أمر جيد جداً. أن يتم التعامل مع العشوائيات التي اكتظت بها مصر.. سواء برفع كفاءة المنازل العشوائية التي لا تشكل خطورة علي ساكنيها. وإدخالها في خطط التنظيم. أو بإزالة البيوت التي يستحيل الإبقاء عليها. نظراً لخطورتها الداهمة علي قاطنيها. ونقلهم إلي مساكن آدمية وآمنة. في الحالتين.. هناك ضابط مشترك لابد منه لحماية المنازل. سواء التي تم رفع كفاءتها وتطويرها. حتي لا تعود إلي العشوائية من جديد. أو المناطق الجديدة التي نُقل إليها سكان البيوت المزالة كي لا تتحول إلي عشوائيات مستحدثة.. هذا الضابط هو رقابة الحكومة بكل أجهزتها. وتطبيق القانون بحسم. أقول ذلك بمناسبة الإعلان عن مدينة كاملة يتم بناؤها باسم "تحيا مصر" في المقطم علي مساحة 160 فداناً لتسكين الطبقة المهددة منازلهم في العشوائيات بالانهيار. السؤال: لماذا تقام هذه المدينة في المقطم بالذات؟!.. أليست أرض مصر واسعة؟!.. هل المقطم ناقص عشوائية لتُضاف إليه عشوائية جديدة تضربه في مقتل؟!! يسألني سائل: لماذا تفترض أن تتحول المدينة الجديدة إلي عشوائية؟!.. وأرد علي السائل بواقع عِشْتُه وأعيشه حتي اليوم. شوف يا سيد يا محترم.. العبد للَّه من سكان المقطم من عام ..1990 وقد اخترت هذا المكان بالذات ودفعت فيه تحويشة عمري مثل غيري. لأريح أعصابي وجسدي من تبعات الضغوط الهائلة للعمل الصحفي. خاصة أن المقطم "كان" حياً هادئاً وراقياً وقتها. وأسعار شققه في متناول اليد. في آخر شارع "9" الرئيسي أقيمت مدينة للعرائس. وكان شرط تملك الشقة أن يكون المالك حديث الزواج.. قلنا خير وبركة. لكن.. فجأة ضرب زلزال 1992 مصر.. وتهدمت منازل كثيرة في مختلف الأحياء الشعبية. وأصبح أهالينا وأعراضنا في الشوارع. وعلي الأرصفة. وهو أمر لا يقبله إنسان.. فلم تجد الحكومة سوي أن تُسكِّن من هُدمَت منازلهم في هذه المدينة التي تحول اسمها بعد ذلك إلي "مساكن الزلزال". إلي هنا والأمر طبيعي.. ونشيد بدور الحكومة في أنها "سترت لحم" نسائنا وبناتنا.. لكننا في نفس الوقت نلعنها في كل كتاب. لغياب متابعتها. والذي تدفع ثمنه الآن. هذا الغياب غير المبرر يا سادة تسبب في تحويل المدينة التي كانت للعرائس إلي أدني أنواع العشوائيات.. فقد تم فتح كل الأدوار الأرضية وتحويلها إلي محلات وورش دون موافقات أو بموافقات بالرشوة. واحتل أصحابها الأرصفة المقابلة ونهر الطريق.. احتكر الباعة الجائلون باقي الشارع.. أقيم موقف ميكروباص. وتوك توك. لا يتعامل سائقوها إلا بقاموس الشتائم المتدنية.. إقامة سوق عشوائي قال يعني ناقصة عشوائية وحدث ولا حرج عنه من حيث النظافة الغائبة. واللغة المتدنية المستخدمة.. والأهم جداً أن انتشرت الجرائم بمختلف أنواعها من سرقة وتثبيت وقتل ومشاجرات بالسلاح في كل المقطم الذي لم يكن يعرف تلك الجرائم قبل الزلزال.. باختصار تحولت مساكن الزلزال إلي "بؤرة فساد" وهذا لا ينفي أن بها سكاناً آخرين في منتهي الأدب والاحترام.. وكل هذا دفع مُلاَّك كومباوند إلي الانفصال عن المقطم جغرافياً بشق طريق خاص علي نفقتهم. يربط بين منازلهم والطريق الدائري مباشرة. حتي لا يمروا وسط مساكن الزلزال. أسرد عليكم هذه المأساة. لأن المدينة التي تجري إقامتها الآن المفترض أن يكون لها مستقبل من اثنين: إما أن تصبح مدينة حضارية. أو تتحول إلي عشوائية جديدة.. والضابط هنا هو رقابة الحكومة. وعدم السماح بتغيير جغرافية المكان. وفرض القانون علي الجميع. لكن.. من واقع تعاملنا مع الحكومات السابقة والحالية أعلنها لكم مدوية: أبشركم بأن المدينة الجديدة ستنضم إلي طابور العشوائيات بعد أشهر قليلة من تسكينها.. العشوائية الحكومية أكثر ضرراً وأشد فتكاً من منازل عشوائية خارج خطوط التنظيم.. إنها تحول أرقي الأحياء إلي مزبلة. للَّه الأمر من قبل ومن بعد.