وزيرة خارجية السويد مارجوت ودلسنزوم تواجه حالياً هجمة عنصرية إسرائيلية أوروبية ومطالبة بإسقاطها بسبب تصريحاتها التي قالت فيها إن الاحتلال والاضطهاد الإسرائيلي للفلسطينيين هو سبب التطرف. وكل ما يجري في المنطقة.. قامت الدنيا ولم تقعد بسبب موضوعية الوزيرة.. وسوف تظل قائمة بفضل الميديا الصهيونية السائدة. أنقل هذا الخبر في مقدمة المقال لأنه يتسق تماماً مع ما أنوي الكتابة عنه.. فيلم ألماني بعنوان "متاهة الأكاذيب" شاهدناه منذ أيام ضمن العروض الخاصة في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي في دورته السابعة والثلاثين. والفيلم من إنتاج 2014. وهو أحد الأفلام المرشحة لأوسكار أفضل فيلم أجنبي وموضوعه لو بدأنا بالعنوان يتناول متاهة الأكاذيب التي لجأ إليها كثيرون في الحكومة الألمانية بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية بنحو عشرين عاماً لكي يتنكروا لكونهم كانوا أعضاء في الحزب النازي. وبالتالي فهم لم يشاركوا بشكل أو آخر في جريمة تعذيب اليهود وكان منهم من يعملون في معسكر "أوشفيتز" "auscwitz" الذي كان أحد مسارح العملية التي راح فيها آلاف اليهود من جراء التعذيب والإبادة المتعمدة حسب الرواية الرائجة. كثير من المؤسسات والإدارات الحكومية في محاولة لطمس الجرائم النازية إبان الحرب العالمية الثانية وتحديداً ما جري في معسكر الإبادة "auscwitz". وقصة الفيلم تكشف المؤامرة التي شارك فيها تبدأ الأحداث عام 1958 بعد أن انتهت الحرب بثلاثة عشر عاماً حيث شهدت جمهورية ألمانيا الفيدرالية انتعاشة اقتصادية واضحة انعكست ملامحها في المباني الجديدة والأضواء الساطعة واختفاء آثار الحرب شكلياً وموضوعياً.. وبقي السؤال وهو ليس من عندي: أين ذهب أعضاء الحزب النازي؟ ومن منهم في ظل هذا الرواج الاقتصادي مازال يتذكر معسكرات الموت التي جرت لليهود وكانوا يشاركون فيها فعلياً وضمنياً؟ الفيلم يتناول هذه الفترة والتذكير بها وطرح الأسئلة حولها ففي هذا المناخ الربيعي بعد زوال كابوس الحرب يهبط الصحفي "توماس جيكا" ليكتشف وجود أحد الضالعين في جريمة ما جري في المعسكر ثم أصبح يعمل بالتدريس في إحدي المدارس وكان أحد مدراء معسكر الاعتقال "أوشفيتز" ويلتقط وكيل النيابة ورجل القانون الشاب "جوهان رادمان" الخيط ويصمم علي عمل تحقيق حول هذه الجريمة بدعوي أن جريمة أخلاقية بهذا الحجم لا يمكن الصمت حيالها.. ولابد من الكشف عن هؤلاء الضالعين فيها ومحاكمتهم.. نتذكر محاكمات نورمبرج والضجة التي قامت والمحاكمة التي انعقدت. بطل الفيلم الشاب يصر علي مواصلة الطريق حتي لو تسبب في فتح الملفات القديمة التي تم حشرها فوق الأرفف والتي يبلغ عددها الآلاف. وكيل النيابة الشاب الذي يحظي بمساندة وإعجاب المدعي العام "فرتيز باور" لم يلتفت إلي نصيحة رئيسه ولم يعبأ بأن الطريق الذي بدأه قد يفتح عليه نيران جهنم حيث لا توجد مؤسسة ولا إدارة ولا مدرسة تخلو من أعضاء نازيين شاركوا وكانوا ضالعين في الحزب الذي أتي علي الأخضر واليابس وتسبب في "إبادة" عدد من اليهود. يقول وكيل النيابة الذي يرتدي الطاقية اليهودية ويردد صلوات الخبارة علي بنات الرجل اللاتي لقين حتفهن في المعسكر أثناء الحرب. يقول: إنها قضية أخلاقية وأن البحث عن الحقيقة يستحق المعاناة. ولابد أن يدفع الجميع ثمن ما اقترفت يداهم. إما كمشاركين أو شهود علي ما جري.. وأن ما جري من فظائع وإبادة لابد أن يكون له ثمن.. لا يهم أن الحرب انتهت ولا أن ألمانيا تتخلص من النازية وتعيش مرحلة جديدة.. وبالفعل ينتهي الفيلم مع بداية محاكمات في فراتكفورت. يعد الفيلم دعاية صريحة ودفاعاً مجيداً عن اليهود وبعث للقصة القديمة للجرائم التي اقترفها النازيون ضد اليهود وإثارة قدر من التعاطف الكبير مع من فقدوا ذويهم ومن قدر لهم النجاة. قصة معسكر الإبادة "أوشفيتز" كانت موضوعاً لعدد من الأفلام. ونحن في 2014 مازالت القصة مثارة من خلال السينما في حين تصر إسرائيل علي تحويل فلسطين والأرض المحتلة إلي معسكر للإبادة بحجم دولة وشعب بأكمله ويصاب بالهوس رئيس وزرائها ويعلن الحرب علي وزيرة جارجية السويد عندما أشارت إلي العنصرية الإسرائيلية والجرائم البشعة التي ترتكبها الدولة الصهيونية باعتبارها مصدر كل القلاقل في العالم. فعندما تعلن الوزيرة جزءاً من الحقيقة الدامية يقوم العالم الأوروبي ولا ينام لأن إسرائيل فوق القانون وفوق العدل. وفوق المؤسسات الدولية وفوق كل القوي ويا ويل أي جهة تشير إلي جرائمها أو باعتبارها مصدراً للشرور ومنبعاً للإرهاب وداعمة له وشريكة فيه من خلال أجهزتها الاستخبارتية. في هذا التوقيت وأمام كم التوتر الذي تثيره إسرائيل يطل علينا فيلم بهذا القدر من الإحكام والقصد مذكراً العالم بجريمة "أوشفيتز" التي مر عليها سبعون عاماً في محاولة لايقاظ الذكري وتحريك الضمير إزاء ما جري هذا الفيلم الدعائي الصهيوني الهوي رغم ما قد يثير من مغالطات شارك في مناسبة دولية مصرية ثقافية وفنية كبيرة وأعني مهرجان القاهرة السينمائي الدولي شارك ومن دون إشارة أو ندوة أو لفت نظر يؤكد لنا أن القائمين علي هذا الحدث الكبير ليسوا في غفلة. ولا هم غير مبالين بما يحيط بنا من حقائق يتم تجاهلها وهي المكيال بمكيالين وأن ثمة عنصرية أوروبية صارخة تمارس علينا عبر إسرائيل التي حولت فلسطين إلي "أوشفيتز" كبير وأنها أحد مصادر الإرهاب والتمييز والتدمير والقتل بدعم من القوي الاستعمارية الغربية. السينما اعتادت أن تفرض واقعاً جديداً "ذهنياً".. إلي جانب الواقع المادي. وفيلم من هذا النوع تشارك به ألمانيا في مسابقة الأوسكار يفتقد أدني أحساس بجرائم إسرائيل والذي استدعي السيناريو أحد عناصرها العاملين في المخابرات الإسرائيلية للبحث عن شخصية نازية ألمانية ضالعة في جريمة "أوشفيتز" تركت ألمانيا وتعيش في الأرجنتين وقد سبق للموساد أن قامت بخطف واحد من هؤلاء المسئولين وقامت بمحاكمته في إسرائيل. يحاول السيناريو أن يمزج الحقائق بالخيال الروائي و أن يستدعي مرحلة في تاريخ ألمانيا كانت تحاول أن تنسي مأساة الحرب وأن تنطلق نحو البناء.. ولم تكن جرائم النازية تشكل موضوعاً ملحاً. يتبع المخرج جيليو ريكيياديللي أسلوباً شبه تسجيلياً وبناء طولياً محكماً وأداء تمثيلياً قوياً ويعتبر الفيلم ضمن الأعمال التي وصلت إلي القائمة الأخيرة في تصفيات أكاديمية فنون وعلوم السينما الأمريكية في الدورة ال88 ممثلاً للسينما الألمانية. وقد سبق عرضه في مهرجان تورنتو بكندا. من يجرؤ علي الكلام؟؟ إسرائيل والميديا الغربية تنهش لحم أي منصف يشهد بموضوعية حول ما يجري في الأرض المحتلة وحول جرائم إسرائيل التي لا تقل عن جرائم النازية.. والدليل ما جري للوزيرة السويدية التي تواجه بحرب دعائية وأي أحد يجرؤ علي الكلام لابد أن يواجه المصير نفسه. فيلم متاهة الأكاذيب Labgring Of Lies يضعنا أمام الدور الذي تلعبه السينما في مجال السياسة. وكيف استثمر الصهيانية ماسأة الهولوكست سينمائياً. وحتي مرحلة ما بعد الهولوكست التي يناقشها الفيلم باعتبار أنها قضية حق وحقيقة وعدل تستحق أن تظل مفتوحة. أيضا تلعب المهرجانات دوراً في ميدان السياسة تكون بمثابة مسرح لمناقشة القضايا المهمة من خلال الأفلام. قضايا سياسية وحياتية واجتماعية.