أرجوك.. انظر في وجوه الشبان الأربعة المتهمين بحرق ملهي العجوزة وقتل 17 شخصاً من بينهم 5 سيدات.. انظر إلي وجوههم جيداً.. إنهم فعلاً مجرمون فوق العادة.. لكنهم أيضاً ضحايا.. ضحايا مجتمع غارق في دوامة العنف والجهل والفوضي.. لغة التعامل فيه لغة زاعقة صارخة عنيفة حادة.. ووسيلة التعامل فيه هي الذراع والسلاح.. ومنظومة القيم فيه انقلبت رأساً علي عقب.. فالمواطن النموذج السوبر.. ابن الناس الجدع الشهم.. هو من يأخذ حقه بيده.. ولا يحترم القانون غير الضعيف الذي ليس له ظهر وسند. بالطبع.. أنا لا أدافع عن هؤلاء الشبان المجرمين.. ولا ألتمس لهم العذر.. بل لعل العكس هو الصحيح.. أتمني أن ينالوا محاكمة عادلة سريعة ليكون القصاص ناجزاً.. ويكونوا عبرة لغيرهم من المستهترين.. لكنني في الوقت ذاته أدق ناقوس الخطر.. بأن المجتمع المصري معتدل.. وشبابه في الغالب الأعم يعاني من فراغ وضياع.. مما يمكن معه أن يتحول بسهولة إلي جناة ومجرمين وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً.. والسبب في ذلك هو انهيار القيم والأخلاق العامة والتربية والتعليم. أحاول هنا أن أسلط الضوء علي الظروف الاجتماعية والثقافية التي دفعت هؤلاء الشباب إلي الحرق والقتل لمجرد الرغبة في استرداد كرامة اثنين منهما طردا من الملهي.. أما الآخران فقد شاركا في الجريمة بدافع الرجولة والمجدعة وتقديم "خدمة" إلي زميليهما المجروحين في كرامتهما و"التعليم" علي صاحب الملهي.. بل إن السيدة التي آوتهم في السويس قالت إنها لا تعرف أن هذا الإيواء يشكل جريمة.. وأنها فعلت ما فعلت بدافع الشهامة لا أكثر. وإذا لاحظت أن هؤلاء المجرمين تتراوح أعمارهم بين 18 و19 و20 عاماً.. وأن المتهم الرئيسي "حماصة" 18 عاماً يمكن أن يحاكم طبقاً لقانون الطفل الذي رفع سن الطفولة إلي 18 عاماً.. فإنك لابد أن تحزن علي شباب هذا الوطن وكيف يستهلك طاقته فيما يأخذه إلي مواطن الهلاك.. هؤلاء الشبان وأمثالهم ما كان يجب أن يكون مكانهم في علب الليل.. وأن يحمل أحدهم "فرد خرطوش".. ويشغل تفكيرهم الانتقام من صاحب ملهي مثلما تفعل العصابات المنظمة.. وإنما مكانهم الطبيعي في المدارس والكليات ومراكز التأهيل والتدريب المهني والمصانع.. إنهم في سنوات البناء العقلي لاكتساب المهارات ليكونوا منتجين ومواطنين صالحين.. يعملون ويتزوجون ويكونون أسراً جيدة للمستقبل.. لكنهم استسلموا للفراغ والضياع.. وفرطت فيهم أسرهم.. وفرط فيهم المجتمع اللاهي حتي أدركهم الهلاك. لقد فتحت هذه الجريمة البشعة ملف فساد المحليات.. والرشاوي التي تدفع للتغاضي عن إقامة المواخير وعلب الليل تحت العمارات السكنية.. وفتحت ملفات الملاهي الليلية وما يحدث فيها من مساخر وممارسات عفنة لرجال ونساء لا يجدون أنفسهم إلا في هذه القاذورات وسط كؤوس الخمور والبودي جاردات.. لكنها يجب أن تفتح أيضاً ملف الشباب الضائع.. الذي يعاني من فراغ ثقافي وديني وتفكك اجتماعي وانهيار قيمي وأخلاقي.. بينما يحاصره الفن الهابط من كل جانب. هذا الشباب ضحية أفلام العنف والدماء.. والأغاني التي تخدش الحياء العام الخالية من الموهبة.. هذه الأفلام وتلك الأغاني والقدوة السيئة خلقت لدينا بيئة سلبية.. متوترة.. عنيفة.. وأعطتنا صفراً كبيراً في تربية أبنائنا علي نحو جيد يستطيعون به بناء مستقبل أفضل لهم ولأولادهم.. ولمصر كلها. بالتأكيد.. هؤلاء الشبان الأربعة لا يدركون حجم الكارثة التي صنعوها لأنفسهم ولبلدهم.. فقد تسببت جريمتهم البشعة في تأجيل إقامة بطولة العالم للاسكواش التي كان مقرراً إقامتها في الفترة من 11 إلي 19 ديسمبر الحالي في مصر.. وذلك بعد أن أعلنت 5 دول عن انسحابها من البطولة بعد ساعات قلائل من وقوع جريمة الملهي هي المكسيك واستراليا ونيوزيلندا وكولومبيا وجنوب أفريقيا.. وقبل هذا الحادث كانت 6 دول قد اعتذرت عن المشاركة في البطولة هي انجلترا وأمريكا وألمانيا وفنلندا وفرنسا وكندا.. وهو ما أدي إلي تشويه صورة مصر وسمعة مصر دولياً.. ليس فقط بسبب الإرهاب الأسود وإنما أيضاً بسبب جريمة جنائية وسط العاصمة.. وبالتالي صارت البطولة مهددة بالإلغاء.. ومهددة بأن يتم سحب تنظيمها من مصر. أي بلاء قادنا إليه طيش الشباب.. وتفريطنا في مسئوليتنا تجاههم.. إنهم مجرمون نعم.. لكنهم أيضاً ضحايا.