قبل أن اقترب منه شخصيا. كنت أعرفه كغيري. قانونيا متميزا وفقيها دستوريا مرموقا. آلي علي نفسه منذ زمن بعيد ان يكرس ملكاته الفذة للدفاع عن مصر العظيمة وشعبها الطيب ضد الاستبداد والفساد مهما كان الثمن الذي يتعين عليه ان يدفعه مقابل هذه المهمة المقدسة. في الوقت الذي كان الآخرون ينعمون فيه بالكثير حتي قامت الثورة في 25 يناير فاكتشفوا انها "نقم" جاء وقت تسديد فواتيرها من كرامتهم التي اهانوها تحت اقدام الفاسدين. فلما اقتربت منه من خلال اللقاءات التي نظمتها حركة "صحفيون من أجل التغيير" التي تشرفت بالانتساب اليها خلال السنوات التي سبقت الثورة. أو تلك التي نظمها غيرنا داخل نقابة الصحفيين وخارجها وجدته بالقول والفعل نموذجا وطنيا محترما ونادرا في وسط ندرت فيه النماذج المحترمة. تابعته باهتمام وهو يوجه الضربة تلو الضربة للنظام السابق واركانه سواء كان ذلك في الفعاليات التي اشرنا اليها أو المقالات والدراسات والابحاث أو اللقاءات التليفزيونية التي يشارك فيها وكذلك معظم التظاهرات والوقفات الاحتجاجية ضد الرئيس السابق أو في قاعات المحاكم مدعيا ضد النظام أو مدعي عليه من قبله إنه الخبير القانوني والفقيه الدستوري "عصام الاسلامبولي" اجرينا معه هذا الحوار المليء بالقنابل والمتفجرات القانونية والدستورية علي خلفية وطنية ناصعة البياض. بداية كيف تري الأوضاع في مصر الآن علي الأقل من وجهة النظر الدستورية والقانونية بوصفكم أحد أكبر الخبراء والفقهاء في هذا المجال؟! ** أري أن الوضع ملتبس وصعب للغاية لان الرئيس المخلوع لم يكفه ما فعله في مصر خلال عقود حكمه. بل تعمد وضع مصر كلها في "أزمة دستورية" حينما لم يجد مفراً من الاستجابة علي سبيل الاضطرار لمطالب الشعب بطرده من الحكم فالدستور المصري الذي تم وضعه عام 1971. لا يعرف شيئاً اسمه التخلي عن سلطات رئيس الجمهورية ولكنه يعرف أو ينص علي طريقتين اثنتين لترك الحكم "الاستقالة" و"خلو المنصب" لأي سبب من الاسباب كالموت أو عدم القدرة علي اداء مهام المنصب ولم يلجأ الرئيس المخلوع أو المطرود لأي من الطريقتين أي انه قرر ان يترك الحكم تحت ضغط الشعب بغير الطريق الدستوري ليضع مصر وشعبها في أزمة عقاباً لها وله علي الثورة. واذا قيل ان الرئيس لم يكن باستطاعته تقديم الاستقالة لمجلس الشعب لاستحالة انعقاده لانه كان محاصراً من الثوار فقد كان بوسعه ان يقدم هذه الاستقالة لرئيس المحكمة الدستورية العليا فاذا تعذر ذلك ولم يكن متعذراً كان بامكانه الاعلان فقط عن عدم قدرته علي أداء مهام وظيفته أو منصبه كي يلجأ للطريقة الثانية أي "خلو المنصب" وحين ذلك يتولاه رئيس مجلس الشعب واذا تعذر فرئيس المحكمة الدستورية العليا كما ينص الدستور. الذي حدث ان نائبه عمر سليمان أعلن يوم 11 فبراير أن الرئيس المخلوع قرر التخلي عن سلطاته بوصفه رئيساً للجمهورية وتكليف المجلس الأعلي للقوات المسلحة بادارة البلاد!! وهنا ملحوظتان الأولي انه لم يلتزم بالدستور والثانية انه حسب منطوق القرار أو البيان قرر التخلي عن سلطاته ومن ثم فقد سلطة اتخاذ أي قرار آخر ولم يعد من حقه تكليف أحد بهذه المهام ولكنه سمي المجلس الأعلي للقوات المسلحة وكلفه بهذا الأمر بينما الدستور المصري لم يأت بذكر لهذه الطريقة أصلاً. ومعني ذلك أن من لا يملك اعطي لمن لا يستحق علي طريقة وعد بلفور. أشرت إلي ان الدستور يخلو تماما من أي نص يتعلق بالمجلس الأعلي للقوات المسلحة ولكن الا يعتبر ذكره للقوات المسلحة بديلاً عن ذلك؟! ** الدستور ذكر القوات المسلحة في المادة 180 باعتبارها هيئة أو مؤسسة مملوكة للشعب وبديهي أن المؤسسة العسكرية التي هي القوات المسلحة ككل شيء والمجلس الأعلي للقوات المسلحة شيء آخر وفي كل الحالات لم يشر الدستور من قريب أو بعيد أن من مهام هذه القوات المسلحة ادارة البلاد وتلك هي المخالفة التي تعمد الرئيس المخلوع ارتكابها كي يضعنا في "حيص بيص". * أليس هناك أي نص في أي قانون مكمل علي شيء من ذلك فيما يتعلق بالقوات المسلحة أو المجلس العسكري؟! ** لقد بحثت في هذه المسألة قانونياً فوجدت أن النص القانوني الذي يشير إلي جهة أو هيئة أو مؤسسة باسم المجلس الأعلي للقوات المسلحة هو القانون رقم 4 لعام 1968 وقد أصدره الرئيس الراحل جمال عبدالناصر وبالمناسبة في 25 يناير 1968 من ذلك العام لمواجهة الازمة التي نشبت داخل القوات المسلحة علي اثر هزيمة 1967 وما قيل عن محاكمة عبدالحكيم عامر ثم انتحاره في سبتمبر 5 يونيو 1967 للم شمل القوات المسلحة والسيطرة عليها واعدادها للحرب من جديد وأوكل إلي هذا المجلس مهمة ادارة شئون الازمات المتعلقة بالقوات المسلحة علي أن يلجأ اليه عند الازمات ومن ثم فليس لديه صلاحية ادارة البلاد ولا المؤهلات اللازمة لذلك. * أليس النص علي أن القوات المسلحة ملك للشعب في المادة 180 من الدستور ان الشعب اذا اراد ذلك كان؟! ** نعم ربما يكون ذلك صحيحا باعتبار ان الشعب حر في صرف ارادته لما يريد في ملكه أو ما يملك ولكن ذلك معناه ببساطة ان الشعب أسقط الدستور الذي ينص علي غير ذلك وفي هذه الحالة يعتبر تولي المجلس الأعلي للقوات المسلحة لادارة شئون البلاد مسألة تستمد شرعيتها من الأمر الواقع أو ما يعرف بالشرعية الثورية باعتبار انه ما من ثورة الا واسقطت الدستور الذي هو أولي مقومات النظام الذي خرجت الثورة لاسقاطه. أو من الأمرين معا. * اذا فليس هناك أزمة دستورية طالما ان المجلس الأعلي له شرعية ما سواء كانت شرعية الأمر الواقع أو الشرعية الثورية فما هي المشكلة؟! ** المشكلة أن المجلس الموقر نفسه لم يعتمد أيا من هاتين الشرعيتين وان كان يمارس مهامه فعليا بوصفه مديرا لشئون البلاد فقد جاء في بيانه الأول الذي أصدره يوم السبت 12/2/2011 واسماه بالاعلان الدستوري انه- أي المجلس- يعطل الدستور ومعني ذلك انه لم يعترف بسقوط هذا الدستور الذي يجعل وجوده ذاته في سدة الحكم- كما هو الأمر في الواقع- غير شرعي باعتبار أن التعطيل كما هو الأمر بالنسبة لسيارة مثلا- أمر مؤقت يزول بزوال سبب العطل. ليبدأ العمل به من جديد كالسيارة بعد الاصلاح. وعليه فالمجلس نفسه لم يعتمد ما يسمي بالشرعية الثورية وخاصة انه أكد علي هذا المعني بتشكيله لجنة لتعديل الدستور ثم أجري الاستفتاء علي هذه التعديلات. ثم عاد فاصدر إعلاناً دستوريا آخر في 30 مارس ضمنه المواد المعدلة وزاد عليها بضع وخمسين مادة أخري ولم يجر عليها استفتاء وفي كل ذلك مخالفات كثيرة تقدح في هذه الشرعية سواء كانت دستورية أو ثورية وتبقي فقط شرعية الأمر الواقع وهي محل خلاف. * ألا يعتبر تصويت الأغلبية علي المواد المعدلة ب "نعم" مكسبا للشرعية كما يقول بعض فقهاء الدستور والقانون؟! ** تصويت الأغلبية بنعم أعاد للدستور القديم 71 شرعيته ومن ثم فلابد من الالتزام به وليس فيه ذكر للمجلس الأعلي للقوات المسلحة ومن ثم فوجوده غير شرعي. اقصد في سدة الحكم فاما أن يسقط الدستور فيكون مستمداً شرعيته من الأمر الواقع كسلطة أمر واقع واما ان يعمل الدستور ويتعين علي المجلس أن يسلم الحكم لرئيس مجلس الشعب أو رئيس المحكمة الدستورية العليا بنص الدستور الذي أعاد اليه الحياة بالمخالفة لما جري عليه الأمر بالنسبة لكل ثورات العالم. * أليس من الممكن اعتبار المواد المعدلة وحدها التي وافق عليها الشعب أغلبية دستورا أو مباديء دستورية تشكل اطارا للحكم والشرعية واعتبار الدستور ساقطا بالفعل الثوري؟! ** المواد التي تم تعديلها والموافقة عليها من قبل الاغلبية قليلة جدا ومحدودة المجال ولا تصلح أن تكون دستورا أو مباديء دستور. * المجلس أدرك ذلك ولذلك أصدر إعلانا دستوريا آخر في 30 مارس زادت مواده عن 60 مادة وضمن فيه تلك المواد التي وافقت عليها الأغلبية. أليس كذلك؟! ** المجلس أصدر فعلا اعلانا دستوريا ثانيا في 30 مارس ولكنه ارتكب خطأين يقدحان شرعية ذلك. أولهما انه لم يجر استفتاء علي المواد المضافة ثم انه حذف فقرتين من المادة 179 يتعلقان بمن له سلطة طلب تعديل الدستور وهذه هي الثانية. والسؤال هنا هو أي شرعية لمواد لم يوافق عليها الشعب وكيف تحذف نصوص وافق عليها الشعب؟! ان حذف بعض الفقرات من المواد التي تم الاستفتاء عليها يعتبر تزويراً بكل ما في الكلمة من معني. * هل يمكن تجاوز ذلك كله باعتبار ما يحدث أمرا طارئا ومؤقتا واستثنائيا وخاصة ان انتخابات مجلسي الشعب والشوري علي الأبواب وبالتالي سيتم تشكيل لجنة برلمانية لوضع الدستور الجديد وينتهي الأمر؟! ** المشكلة أن التعديلات التي تضمنها باستثناء ما أشرنا اليه بخصوص المادة 179 في التعديلات- والمادة 60 من الاعلان الدستوري الأخير. اعطت البرلمان حق تشكيل لجنة لوضع الدستور الجديد وقد يأتي اعضاؤها أو اغلبهم من اعضاء البرلمان ذاته. * وما المشكلة في ذلك طالما ان هذا البرلمان بمجلسيه منتخب انتخاب حر ومباشر ونزيه من الشعب؟! ** المشكلة هي ان الدستور وثيقة فوق برلمانية وفوق تنفيذية وفوق قضائية ومن ثم يجب ألا تصنعه أي من هذه السلطات الثلاث اعمالا لمبدأ الفصل بين السلطات إذ لا يتصور دستوريا أن تقوم احدي السلطات الثلاث بوضع دستور تعمل به وبقية السلطات لأن في ذلك خلل اساسي يقدح بل يضرب اسس الفقه الدستوري في الصميم. * الحل؟! ** الحل الطبيعي ان يضع الدستور هيئة تأسيسية منتخبة من الشعب مباشرة تنتهي مهمتها بانتهاء وضع الدستور حتي يكون الدستور صادراً من سلطة أعلي من السلطات الثلاثة وهي سلطة الشعب ذاته. * أعتقد أن الاحداث تجاوزت هذا الطرح فلماذا يصر عليه البعض ولماذا نفترض ان اللجنة المشكلة بمعرفة البرلمان المنتخب ستنتصر أو ستتحيز للبرلمان كأحد السلطات الثلاث علي حساب السلطتين الآخريين؟ ** نصر علي ذلك لان هذا هو الصحيح وهذا هو الطريق الطبيعي لوضع دستور جديد في العالم كله. ثم اني لا أتصور ان يختار البرلمان حتي ولو كان منتخبا انتخابا حرا مباشرا نزيها. لجنة تعمل في اطاره ثم لا يكون انتصارها لمن جاء بها مستبعدا. ولماذا اراهن وأترك المضمون ونحن نؤسس لنظام جديد المفروض انه سيحكم مصر لعدد لا نعمله من الأعوام أو العقود وبالاخص اذا كانت الفرصة كاملة وفي ايدينا اللهم الا اذا كان هناك شيء في نفس يعقوب..!! * ألا تعتقد معي ان العالم كله بات متفقا علي ان هناك مباديء فوق دستورية يصعب أن يتجاهلها او يتنكر لها أي واضع لدستور ما في أي دولة من الدول؟! ** هناك فعلا مباديء يطلق عليها فقهاء الدستور تعبير فوق دستورية ولكن من يضمن لي التزام هذه اللجنة بهذه المباديء ثم ان بعض القوي السياسية الأساسية في مصر قد أعلنت معارضتها رسميا لحكاية صدور وثيقة رسمية بهذه المباديء الا يشير ذلك إلي نيتهم في عدم الالتزام بمثل هذه المباديء. السؤال هو لماذا المراهنة بينما الطريق واضح وممكن. * ماذا تتوقع؟! ** أتوقع أن لجنة يشكلها البرلمان ستختار مثلا النظام البرلماني في الوقت الذي ربما يكون النظام الرئاسي أو المختلط أو نظام الجمعية الرئاسية أصلح لمصر. انتصاراً للبرلمان الذي جاء بها ويشرف علي عملها. * أعرف الأنواع الثلاثة الأولي فماذا تعني بنظام الجمعية الرئاسية؟! ** هو نظام غير مشهور تعمل به بعض الدول وفي مقدمتها سويسرا حيث يختار سبع اشخاص يشكلون مجلسا للرئاسة يتناوبون فيما بينهم رئاسة الجمعية كل فترة محددة. * ربما يجري استفتاء علي مشروع الدستور الجديد فإذا ما وافق عليه الشعب يكون قد وافق علي ما اختارته اللجنة التي وضعت الدستور ايا كان من شكلها فتنتهي المشكلة. ** نظام الاستفتاء قد يعطي المستفتي عليه شرعية قانونية ولكن لا يعطيه شرعية حقيقية. * لماذا؟ ** لانهم لن يستفتون الشعب علي مادة واحدة ثم الأخري وهكذا ولكنهم يستفتونه علي المشروع كله بنظام الصفقة المتكاملة. اما ان تقبله كله أو ترفضه كله باعتبار ان الاستفتاء علي مادة مادة أمر صعب جداً وان كان ليس مستحيلا. وعليه فقد تجد نفسك كناخب مضطرا لقبول مادة أو مواد لا توافق عليها حتي لا ترفض المشرع كله. وهذا بالتحديد ما تعالجه الجمعية التأسيسية للدستور المفوضة من الشعب تفوضياً مباشراً. * الا يمكن اعتبار مجلس الشعب المنتخب بمثابة جمعية تأسيسية للدستور؟ ** معايير انتخاب جمعية تأسيسية للدستور تختلف جزما عن المعايير الخاصة بانتخاب مجلس الشعب اذ لا يعقل مثلا ان يلتزم فيها بنسبة ال 50% عمال وفلاحين ولكنها قد تشمل ممثلين أو خبراء ينوبون عنهم. * طالما كان الأمر بهذه الخطورة فلماذا لم يرفع فقهاء الدستور وخبراء القانون أمثالكم صوتهم لتوضيح ذلك ولكن اصواتا أخري كانت أعلي وأكثر تأثيرا وانا شخصيا لم اكتف بذلك بل حركت دعوي قانونية لوقف الاستفتاء ولكن المحكمة الادارية حجبت نفسها بمقولة ان هذا يدخل في اعمال السيادة وانا هنا لا اريد التعرض لهذه المسألة لأن لي رأيا في مقولة السيادة هذه ولكن ذلك أمر يطول شرحه وقد ذكرت ما ذكرت فقط للاشارة إلي أن فقهاء الدستور وخبراء القانون- في الغالب الأعم- لم يسكتوا ابدا عما حدث وعما يجري ترتيبا عليه. * ولكن اليس هناك من فقهاء الدستور وخبراء القانون من لهم رأي آخر بل منه من شارك في تأسيس ما يجري؟ اذا فالمسألة خلافية وليست بهذا القطع الذي يوحي به كلامك. ** لقد سألت أحد هؤلاء من المشاركين في لجنة التعديلات. هل تدرك النتائج المترتبة علي موافقة الشعب علي هذه التعديلات؟ فسألني ما هي؟ قلت اذا جاءت النتيجة بالموافقة فمعني هذا إعادة الحياة للدستور 71 وعليه يجب ان يسلم المجلس الأعلي للقوات المسلحة السلطة في اليوم التالي لرئيس مجلس الشعب أو رئيس المحكمة الدستورية. فبهت ويبدو انه سارع بنقل ذلك للمجلس فيما بعد فصدر الاعلان الدستوي الثاني الذي علقنا عليه انفا بالمخالفة للدستور الذي اعادوه اليه الحياة بعد سقوطه بسقوط النظام ليقول من يريد أن يقول ان دستور 71 سقط وان هذا الاعلان بمثابة دستور مؤقت لحين وضع الدستور الجديد. * هذا جانب من الصورة فماذا عن الجوانب الأخري؟ ** من الجوانب الأخري أن الثورة تواجه مشكلات وتحديات كثيرة في مقدمتها أنه ليس لهذه الثورة قيام موحدة أو عقل جمعي وقد كانت هذه النقطة دائماً تعد نقطة قوة في بداية الثورة حيث فوتت الفرصة علي النظام البوليسي السابق للقضاء علي قيام الثورة وجنبتنا وجود قيادة منفردة قد توجه الثورة إلي حيث تشاء وتصنع ديكتاتورا جديدا ولكنها الآن تمثل أكبر مشاكل الثورة بعد نجاحها حيث يزعم الجميع انهم اباء هذه الثورة بينما اذا فشلت لا قدر الله فلن تجد لها أبا واحدا وستبدو لقيطة فالنجاح له ألف أب والفشل لقيط لا أب له. * وماذا أيضا؟ ** خذ مثلا مسألة المحاكمات وموقف المجلس العسكري منها فالعقوبات بالقوانين المصرية اما جنائية واما تأديبية ولكن ليس لدينا عقوبات خاصة للافساد السياسي الا قليل وعليه فنحن ننادي منذ البداية باعمال الشرعية الثورية ولو متمثلة في قانون يعرف بقانون الغدر صدر في 28/2 عام 52 وتم تعديل نص فيه عام 53 ولا يزال ساريا ولكن معطلا لانه لم يصدر في الدستور 71 نص يلغيه ولم يصدر قانون بذلك كما لم يصدر حكم بعدم الدستورية وفيه بعض ما نريد حلا لمشكلة هؤلاء الطغاة المفسدين أو علي الاصح مشكلتنا معهم. ** يكفي أن يحرم عليهم شغل وظائف عامة ولو لمدة؟ * ما هي قصة هذا القانون؟ ** لقد واجهت ثورة 52 موقفا مشابها لما نحن فيه اليوم. متهمون بالافساد السياسي ولكن لا نصوص قانونية يمكن تطبيقها عليهم فاصدرت سلطة الثورة هذا القانون التي ابتدعت فكرته فرنسا بعد الحرب العالمية الثانية لمحاكمة "فيشي" وأعوانه المتحالفين مع المحتل وذلك بعد انتصار قوات الثورة التي كانت تسمي قوات ثورة فرنسا الحرة بقيادة ديجول. * وهل يمكن تقنين ما يعرف بالشرعية الثورية لدرجة صياغتها في قوانين؟ ** نعم وأرجو من يريد التعرف علي ذلك إعادة قراءة مقالات الدكتور السيد صبري التسعة التي نشرها في الفترة من 31/7/52 حتي 23/12/53 وكذلك مقالة الدكتور توفيق الشاوي حول الاسس التي تحكم قانون الغدر كالواقيعة والوقائية وربما مقالات د. وحيد رأفت المحافظ التي حاولت فيها السير في الاتجاه الآخر ولكن حججه لم تصمد امام ما كتبه العظيمان السابق ذكرهما واعتقد أن في ذلك أجوبة كثيرة وقاطعة لمعظم الاسئلة المطروحة الآن عن محاكمة المتهمين بالافساد السياسي. * ولماذا لا يطبق مثل هذا القانون الآن؟ ** بالنسبة لمبارك اعتقد ان المجلس العسكري يسوف حتي يتدخل عزرائيل وأراهن من الآن ان المحكمة ستؤجل المحكمة في 3/8 القادم "إلي أجل آخر وهكذا حتي يقضي الله أمراً كان مفعولا. أما بالنسبة للآخرين فالأمر مختلف نسبيا ولكن مشابه علي أي حال. * ماذا عن إخلاء سبيل أو الافراج عن أو عدم ضبط واحضار بعض المتهمين في قضايا كثيرة منها قضايا قتل الثوار كما حدث في الآونة الأخيرة؟ ** هذا ما يجب ان يسأل عنه النائب العام فأنا لم آر في حياتي القانونية 38 سنة سابقة واحدة لاخلاء سبيل متهم بالقتل بينما الدعوي متداولة ولم يفصل فيها واتحدي ان يأتيني أحد العباقرة بسابقة كهذه. بالاضافة إلي مظاهر أخري كثيرة كتأجيل الضبط والاحضار وهو ما أتاح لكثير من المتهمين اتلاف واخفاء وحرق وفرم الادلة ثم حكاية اخلاء السبيل هذه كما حدث مع زوجة الرئيس المخلوع. وخذ مثالا آخر.. ففي 4 فبراير 2011 نشرت صحيفة بريطانية تقريرا ذكرت فيه ان ثروة مبارك وعائلته تتراوح ما بين 40 و70 مليار دولار فتقدمت مع السفير ابراهيم يسري و36 آخرين بدعوي ولكنه لم يتم اتخاذ أي إجراء بصددها الا بعد 11 فبراير أي بعد سقوط الرئيس المخلوع. ماذا تستنتج من هذا؟! * هل يكمن سر ذلك في النائب العام ووكلائه أم ماذا؟ ** المؤكد ان النائب العام ليس ثوريا من الثوار وكذلك الكثيرون من وكلائه وهم يديرون المسائل بشكل اقل ما يقال عنه أنه غير مفهوم وغير مبرر. ولعلنا نفهم أو نعرف السبب فيما بعد رغم ان بعضه معروف ولذلك يطالب البعض بإقالة النائب العام الذي عينه النظام السابق.