات، أو مؤامرات تعتيم.
نحن في حاجة إلي مؤسسة - ليست وزارة الثقافة بصورتها الحالية - تهبنا حلاً إيجابياً لتجاوز هذه المأساة التي تعانيها حياتنا الثقافية، يشغلها، ويسعدها، أن يكون الكاتب مهموماً بقضايا بلاده، ومدركاً لمعني الفن، وأنه ليس مجرد تعبيرات بلاغية، ولا توشيات، ولا حتي مجرد فضفضات للنفس.
رأيي أنه يجب علي المبدع الحقيقي أن ينشغل بإبداعه، فقط بإبداعه، لا يلتفت إلي محاولات للخصومة، أو للتعتيم، أو إثارة المعارك الصغيرة. إن له مشروعه الذي يجب - أو هذا هو المفروض - أن يخلص له، يعطيه اهتمامه، ويثريه بقراءات وخبرات وتأملات ومحاولات للإجادة.
ماذا تعني المقاومة في كتاباتك وحياتك ؟
- المقاومة - عندي - ليست مجرد شعار أحاول أن أطبقه في حياتي. إنها ترتبط بالإصرار علي التطبيق، لا يظل الشعار في حدود بلاغية، لكنه يترامي في آفاق لا حدود لها. إذا واجه المنع والمصادرة فإنه يظل قائماً، أدافع عنه ما وسعني، أقاوم القهر والزيف والفساد والمصادرة، أشفق علي سناء سقوطها في رواية العيب ليوسف إدريس، لكنني أجتهد - من يدري؟ - كي لا أتعثر في خطواتي، أو يخضعني ما لا أستطيع مغالبته.
في المقابل، فإني أوافق علي الرأي بأن الأدب ليس معملاً لماكينات الدعاية، لكنه ممارسة مستمرة ، وبدون هذا العنصر من التحمس، من جانب من يكتب ، ومن جانب من يقرأ ، لا قيمة لأي عمل أدبي، ولا معني له علي الإطلاق.
بعد أن قامت مصر بثورتها.. ألا يدعو الحدث إلي مراجعة دلالة المقاومة - من المنظور السياسي - في إبداعاتك؟
- إذا حققت الثورة المصرية أهدافها، فإني سأظل أدعو للمقاومة، ذلك لأني مواطن عربي، أنتمي إلي هذه المنطقة الواسعة بين المحيط والخليج، تعاني احتلالاً مقيماً، ويعاني جل أهلها فساد السلطة وجبروتها وملاحقاتها، سيظل سدي أعمالي مقاومة الاحتلال والدكتاتورية والقهر والملاحقة المتعسفة.
لقد أمضي أستاذنا نجيب محفوظ خمس سنوات بعد كتابة الثلاثية دون أن يضيف إلي سرده الروائي والقصصي. أرجع ذلك إلي أنه قال كل ما لديه قبل الثورة، ولم يعد لديه بعد قيامها ما يقول. ورغم ملاحظتي أن تلك الفترة التي شهدت انقطاعاً في فن محفوظ الروائي والقصصي، وجدت استمراراً في كتابته للسيناريو السينمائي. كتب خلال السنوات الخمس معظم السيناريوهات التي قدمتها له السينما.. ظني أني لست في حاجة إلي ذلك الانقطاع الذي اختاره محفوظ بعد قيام الثورة. ولعلي أستطيع القول إن ثورة 25 يناير كانت تفسيراً لكل التنبؤات والكتابات التحريضية، وإن وجد الكتاب ذوو النزعات القومية أنفسهم مطالبين بمجاوزة الثورة التي تحققت في مصر إلي احتمالات ثورة في بقية الأقطار العربية، يركزون عليها في كتاباتهم، بحيث تبدو تواصلاً واستمراراً لما سبق.
هل حرية الكاتب مطلقة أم ملتزمة ؟
- في رأيي أن الحرية هي الأصل. وإذا كان البعض يتعمد الإساءة إلي هذا المعني الجميل بكتابات تستهدف الإساءة للمشاعر الدينية، أو دغدغة المشاعر الحسية، أو افتعال القضايا التي تهدد نسيجنا الاجتماعي، فإن ذلك لا يعني المصادرة ولا المحاسبة الرقابية من الدولة، إنما هي مسئولية المثقفين أنفسهم. إن عليهم أن يقرءوا ويناقشوا ويحللوا ويبدوا الرأي في مواطن الإيجاب والسلب، الرأي العام المثقف يستطيع أن ينبه إلي الأعمال التي تستحق القراءة والتقدير، والعكس بالطبع صحيح . وإذا كان النقد يفضل الاسترخاء في غيبوبة، فلعل المجتمع الثقافي في عمومه يضع أيدينا علي ما ينبغي قراءته ، وما يجد موضعه الحقيقي سلال المهملات!
كتابك الضخم " مصر في قصص كتابها المعاصرين".. كيف أنجزته؟
- في سني إعداد كتابي" مصر في قصص كتابها المعاصرين" كنت ألزم البيت، لا أغادره، الأدق أني كنت ألزم حجرتي، لا أري أحداً خارج البيت ، ولا أكلم أحداً، إلا للسؤال عن معلومة أريد التثبت من صحتها، حتي الطعام أتناوله علي مكتبي، أقرأ وأكتب، لا أخرج إلا نادراً، ألاحظ أن ساقي ترتجفان في خطواتي الأولي، بعد أيام طويلة من الجلسة وراء مكتبي.
وكان مشروعي التالي - بعد هذه العزلة الاختيارية - روايتي »الأسوار«. أحسست سعادة حقيقية، لتصوري أني كتبت علي غير نحو سابق، مارست تفاعل الأنواع دون أن أعرفه، أردت أن أمزج بين الفنون المختلفة، دون أن أقرأ عن ذلك المزج، بل إني لم أحاول تسمية اللون الذي اخترته، حتي قرأت لجبرا إبراهيم جبرا تسمية بالمعني هي وحدة الفنون، ثم قرأت - بعد ذلك - في تفاعل الفنون، وتفاعل الأنواع الأدبية، وهي التسمية التي اختارتها زينب العسال لدراستها في أدب لطيفة الزيات.
لماذا تتركز معظم أعمالك في حي بحري؟ ما المغايرة التي يتسم بها؟
- بحري أصل الإسكندرية. كيلو متر مربع ، من اليمين المينا الشرقية ، ومن اليسار المينا الغربية، وفي المواجهة خليج الأنفوشي، لسان أرضي، شبه جزيرة في شبه جزيرة الإسكندرية.
المغايرة تبين في الصلة بين البحر واليابسة، وفي مهنة الصيد، وحلقة السمك، وورش المراكب، والمهن المتصلة بالميناء، وفي الروحانية المتمثلة في الجوامع والزوايا وأضرحة الأولياء ومقاماتهم ، وما يتصل بذلك من موالد وأذكار وطرق صوفية.
ماكوندو هي القرية التي اخترعها جارثيا ماركيث، تدور فيها أحداث إبداعاته. المبدع الذي ينتمي إلي بحري، ويعانق بعينيه ومشاعره وموهبته وحبه مظاهر الحياة من حوله، لن يحتاج إلي اختلاق ماكوندو أو ما يشبهها. إنها بيئة خلاقة ، تهب مالا نهاية له من الرؤي والتأملات والتعرف إلي الواقع المتفرد في أدق تفصيلاته، بدءاً بوسائل العيش، وانتهاء بمحاولة السير في الطريق التي سار فيها من قبل: النديم وسلامة حجازي والتونسي وسيد درويش والحكيم ومحمود سعيد وأدهم والنشار وبيكار والشوباشي والعدوي وعشرات غيرهم.
رباعية بحري لوحات منفصلة، تتناول مظاهر الحياة في بحري أعوام ما بعد الحرب العالمية الثانية. الخلفية سياسية، لكن الأحداث قوامها السرد الروائي بكل مواضعاته، وشخصياته تصدر عن الفن الروائي، عدا إشارات متناثرة تشير إلي الواقع المعاش آنذاك. أما أهل البحر فإن القرن العشرين بامتداده هو المساحة الزمانية التي تتحرك فيها شخصيات الرواية، والمكان حي بحري هو الشخصية الرئيسية، المحور الذي تتحرك من حوله الأحداث. وهي أحداث يتناغم فيها الواقع والسيرة الذاتية والترجمة والخيال والأسطورة بما يشكل لوحة بانورامية للحياة في بحري من خلال حياة ناسه، بالإضافة إلي محاولتي أن أعبر من خلال توالي الفصول والأحداث، عن فلسفة حياتي. هذه هي التسمية التي أفضلها لنظرتي الشاملة إلي كل ما يحيط بي، وأحاول تأمله: المصير الإنساني، السياسة، التاريخ، الاقتصاد، علم الجمال، اللغة، كل ما يشغل المرء في أوقات من حياته، أو في أوقات حياته جميعا. ظني أن القراءة الواعية لأهل البحر وأعتذر لفجاجة التعبير ستجد ملامح من فلسفتي الحياتية . ما حاولت التعبير عنه في أعمالي السابقة ، والذي عني النقد بتحليله من خلال كتابات جادة، أعتز بها. باختصار ، فإن أهل البحر هي اللوحة المتكاملة للحياة في بحري بشخصياته الحقيقية والمتخيلة ومعتقداته وعاداته وتقاليده وانعكاس ذلك كله في فكر الفنان وإبداعه .
ماذا أضافت روايتك »أهل البحر«؟
- كنت أتصور أن »رباعية بحري« قد استنفدت ما كنت اختزنته عن بحري. لم يعد لدي ما أضيفه عن الأولياء والمريدين والبحر والصيادين وعمال الميناء والموالد وحلقات الذكر والبركات والمكاشفات. ثم انبثقت في لحظة لا أذكرها ثيمة أهل البحر. تختلف في بنيتها عن »رباعية بحري«، وعن بني أخري، تسبقها وتلحقها، في زمان الوصل والشاطئ الآخر ونجم وحيد في الأفق وحكايات الفصول الأربعة وصيد العصاري ومواسم للحنين وغيرها. أهل البحر يختلط فيها الزمان والمكان والحلم والواقع والخرافة والدين واستشراف المستقبل. سميتها »موسوعة بحري« لأني اخترت لها شكل الموسوعة ، لكن صديقاً أعتز برأيه نصح بأن أبدل التسمية: قد يظن القارئ أنها موسوعة جغرافية.
أردت بهذه الرواية أن تكون مجملاً لفلسفة حياتي، لمجموع تجاربي وخبراتي وقراءاتي وتأملاتي، والإحباطات التي عشتها، والآفاق التي أتطلع إليها.
البحر - كما أشرت - موجود في غالبية أعمالك.. لماذا اخترت " عناد الأمواج " تسمية لآخر رواياتك؟
- أكره الوصف أن الأمواج تموت علي الشاطئ. الأمواج لا تموت، حالة المد والجزر المتلاحقة أبداً تهبها حياة متجددة، إلي نهاية الحياة في هذا الكوكب، لذلك اخترت تسمية " عناد الأمواج" لآخر رواياتي. إنها تختلف عن تسمية عناد الثيران، لأن نهاية الثور محققة، طعنة السيف الأخيرة من الميتادور، تسبقها طعنات المساعدين. ذلك ما يعرفه الجميع قبل أن يبدأ حفل الدم. أما الأمواج فهي ترتطم بالصخور ولا تنكسر، ارتطامها بداية انطلاقة إلي الاتجاه المعاكس، هكذا إلي نهاية العمر.
الصوفية معلم آخر مهم في أعمالك.. هل تشغلك الصوفية كبعد ديني؟
- بالإضافة إلي تأثري الذي لا أنكره بالبيئة في حي بحري بالإسكندرية، وغلبة الروحية بكل ما تشتمل عليه من فرق صوفية ومساجد ومزارات وموالد إلخ، فقد اخترت الصوفية فضاء لمعظم محاولاتي في القصة والرواية، لأنها تشابه حياتنا السياسية والاجتماعية في الكثير من أبعادها.ثمة القطب، أو شيخ الوقت، يليه الأوتاد والنقباء إلي آخر حلقات السلسلة التي تنتهي بالمريدين والمحاسيب والأتباع.. ذلك هو المقابل لحياتنا السياسية، الحاكم والمحكومين بتعدد وظائفهم ومكانتهم.
تعددت كتابات في السيرة الذاتية.. كيف تنظر إلي ما مضي؟
- في سيرتي الذاتية، أنا أرقب الأحداث ولا أعيشها. كنت قد عشتها، وتحدد دوري في استعادة ما حدث وروايته. قد تشوبه ظلال النسيان، أو تغلب عليه المدافعة، أو تتخلص مما لا ينبغي روايته، وهو ما يختلف تماماً عن العيش في التجربة. لقد بعدت الصلة بيني وبين الأحداث التي أعرض لها، فأنا إذن أواجه النسيان، أو أهمل الموضوعية، فأهمل ما هو ضرورة لاكتمال الصورة.
ولعل أسوأ كتابات السيرة الذاتية حين ينتقد الكاتب من شاركوه حياته، أو التقوه فيها، يدين ويعري ويفضح، يعيد كلمات مالك في الخمر، لكنه لا يكاد يشير إلي نفسه، كأنه شاهد علي الآخرين، وليس راوية عن نفسه. أدين لأستاذي سيد عويس بأفضال كثيرة، لكنني صارحته بتحول تاريخه الذي حمله فوق ظهره إلي تصفية حسابات، تنقصها الموضوعية، بينه وبين زملاء له في الحياة الأكاديمية.. أصارحك - بالمناسبة - أنه تزعجني النظرة إلي ما أكتبه من رواية أو قصة علي أنه سيرتي الذاتية، وأن الشخصيات التي تناولتها أقارب وأصدقاء حقيقيون، أحاول توضيح الفرق بين الصدق الواقعي والصدق الفني، يتظاهر محدثي بأنه اقتنع، لكن ملاحظاته التالية تشي برفضه ما قلت، يتجه ناحيتي بنظرة متخابثة: فاهمك!
ما رأيك في القول بحيادية الفن؟
- أرفض الحيادية في الفن، ولا أتصورها. لا أعني التقريرية والجهارة والمباشرة، وإنما أعني التعبير عن فلسفة حياة الكاتب من خلال إبداع يتسم ولو في ظاهره بالعفوية
لذلك، فأنا أبدأ في تجربة كتابة رواية جديدة فور أن أنتهي من كتابة أحدث رواياتي. يدفعني إلي ذلك إحساس مؤكد أن أفضل ما كتبته أو في الأدق ما كنت أريد أن أكتبه لم أكتبه بعد!
أحيانا، أشعر أني مطالب بمجرد أن أناضل ضد اللا معني والتخاذل والصمت.
إذا لم يكن المثقف معارضاً للسلطة ، فإنه في الأقل محاور لها، يطرح الأسئلة، يبدي الملاحظات، يناقش، يعارض أحياناً، لكن دوره يغيب إن اكتفي بالتبعية للسلطة، فهو سيتحول إلي مسمار أو ترس في ماكينتها الهائلة، وهي ماكينة من بين ما تصنعه إلغاء الصوت المعارض، بداية بالاعتقال، وانتهاء بالتصفية الجسدية..ثمة مثقفون احتوتهم السلطة تماماً، صاروا جزءاً من نظامها الحاكم، يدافعون عنه بصرف النظر عن الظلم الذي تنطوي عليه تصرفاته. وبتعبير آخر ، فإنهم قد اختاروا الانضمام إلي المعسكر المعادي في مخالفة للتوقع أن يلزموا معسكر الناس العاديين. وكما يقول سارتر فإن كل سلطة هي شر.
ماذا يشغلك الآن؟
- أحاول ألا ألجأ إلي ما فعله كازنتزاكس حين عبر عن أمنيته في أن ينزل الطريق، ويتوسل دقائق من حياة المارة، يطيل بها عمره الإبداعي، فأنا أحرص علي القراءة والتأمل والكتابة، أفيد من كل دقيقة وقت لإنهاء ما يشغلني، سواء الإبداع أو القراءات الإيجابية. أشفق نجيب محفوظ علي نفسه وقارئه بعد أن بلغ الستين، فالعمر قد لا يسعفه. أزمع أن يقصر إبداعه علي روايات قصيرة أو قصص محدودة الأسطر، باعتبار أنه في محطة سيدي جابر، يتأهب للنزول في محطة الإسكندرية.
ظل انشغالي بفسيفساء مشروعي السردي قائماً، لم يتبدل، وكتبت -بعد الستين- روايتي " أهل البحر" في صفحاتها التي تقارب الألف. كما أنهيت الأجزاء الثلاثة من كتابي " مصر في قصص كتابها المعاصرين"، وبلغ عدد الصفحات حوالي خمسمائة وأربعة آلاف صفحة. قراري أن أظل أقرأ وأتأمل وأكتب، لا أترك القلم إلا عندما تطالعني لحظات العمر الأخيرة، وهو ما تصورته في سيرتي الذاتية الروائية" مد الموج".
ولعلي أحلم بأن أكتب عملاً يمثل جسراً بين ما نقرأه الآن من إبداعات سردية، وما يحمله الغد علي أيدي مواهب طالعة. أتذكر الدور الذي قام به تولستوي في رائعته " أنا كارنينا " التي مثلت جسراً بين الواقعية الكلاسيكية والرواية الحديثة.
ما أحب الأوقات التي تمارس فيها الكتابة؟
- يصعب القول إني أخصص وقتاً للكتابة، ليلاً أو نهاراً. أنا أكتب عندما تواتيني الرغبة في الكتابة، وفي أي مكان أجلس فيه. كتبت فصلاً كاملاً من " حكايات عن جزيرة فاروس" في جروبي طلعت حرب. وصلت إلي المكان لسيولة المرور ذلك الصباح قبل الموعد الذي حددته للقاء صديق بما يقرب من الساعة. أعدت النظر إلي ما حولي، وتأملت حركة الطريق بما يكفي، وتشاغلت بشرب كوب من الشاي بالحليب. قلبت في جيبي بعفوية. أومأت النوتة الصغيرة بما ينبغي أن أفعله. بدأت في الكتابة، لم أرفع القلم إلا بعد أن أنهيت فصل " أبي" في حكايات من جزيرة فاروس..وإذا كنت أمضي ساعتين، أو ثلاث ساعات، في الكتابة، فإن انشغالي بما أكتبه يستغرق حتي أوقات ما بين النوم واليقظة. أذكر قصتي" هل" التي قمت من نوم القيلولة لأبدأ في كتابتها. لم أترك القلم حتي أتممتها، حاولت المراجعة، فلم أضف، ولم أحذف، كأني كتبت شيئاً حفظته جيداً.
أصارحك أني أخفقت في الإبداع المنتظم كما كان يفعل أستاذنا نجيب محفوظ، خصص للكتابة الإبداعية ساعتين كل يوم، جعلهما جزءاً من نظامه اليومي الذي يشمل قضاء فترة الصباح إلي ما بعد الظهر في العمل، والقيلولة، والجلوس إلي الأسرة، ومشاهدة برامج التليفزيون، ومجالسة الأصدقاء في القاهرة في ساعات محددة، وفي أيام محددة.
أحب النظام، لكن إلي حد لا يصبح فيه قيداً علي المزاجية بتأثيرها الذي لابد أن أتقبله. يصعب أن أرسم دوائر ومثلثات ومربعات كما كان يفعل نجيب محفوظ عقب نكسة يونيو. إذا لم أجد ما أكتبه، أو استعصت الكتابة، فإني لا أفعل أي شيء، لا مثلثات ولا دوائر ولا مستطيلات، ولا أي شيء، يقهرني ما هو أشد من الملل فأترك مكاني، قد أشاهد تفاهة تليفزيونية، أو أحاول القراءة، أو أنام في غير موعد.
أنت متهم بغزارة الإنتاج.. كيف تتعامل مع الناشرين؟
- أنا أكتب بدافع من داخلي، ولا أنتظر مقابلاً. الدوافع الخارجية غائبة تماماً، فالناشر يدفع مقابلاً لا يساوي تكلفة الطباعة علي الكومبيوتر، أو لا يدفع أي مقابل. دعك من الناشرين الذين يحصلون من الكتاب علي قيمة ما ينشرونه لهم.
ظني أن الكاتب الروائي لن يحقق مكسباً يساوي التعب الذي بذله في كتابة روايته، إلا إذا قدمت في السينما، وهو ما كان سهلاً في عقود ماضية، صعباً إلي حد الاستحالة في زمننا الحالي الذي يصر فيه مؤلفو السينما أن يكتبوا قصة الفيلم والسيناريو والحوار، بحيث لا يشاركهم حتي نجيب محفوظ ما يحصلون عليه. وبمناسبة محفوظ، فإن عدد أعمال الرجل التي تصلح للسينما بالفعل، لكن السادة المؤلفين لا يلتفتون الآن إليها، لسبب بسيط هو أحقيتهم في كل ما تدره العملية التأليفية للفيلم، لا تتحدث عن الفكرة الجميلة، ولا الرواية التي تضيف إلي السينما، ولا الهزال الذي تعانيه أقلام هذه الأفلام، ولعلي أتصور أن إنتاجها يقتصر علي جدران الاستديو، بداية من التأليف، وحتي توزيع نسخ الفيلم علي دور العرض. دور النشر الآن أربعة أنواع: نوع يعطي الكاتب حقه وقدره، ونوع يعطي الكاتب مكافأة رمزية، ونوع ينشر العمل بلا مقابل، ونوع رابع يتقاضي فيه الناشر مقابلاً لنشر الكتاب، وليس العكس، بالإضافة طبعاً إلي مئات الكتاب الذين يفضلون نشر كتبهم علي نفقتهم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.