ظاهرة عدم توريث المرأة مازالت تنتشر بشكل كبير في بعض المناطق بالوجهين القبلي والبحري بحجة أن المال أو الأراضي أو البيوت المورثة تذهب لأجنبي حتي لو كان زوج الابنة.. ورغم أن وسائل الإعلام تعرضت لهذه الظاهرة كثيرا إلا أن البعض مازال مصرا علي عدم توريث المرأة.. في الوقت نفسه نري دعوات خرجت مؤخرا في تونس والمغرب وغيرهما تطالب بمساواة المرأة بالرجل في الميراث مما جعلنا نتساءل: لماذا لا يلتزم المسلمون بشرع الله في المواريث التي حددها المولي لحكمة يعلمها وحده؟.. ولماذا لم تتم مناقشة قانون تجريم منع المرأة من الميراث الذي أقرته الحكومة المصرية مؤخرا في مجلس النواب حتي الآن؟. كانت "المساء" قد تلقت رسائل عديدة من سيدات تم حرمانهن من الميراث علي أيدي أخواتهن ويطلبن معرفة رأي الشرع في ذلك. يؤكد د. عبدالغفار هلال الأستاذ بجامعة الأزهر أن الله سبحانه وتعالي لم يظلم أحدا.. ولذلك حدد الميراث الشرعي لمن يتوفي وترك البنين والبنات.. فجعل لكل من الذكر والأنثي نصيبه المحدد بحسب الإرادة الإلهية والحكمة التي يراها الله عز وجل قال سبحانه "يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين" وعلي هذا يجب عدم ظلم البنت بحرمانها من حقها الشرعي.. وكل من يحرمها من هذا الحق يعاقب عقابا شديدا لمخالفته الأمر الإلهي بفرض نصيب للبنت في تركة المتوفي.. إضافة إلي ذلك يجب التسوية بين الذكر والأنثي في العطاء في الحياة الدنيا.. فإذا أراد الأب مثلا أن يعطي أحد أولاده الذكور فيجب عليه أن يعطي مثلها لأولاده الآخرين ذكورا وإناثا علي التساوي. أشار إلي أنه جاء أحد الصحابة وهو بشير وزوجته عمرة بنت رواحة إلي رسول الله - صلي الله عليه وسلم - وكان بشير قد أعطي لابنه النعمان عطية - أي حديقة - وأراد أن يشهد الرسول علي هذه العطية.. فسأله النبي: ألك أولاد غير النعمان؟.. فقال: نعم.. فقال له النبي -صلي الله عليه وسلم-: هل أعطيتهم مثل ما أعطيت النعمان؟.. فقال: لا وإنما أنا خصصت النعمان بهذه العطية.. فقال له الرسول الكريم: اذهب فرد عطيتك فإني لا أشهد علي جور "أي ظلم".. وهذا يعتبر دستورا للمسلمين أن يساووا بين الأولاد في العطاء وألا يحرموا البنت من أن يعطوها مثلما يعطون الذكور في الحياة وبعد الموت تأخذ حقها الشرعي حسب ما قرر الله تعالي في كتابه وما قررته السنة النبوية المطهرة.. أما إذا أراد المورث أن يعوضها عن نصيبها في الأرض التي تركها المتوفي أو قبل الموت فيجب أن يكون التعويض برضاها وعلي حسب القيمة الفعلية للأرض لا أن يغمطها حقها أو يعطيها قليلا من المال لا يساوي قيمة الأرض الحقيقية فهذا يعد ظلما.. كما يجب عليه ألا يكرهها علي ذلك لأن من حقها أن تأخذ الأرض إذا أرادت.. وكانت الأرض ميراثها. لذلك يجب علي كل من يستطيع أن يرد للبنت حقها أن يعمل علي ذلك ويمنع هذا العمل المنكر وينبه هؤلاء الذين يظلمون البنات علي الالتزام بشرع الله وألا يخرجوا عليه لأن الله تعالي جعل هذه حدودا لا يجوز أن يتعداها الإنسان ومن يتعد هذه الحدود فإن الله تعالي يعاقبه عقابا شديدا كما قال تعالي في سورة النساء "تلك حدود الله ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك الفوز العظيم. ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله نارا خالدا فيها وله عذاب مهين". الميراث.. حدود الله يقول الدكتور مبروك عطية الأستاذ بجامعة الأزهر ومقدم برنامج الموعظة الحسنة علي الفضائيات إن الميراث حدود الله التي ينبغي ألا يتجاوزها ويتعداها مؤمن بالله ورسوله.. وقد قال تعالي عقب التوزيع "تلك حدود الله" والتعبير بكلمة حدود في منتهي الدقة وهو يدفع النفس البشرية إلي أن تتجرد من شحها وطمعها فإن المال مال الله وتوزيع الميراث علي أصحابه المستحقين توزيع من الله ولا ينبغي لبشر أن يحكم فيه بهوي أو أن يطمع فيه بشره. أضاف أنه للأسف ألف بعض الناس علي حرمان البنات خصوصا في الأراضي الزراعية وزين لهم الشيطان أعمالهم فقالوا إن البنت قد تزوجت بأجنبي فكيف نسلم هذا الأجنبي أرض أبنائنا وأجدادنا وهذا من عمل الشيطان لأن الأرض لا تسلم لزوج البنت في الحقيقة فليس هو من الوارثين وإنما تسلم لابنة المتوفي أو أخته أو غيرها من النساء الوارثات ويقوم هذا الذي يسمي أجنبيا برعايتها لها والعمل فيها فإن باعتها له أو وهبتها إياه فهذا حقها لأنها حرة التصرف في مالها وأرضها التي امتلكتها بحد الله وحكمه.. وعلي المسلم أن يحرص علي ما ينفعه ومما ينفعه أن يسلم الحقوق إلي أصحابها غير ناظر إلي مألوف يؤدي به في جهنم خالدا فيها كما قال تعالي في آية الميراث "ومن يعص الله ورسوله يدخله نار جهنم خالدا فيها" والمألوف الحقيقي هو ما شرعه الدين لا ما جرت عليه العادة ولا استشري فيه الطمع المادي الذي يفسد الحياة بكل ما فيها. شريعة متكاملة تقول د. آمنة نصير أستاذ العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر: جاءت الشريعة الإسلامية متكاملة في جميع مقدراتها سواء ما يتعلق ببناء الأسرة أو المجتمع أو بناء المجتمع الإنساني.. وحرص الإسلام علي نزع الأحقاد والضغائن من قلوب الناس لهذا أعطي لكل ذي حق حقه. أضافت أن الميراث فرض ومن خالفه فقد خالف أحكام الله وفرائضه.. ولذلك تجد لكل جزئية من جزئيات الميراث تأكيد الله تعالي في قوله "فريضة من الله". والمرأة كرمها الإسلام ورفع قدرها وأعلي منزلتها وجعل لها مكانة سامية في المجتمع الإسلامي.. وما جعل الله للمرأة نصف الميراث إلا ليكرمها أيضا فهي ترث في زوجها وفي ولدها ومن أبيها وأمها.. وعلي هذا ليس من الشريعة مطلقا أن تحرم المرأة شيئا مما فرضه لها ربها.. ومن فعل ذلك فقد خالف شرع الله. قالت د. آمنة إن كثيرا من الناس يتحايل الآن ويعطيها أموالا مقابل أن يرضيها علي حساب ميراثها وهذا ليس من الشرع في شئ.. فالميراث يقسم بعد موت المورث وتأخذ هي نصيبها كاملا دون ضغوط أو تحايل.. فما جعل الله لها ذلك إلا لمكانتها ومنزلتها في المجتمع. أما إذا تنازلت لظروف اجتماعية معينة وحرصا علي مودة صلة الأرحام وتم ذلك بدون ظلم ولا حيف ولا أخذ بسيف الحياء فلا شئ في هذا. أكدت أن عدم توريث البنت أو المرأة بصفة عامة كبيرة من الكبائر وظلم وسحت يأكله المسئول عن ذلك.. فالله سبحانه وتعالي قدر ذلك لها.. ويوجد الكثيرون الذين يحترمون ذلك ويعرفون حدود الله.. في الوقت الذي يوجد فيه أيضا عدم توريث المرأة للبيت أو الأرض الزراعية وهذا العمل حرام حرام. رأي القانون أكد المستشار عادل عمر المحامي بالاستئناف العالي أن مجلس الوزراء وافق مؤخرا من حيث المبدأ علي مشروع قرار رئيس الجمهورية بخصوص تعديل بعض أحكام القانون رقم 77 لسنة 1943 بشأن المواريث. مع مراجعة الجزء الخاص بالعقوبة بما لا يتعارض مع القوانين الدولية بحيث يأتي هذا التعديل في إطار تدخل المشرع لتجريم الامتناع العمدي عن تسليم محل الميراث أو ريعه أو حجب سندات استحقاق الميراث للوارث أياً كان نوعه. بهدف كبح جماح تلك الأفعال التي أدت إلي ضياع الحقوق الثابتة شرعاً وإحداث خلل اجتماعي واقتصادي. وينص التعديل علي أنه مع عدم الإخلال بأية عقوبة أشد ينص عليها قانون آخر. يعاقب بالحبس مدة لاتقل عن 6 أشهر وغرامة لا تقل عن 20 ألف جنيه ولا تجاوز 100 ألف جنيه أو بإحدي هاتين العقوبتين كل من امتنع عمداً عن تسليم أحد الورثة نصيبه الشرعي من الميراث.. ولم تقتصر العقوبة علي مانع الميراث عمدا بل علي من يحجب سندا ليخفي نصيب الوارث أو الوارثة حيث يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن 3 أشهر وبغرامة لا تقل عن 10 آلاف جنيه ولا تجاوز 50 ألف جنيه أو بإحدي هاتين العقوبتين.. وفي حالة العودة لأي من الأفعال السابقة تكون العقوبة الحبس الذي لا تقل مدته عن سنة. طالب المستشار عمر مجلس النواب بسرعة مناقشة مشروع قانون المواريث الجديد لأنه يصب في صالح الأسرة ككل وليس المرأة وحدها.. فالعادات والتقاليد والأعراف المتوارثة لا يجب أن تتعارض مع شرع الله وحدوده والقوانين التي تراعي هذه الحدود.