اللقاء التاريخي الذي عقده فضيلة الإمام الأكبر د.أحمد الطيب شيخ الأزهر. بشباب الجامعات. كان مفعمًا بروح أبوية حانية. وثريًا برسائل مهمة تنطلق من تراثنا الأصيل. لتجسد الواقع المعاصر. وتؤكد الثوابت الشرعية والمنطلقات العلمية التي يرتكز عليها المنهج الأزهري. منذ ما يربو علي الألف عام. ثمَّن علماء الإسلام وأساتذة الجامعات. هذا اللقاء الفكري الثري.. مؤكدين أن حديث شيخ الأزهر يعد بمثابة "دستور حياة" لشباب الأمة.. وأعلنوا رفضهم الشديد لاجتزاء "الردود العلمية" للإمام الأكبر حول "داعش".. وقالوا: الأحكام الشرعية ليست بالعواطف. بل تستند إلي منطلقات علمية وضوابط شرعية.. مشيرين إلي أن الأخلاق أساس للدين والعبادة. وأنه لا يمكن الفصل بين التراث والحداثة. أو الجمود دون مراعاة العصر الذي نعيش فيه.. وأضافوا: لا نستطيع أبدًا حفظ مقاصد الشريعة. دون الحفاظ علي الوطن. إذ كيف يمكن حفظ الدين في بلد مستباح. لا أمن فيه. ولا استقرار. وأكدوا أنه قد حان الوقت لحوارات جادة بين الأزهريين وطلاب الجامعات. تنفيذًا للمبادرة المثمرة التي طرحها د.الطيب. معلنًا أن الأزهر يفتح أبوابه لشباب الجامعات. وينتظر إسهاماتهم الفكرية. ومقترحاتهم المستنيرة. بما يسهم في ترسيخ الإخوة الإنسانية. والزمالة العؤالمية. قال د.عباس شومان وكيل الأزهر إن هذا اللقاء يؤكد توجهات الإمام الأكبر في التواصل مع الشباب وغيرهم من فئات المجتمع لترسيخ الفهم الحقيقي للإسلام وتحصينهم من الفكر المتطرف الذي يعتمد علي تفسيرات مغلوطة.. مؤكدًا أن حديث شيخ الأزهر يعد بمثابة "دستور حياة" لشباب الأمة. أضاف د. شومان أنه يحرص في هذا الصدد. علي عقد لقاءات جماهيرية مع المسئولين والمعلمين والطلاب بالأزهر للتعرف علي المشاكل. والتصدي لحلها بما يسهم في تحقيق رسالة الأزهر نحو نشر صحيح الدين بمنهجه المعتدل. أشار إلي أنه يجب علي أجهزة الإعلام مراعاة الدقة في نقل أقوال علماء الأزهر خاصة فيما يتعلق بالأحكام الشرعية. وأنه ليس في مصلحة أحد ما حدث من اجتزاء للإجابة العلمية التي طرحها الإمام الأكبر حول حكم الشرع في تكفير "الدواعش" ردًا علي سؤال في لقائه بشباب الجامعات.. موضحًا أن هذه المسألة علمية خالصة. ولا ينبغي أن يتصدي لها إلا العلماء العارفون بالشرع وضوابطه. ولا علاقة لها أبدًا بالعواطف. أكد د. شومان. أن شيخ الأزهر أوضح مرارًا. أنه يجب علي ولاة الأمر قتال "الدواعش" ودحرهم وتخليص العالم من شرورهم. فهؤلاء بغاة محاربون لله ورسوله ومفسدون في الأرض. ويزعمون زورًا وبهتانًا أنهم يحكمون بما أنزل الله ويكفِّرون الحكام والشعوب ويسعون في الأرض فسادًا. وحكمهم الشرعي قد حدده الله في قوله تعالي: "إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادًا أن يُقتَّلوا ...". فجزاؤهم حدده القرآن بالقتل في الدنيا. والعذاب العظيم في الآخرة. شدد د.شومان. علي أن إجابة الإمام الأكبر. تعد إجابة شرعية. انطلاقًا من العقيدة الصحيحة التي لا تُكفِّر أحدًا من المسلمين بذنب حتي لو كان من الكبائر. حيث أوضح الإمام الأكبر أنه لا ينبغي أن نقع فيما وقعت فيه "داعش" الإرهابية وأخواتها من تكفير المجتمع حكامًا ومحكومين حتي إذا ارتكبوا الذنوب والكبائر. كما أوضح أن الإيمان يقوم علي أركان هي: "الإيمان بالله. وملائكته. وكتبه. ورسله. واليوم الآخر. والقدر خيره وشره". وأن الإيمان لا يرتفع عن صاحبه إلا بإنكاره ركنًا من هذه الأركان. فإذا لم يُنكر المؤمن واحدًا منها. فهو لا يزال في دائرة الإيمان. حتي لو ارتكب الكبائر. ولا يُخرجه من هذه الدائرة إلا جحد ما أدخله فيها. أضاف د.شومان: أننا نعجب من هؤلاء الذين يطالبون بتكفير "الدواعش". ونتساءل: ماذا سيفيد تكفيرهم؟!.. موضحًا أن الأهم من تكفيرهم هو تطبيق حكم الله فيهم وقتلهم والقضاء عليهم وتخليص العالم من شرورهم. بكل الوسائل الممكنة. قال د. شومان إن الإمام الأكبر طرح مبادرة مثمرة في توقيت مهم بدعوته للشباب بأن يقدموا للأزهر إسهاماتهم الفكرية واقتراحاتهم المستنيرة من أجل دعم رسالته في نشر ثقافة السلام الاجتماعي علي المستوي الوطني والإقليمي والدولي. وتأكيد الإخوة الإنسانية. والزمالة العالمية. وترسيخ المفاهيم الصحيحة للدين والشريعة في عقول الناشئة لحمايتهم من استقطاب الفكر المنحرف. وعندما أعرب الإمام الأكبر عن أمنيته في أن يدخل شباب الجامعات في حوارات مع علماء الأزهر وشبابه. أكد د.محمد مهنا. عضو المكتب الفني لشيخ الأزهر. المشرف العام علي "الرواق الأزهري". أن هذا اللقاء. يندرج في إطار الاستراتيجية التي قررها الإمام الأكبر. منذ توليه المسئولية. بالتواصل مع كل قطاعات المجتمع بالداخل والخارج. علي مستويات متعددة: العلمي والفكري والثقافي والتدريبي والاجتماعي والخلقي والتراثي.. من خلال الفعاليات والمؤتمرات والندوات. والمجلات الفكرية والثقافية والدعوية. لهيئة كبار العلماء. ومجمع البحوث الإسلامية. والمعاهد والكليات الأزهرية. و"الرواق الأزهري" بكل أنشطته المتنوعة في الجامع الأزهر.. موضحًا أن الإمام الأكبر طلب توسيع أنشطة "الرواق الأزهري" في كل أنحاء الوطن. بما يسهم في استعادة تراث. وتاريخ. ومنهج الجامع الأزهر الذي جعل منه قبلة علمية. ووطنية وثقافية وفكرية. أشار إلي أن هذا اللقاء يأتي أيضًا تجسيدًا لقناعة الإمام الأكبر. بحتمية الاهتمام بالشباب -الذين بدونهم لن تنصلح أي أمة- خاصة في ظل هذا التوقيت الذي يشهد الجمع بين المتناقضات من إلحاد وتكفير. وتحلل وعنف.. مؤكدًا أن شيخ الأزهر حرص علي ترسيخ التعاون بين الطبقات الاجتماعية. بأن دعا القادرين لتوجيه استثماراتهم للشباب بما يسهم في تحويلهم إلي طاقة خلاقة وبناءة في الأمة. أوضح أن د.الطيب شدد علي قيمة الوطن. بما يرسخ استراتيجية الأزهر في الفهم الحقيقي للمواطنة. وأن الحفاظ علي الوطن جزء مهم من المقومات الأساسية للدين. وأنه لا يمكن أبدًا الحفاظ علي مقاصد الشريعة الأساسية "الكليات الخمس": حفظ الدين. والنفس. والعقل. والعرض. والمال. إلا بالحفاظ علي الوطن.. إذ كيف يُمكنك أن تحافظ علي دينك أو دمك أو عرضك أو عقلك في وطن مستباح لا أمن فيه ولا استقرار؟! أكد د.مهنا. أن د.الطيب ركز علي استراتيجية الأزهر في فهم أهمية الأخلاق كأساس للدين والعبادة. وضرب نموذجًا مهمًا له دلالة خطيرة. حيث ذكر حديث النبي.: "إن فلانة تصوم النهار وتقوم الليل وتؤذي جيرانها بلسانها. قال: لا خير فيها. هي في النار. قيل: إن فلانة تصلي المكتوبة وتتصدق بالأسوار من الطعام - أي بالقطع منه- وليس لها شيء غيره ولا تؤذي أحدًا قال: هي في الجنة". أشار د.مهنا إلي أن حديث شيخ الأزهر. يعد معالجة علمية للواقع المرير الذي نراه في بعض الجماعات التي توزع مراسم التكفير والتبديع والتفسيق والزندقة علي ربوع الأمة. تُدخل من تشاء الجنة. أو النار وتستحل دماء الناس.. موضحًا أن الإمام الأكبر قد طالب الشباب بألا يُذهلوا عن ميراثهم الحضاري. وأن ينتبهوا إلي أن عمر الأمة الحضاري من تاريخ وعلوم وتراث وأصول وتقدم وفكر وحضارة لا يمكن إغفاله.. محذرًا من أن البتر المتعمد بين التراث والمعاصرة كان سببًا في خلق أجيال حديثة تنتمي إلي تغيرات الزمان وتبدلات المكان. وفي ذلك توجيه للأمة. بأنه لا يمكن أن ينفصل الحاضر والحداثة عن الماضي والتراث. بنفس القدر الذي لا يمكن فيه الجمود علي التراث دون مراعاة حكم العصر الذي نعيش فيه.. فالإسلام والتجديد وجهان لحقيقة واحدة. وأن حفظ نصوص القرآن في السطور والصدور مكَّن لروح الحضارة الإسلامية أن تظل صامدة في معارك التطور. وحول رد الإمام الأكبر. علي سؤال عن تكفير "داعش". قال د.مهنا: لا يمكن أبدًا أن يستند الحكم الشرعي. إلي العاطفة أو الهوي وإنما يستند إلي المنطلقات العلمية والضوابط الشرعية. وهذا هو سر بقاء المنهج الأزهري علي مر العصور رغم تقلبات الزمان.. وأضاف أن الإمام الأكبر شدد علي أن "الدواعش" مفسدون في الأرض. لكنه في الوقت ذاته شدد أيضًا علي أنه لا يمكن تكفير أي إنسان بعمل مهما بلغت بشاعته ما دام لم يخرج من الإسلام بما دخل به لأن القاعدة العلمية تقول: "لايخرج الإنسان من دينه إلا بجحد ما دخل به".. وإلا وقعنا في المصيبة التي وقع فيها هؤلاء التكفيريون. الذين كفَّروا الناس. فاستحلوا دماءهم وأعراضهم وأموالهم. لكن المهم أن هذا لا يعني عدم توقيع الجزاء عليهم بل يجب توقيع أشد العقاب. فهم يستحقون حد الحرابة. قال د.عبدالفتاح العواري. عميد كلية أصول الدين بالقاهرة. إن جامعة القاهرة كانت في أمس الحاجة لزيارة الإمام الأكبر. من أجل إعادة جسور العلاقة العلمية بينها وبين الأزهر. تلك العلاقة الوطيدة الضاربة جذورها في أعماق التاريخ بشتي مجالات المعرفة.. وأضاف أن الإمام الأكبر كان يعتبر لقاءه بشباب الجامعات واجبًا شرعيًا. وقد جاءت كلمته معبرة عن هموم وطموحات الشباب في مصر حيث وضعت الأطر العامة ورسمت لهم "خارطة مستقبل" باهر ينتظرهم ولامست آلامهم. وبينت ما يحب القيام به من الدولة والمسئولين. بأن يشاركوا الشباب في همومهم. بخطط عملية. بعيدًا عن أي شعارات. وكذلك المواطنون القادرون. بأن يستثمروا أموالهم في بناء شقق بأجرة قليلة للشباب بما يعينهم علي الاستقرار النفسي. وحثت الشباب أيضًا علي بذل المزيد من الجهد والسعي للعمل. دون انتظار للوظيفة الحكومية. أكدت د.إيمان علي ثروت. عميدة كلية الحاسبات والمعلومات بجامعة القاهرة. أن لقاء شيخ الأزهر بشباب الجامعات كان ثريًا بالعديد من القضايا الفكرية والثقافية والاجتماعية المعاصرة.. وقد دار حوار مفتوح ومفعم بالأبوة الحانية بين الإمام الأكبر والشباب وجاءت الردود علي الأسئلة بإجابات علمية مبسطة وقاطعة لا تحتمل التأويل. وقد أبدي الطلاب قناعتهم بها. أبدت إعجابها الشديد بإجابة شيخ الأزهر عن السؤال المتعلق ب "الدواعش". حيث أكد أنهم مفسدون في الأرض يستحقون حد الحرابة ولكنه في الوقت ذاته. قال إنه لا يمكن الحكم علي أي شخص يؤمن بالله. بالكفر.. وقالت: مع هذا فوجئت ببعض الإعلاميين يتعمدون تحريف هذا الكلام الواضح..!! أضافت أنها تتمني تكرار هذه الزيارة وانفتاح شباب الجامعات علي الأزهر بعلمائه وشيوخه.. مثمنة الرسائل المهمة التي تضمنتها كلمة الإمام الأكبر والمبادرة الجادة التي أكد فيها أن الأزهر يفتح أبوابه لشباب الجامعات ويتلقي إسهاماتهم الفكرية المستنيرة.