مهرجان الموسيقي العربية الذي تقام حالياً دورته التاسعة عشرة بدار الأوبرا يعد من الأحداث الفنية الهامة ليس لأنه يحظي بإقبال جماهيري كبير وبتغطية إعلامية أكبر وإنما لأنه نافذة نطل منها علي نشاط الموسيقي التقليدية والتراثية في بعض البلاد العربية الشقيقة التي تتاح لها فرص المشاركة كما انه فرصة جيدة لنتابع نجومنا الذين لهم باع في الغناء الكلاسيكي التقليدي ويسعون لاكتشاف واحياء ما به من كنوز ومازال لديهم الاهتمام بانتقاء الكلمة واللحن في أعمالهم الخاصة.. كما انه أحياناً يكون هناك تقديم لبعض الأصوات الشابة التي تمثل مواهب علي الطريق. لمحة تاريخية ومهرجان ومؤتمر الموسيقي العربية بدأ عام 1992 بفكرة من د. رتيبة الحفني وبدعم من الراحل د. ناصر الانصاري بهدف الاحتفال بمرور ربع قرن علي تأسيس فرقة الموسيقي العربية بقيادة الفنان المبدع عبدالحليم نويرة التي يطلق عليها الآن اسمه كما انه احياء واستكمال لمؤتمر الموسيقي العربية الذي أقيم بالقاهرة عام 1932 وقد نجحت الدورة الأولي فجاءت فكرة تكرارها سنوياً. فرق عربية هذا العام شارك في المهرجان فرقتان الأولي من فلسطين والثانية من سوريا.. الأولي من قرية "ترشيحا" التي تسمي الفرقة باسمها: والتي تقع في أعالي منطقة الجليل الفلسطينية وسبق لها ان شاركت في المهرجان ولكن هذه المرة اتيح لها ان تقدم فاصلاً كاملاً علي المسرح الكبير. الفرقة تأسست عام 1988 بهدف الحفاظ علي الهوية من خلال الفولكلور الفلسطيني والبحث عن جذور الهوية العربية من خلال أداء القوالب التراثية والأغاني الكلاسيكية والمعاصرة لكبار الملحنين والمطربين. الفرقة يقودها الآن المايسترو تيسير حداد الذي شاهدناه واستمعنا إليه فوجدنا فنانا متميزا يبدع توزيعات متقنة ولديه قدرة كبيرة علي الحفاظ علي اللحن بتفاصيله وأيضاً موهبة فذة في التوزيع الآلي وتخصيص مقطوعات عزف منفرد متميزة. الفرقة تتميز بأسلوبها العلمي التنظيمي في الأداء من حيث الالتزام بعصا القائد والدقة في اداء النغمة التي تأتي موحدة بشكل واضح وجيد. برنامج الفرقة الذي شاهدناه تنوع بين الفلكلور الفلسطيني والغناء المصري التقليدي بالاضافة لابداعات خاصة يغلب عليها الطابع الشامي مثل قصيدة "هل تذكريني" كما ان موشحاته غير متداولة في فرق الموسيقي العربية لدينا.. قدمت الفرقة أغاني وألحان فريد الأطرش وتحية لعبدالحليم حافظ الذي تكرمه هذه الدورة بتقديمها فقرة موسيقية غنائية لمقتطفات من بعض اعماله الشهيرة فكانت من أجمل توزيعات المايسترو حداد حيث كان هناك تبادل بين الفرقة الموسيقية والكورال النسائي والرجالي بأسلوب علمي وبمعالجة هارمونية جيدة استطاع ان يحافظ فيها علي اللحن الاصلي للاعمال واستخدم الكورال في أداء النغمات الايقاعية.. الملاحظة التي اثارت الانتباه انه لم يقدم لنا صوتاً نسائياً حتي أغنية وردة "روحي وروحك حبايب" اداها المطرب فاروق زيود رغم ان لديه كورالا نسائيا كبيرا!! نغمات الشام الفرقة التي اتت لنا من سوريا جديدة علي جمهور الأوربرا وايضا اتيح لها فاصل كامل.. انها اكتشاف جميل واضافة جيدة. الفرقة تسمي "جسور" وتأسست عام 2007 من مجموعة عازفين اكاديميين من خريجي المعهد العالي للموسيقي بدمشق أو كلية التربية الموسيقية بحمص وعددها 14 عضواً ويديرها الموسيقار السوري عازف "البزق" صلاح عمو وتختص بتقديم تراث منطقة الشام وما حولها وقد شاركت في العديد من الحفلات والمهرجانات ومؤخراً فازت بجائزة المورد الثقافي بالقاهرة عام 2010 حيث يتم انتاج ألبوم لها. برنامج الحفل الذي شاهدناه تضمن 8 فقرات بدأت بمقطوعة سماعي نهاوند من مؤلفات الموسيقار الفلسطيني الراحل روحي الخماش وتعد من اشهر أعماله وتمثل اضافة للجمهور المصري لان هذه المقطوعة رغم شهرتها لا تدخل ضمن رصيد الفرق التراثية لدينا ونستمع إليها لأول مرة مثل معظم فقرات البرنامج والتي استمتعنا فيه بقالب الموشح والأغنية فأدي المطرب أيهم عمار باللهجة المصرية أغنية فريد الأطرش "مانحرمش العمر منك" ومن ألحانه شدا بأغنية فهد بلان "ما أقدرش علي كده" والتي كان موفقا فيها حيث جاءت إلي حد ما مناسبة لطبيعة صوته المفاجأة الطيبة كانت المطربة منال سمعان التي تمتلك صوتاً ذا مساحة واسعة وقادراً علي التلوين والانتقال بسلاسة بين المقامات وقد اثبتت ذلك بما أدته من أعمال.. ومن أهم ميزاتها وضوح الالفاظ بدون تكلف وتصنع واستمتعنا بأدائها لموشح "هاتها يا صاح" وبشدوها الجميل لأغنية "رقة حبك وسمارك" للملحن وعازف "البزق" الراحل محمد عبدالكريم والتي تعد أيضاً من أعماله الشهيرة ولكن درة البرنامج كانت الفقرة الختامية حيث ادت منال وصلة تراثية من مقام البياتي وهي من الألحان التي يعرفها الجمهور المصري ومن النغمات الشامية المحببة لدينا.. الفواصل الموسيقية التي قدمتها الفرقة اتضح من خلالها مهارة العازفين المنفردة من امثال عازفة القانون "ديمة موازيني" وعازف الأكورديون "وسام الشاعر" وعازف العود تمام سعيد. أضواء حفلات المهرجان حتي مثول الجريدة للطبع فيها ما يستحق ان يسلط الضوء عليه مثل المطرب الواعد وائل سامي الذي دراسته الموسيقية أصقلت موهبته وايضا أحمد الحجار ابن الفنان علي الحجار الذي امتعنا بغنائه أعمال خالد الذكر سيد درويش بصوت جميل واداء متمكن وأيضاً الموهبة همسة فؤاد والمطرب الاردني أيمن تيسير. وإذا كانت الموسيقي والغناء أبطال المهرجان فإن ديكور محمود حجاج المبتكر واضاءة ياسر شعلان شاركت في البطولة مع منسقة كل هذا المخرجة جيهان مرسي .