عندما تتحدث مع علي بن خلفان الجابري وكيل وزارة الإعلام بسلطنة عمان تشعر أنك أمام شخصية تتميز بأنها موسوعة ثقافية نظرا لما قدمه في وسائل الإعلام العربية بصفة عامة والعمانية بصفة خاصة من أنشطة إعلامية متميزة.. بالإضافة إلي أنه مهموم بقضايا الأمة ويري أن الإعلام الديني يقع عليه عبء كبير في حل الكثير منها. التقينا علي الجابري علي هامش انتخابات الدورة الثامنة لمجلس الشوري وكان هذا الحوار: * رغم تعدد القنوات الفضائية وغيرها من وسائل الإعلام.. هناك اتهام للإعلام الديني بأنه لم يؤد رسالته علي أكمل وجه ما ردك؟. ** هناك إعلام ديني متخصص بوجود بعض الصحف والمجلات والقنوات المتخصصة.. وبعض الصفحات في الجرائد والمجلات.. لكن الإعلام كله يجب أن يلعب دورا موحدا في التصدي للكثير من الظواهر التي برزت في السنوات الماضية والتي أثرت كثيرا ليس علي المنطقة فقط ولكن أثرت علي الدين الإسلامي الذي صار العالم يتهمه بصفات ليست منه بل ألصقت به ظلما نتيجة بعض الممارسات.. لذلك فأنا أري سواء كانت صحافة مكتوبة أو إذاعات أو تلفيزيون أو ما نسميه بالإعلام الديني يجب أن يلعب دورا أكبر في توضيح صورة الإسلام وأن يكون له دور إيجابي في تغيير هذه النظرة السلبية إلينا وإلي ديننا الحنيف البعيد عن العنف والمغالاة والداعي إلي السلام والمحبة والتآلف.. لابد من بذل الجهود في سبيل تصحيح هذه النظرة الظالمة للإسلام والمسلمين. * إذن ماذا يجب أن تحمل رسالة الإعلام الديني؟ ** رسالة الإعلام الديني يجب أن تركز علي وحدة المسلمين ووحدة الصف وجمع الكلمة.. يجب أن تنبذ مبدأ الخوض في المذاهب الإسلامية وأن تبعد عن هذا الطريق تماما.. هناك عوامل كثيرة تجمعنا.. نحن مسلمون وإن اختلفت المذاهب نلتقي في عبادة الله سبحانه وتعالي ونلتقي في حب رسول الله صلي الله عليه وسلم وفي اتباع سنته وبالتالي يجب ألا نعمل علي تفريق كلمة المسلمين وأعتقد أن ما يشتت المسلمين اليوم هو الدخول في الحديث في المذاهب.. يجب البعد أولا عن هذا الطريق كما يجب عدم تشكيك الناس في عقائدهم والابتعاد عن الإساءة لصحابة رسول الله صلي الله عليه وسلم وعدم الخوض في الحديث عن السلف الصالح.. كما يجب عدم التشكيك في مصادر السنة النبوية الشريفة.. كل هذه الأمور يجب أن نبعد عنها وأن ندعو دائما إلي أن الدين الإسلامي هو دين وسط يحث علي المحبة والسلام وأن ندعو الأسرة والمدرسة والنوادي الاجتماعية أن يهتموا بالنشء وينشئوا أبناءنا تنشئة صالحة علي حب هذا الدين ومحبة الآخرين وإن اختلفوا معنا حتي في الدين لأن ديننا الإسلامي دعا إلي التسامح والتواصل مع الأديان الأخري وألا نأخذ الناس بالكره والقتل بل دعانا أن نتواصل معهم بالكلمة الطيبة وأن ندعوهم إلي الله بالحسني والموعظة الحسنة.. يجب أن نسلك هذا الطريق لنغير من الصورة النمطية التي تلتصق بنا. الإساءة للسلف الصالح * قام البعض علي فضائياتنا بالإساءة لعلمائنا الأوائل من السلف الصالح؟.. في رأيكم كيف نقضي علي مثل هذه المهاترات حتي لا تتكرر مرة أخري؟ ** في رأيي أن مبدأ الإساءة كله مرفوض ويجب ألا نشجع مثل هذه الأصوات الشاذة الداعية إلي التشكيك ونشر البغضاء وتكذيب كل ما يتصل بالسلف الصالح.. أعتقد أن هذه القنوات مملوكة سواء لشركات أو أفراد وهي محمولة علي أقمار صناعية باستثمارات عربية وإسلامية مشتركة.. لذلك علينا أن نتكاتف جميعا لأن يكون لنا صوت واحد للتصدي لمثل هذه الظواهر السلبية إما بالحوار أو بمحاصرة هذه القنوات من منابعها من خلال من يمول هذه القنوات ومن يحاول نشر البغضاء وتشويه صورة هذا السلف أو من خلال شركات الأقمار الصناعية التي نحن مشاركون في رأس مالها فيجب التوجه لهذه الشركات والحوار من خلال جامعة الدول العربية ومن خلال اتحاد إذاعات الدول العربية ومن خلال منظمة المؤتمر الإسلامي ومن خلال اتحاد إذاعات الدول الإسلامية ونتكاتف جميعا لتوصيل رسالة بأن الاقتراب من هذه المناطق لن يحقق إلا المزيد من الفرقة بين المسلمين.. أعتقد أن مجرد الرد عليهم سواء في قناة ردا علي قناة أو في جريدة ردا علي مقال لن يأتي بأي نتائج بل الحوار هو السبيل الوحيد للقضاء علي مثل هذه الظواهر وإذا لم يفد هذا الحوار فمحاصرة هذه القنوات وتجفيف منابع تمويلها هو الحل الأنسب في هذه المرحلة. * لماذا يتهم المسلمون بالتخلف فكريا أو التجمد وكيف السبيل لتصحيح هذا الوضع؟ ** أعتقد أننا أخطأنا المسير.. ما هكذا يكون الدين الحنيف.. فنحن لم نسلك الطريق القويم الذي دعا إليه الدين الإسلامي الحنيف.. سلكنا مسلكا آخر يتسم بالتشدد ونبذ الآخر وعدم التواصل مع الحضارات والانغلاق علي النفس.. كل هذا أدي إلي بروز هذه الشخصية المتجهمة التي لا تقبل الآخر ولا تريد أن تمد يدها إليه بل تريد أن تأخذ منه كل شيء حتي ملابسها التي تلبسها والمأكل الذي تأكله لكنها لا تريد أن تتواصل معه.. أعتقد أننا بحاجة لتغيير هذا النمط وبحاجة لتغيير مناهجنا فكثير من المناهج تدعو إلي الكراهية ونبذ الآخر.. وبين دعاتنا الكثير ممن يدعون إلي الفتنة.. والفتنة مقسمة إلي قسمين في رأيي فتنة موجهة إلي الداخل وهي شق المسلمين من الداخل وفتنة موجهة إلي الخارج وهي إعطاء صورة كريهة للعالم عن الإنسان المسلم.. هذا الإنسان الجميل - وأقول جميل - لأن رسول الله صلي الله عليه وسلم جميل وكذلك صحابته فهم علمونا الأخلاق العالية ولكننا تفرقنا أحزابا وشيعا وأخذنا نسلك مسالك غير تلك التي حددها الإسلام لنا وبالتالي وصلنا إلي هذه الصورة التي نحن عليها الآن. إذا ذكر المسلم ذكر التجهم والخيانة والكذب وغيره من الصفات القبيحة وهذه ليست صفات المسلم بل المسلم ودود ورحيم ومتواصل.. يأخذ بالعلم لأن الدين الإسلامي دعا إلي الأخذ بالعلم والأخذ بالأسباب وأن نكون أمة وسطا وليست أمة تنفر منها الأمم. الأزهر مدرسة إسلامية * هناك تعاون بين الأزهر ووزارة الأوقاف العمانية وغيرها من المؤسسات الإسلامية ولكن هل هذا التعاون كاف لتصحيح الوضع الحالي؟. ** أعتقد أن هذا لا يكفي.. الأزهر مدرسة إسلامية وسطية جميلة وقامت بدور تنويري ليس فقط في الوطن العربي بل علي مستوي العالم الإسلامي وعلي مستوي العالم ويجب ألا يتخلي الأزهر بأي شكل من الأشكال عن هذه الرسالة الوسطية وعن دوره التنويري بل يجب العمل علي تعزيز هذا الدور لأن البديل للأزهر ستكون بعض المدارس المتشددة التي نشرت الكراهية والتشدد بين المسلمين بعضهم وبعض وبين المسلمين والطرف الآخر.. أعتقد إذا سلمنا أن الأزهر مدرسة وسطية وأن هناك العديد من المدارس الوسطية في العالم الإسلامي يجب أن نقوي الصلة بين الأزهر وبين هذه المدارس للوصول إلي كتلة إسلامية وسطية أكبر يمكن أن تحقق شيئا من تصحيح المسار لهذه الأمة. * اختلاف المذاهب يتسبب في نوع من التشدد بينها في بعض الأحيان.. إلي متي يظل المسلمون في خلاف؟ ** سنظل في خلاف طالما فقدنا المرجعية الكبيرة التي تجمعنا ولم نجتمع علي كلمة سواء.. سنظل في خلاف طالما أن كل همنا هو المذهب.. نحن نسينا الدين وتمسكنا بالمذهب.. نسينا الرسول صلي الله عليه وسلم وتمسكنا بالأئمة الذين اجتهدوا وخرجوا لنا بهذه المذاهب.. مفترض أن يكون دور هؤلاء العلماء هو امتداد لما قام به رسول الله وتقوية الرسالة المحمدية التي كلف بها الرسول وهذا الدين الجميل.. ولكن تشتتنا إلي مذاهب ومدارس وتشددنا لهذه المذاهب.. أنا لا أدعو لإلغاء المذاهب ولكن أقول يجب ألا نكون متشددين ومتعصبين لهذا المذهب لأن هذا اجتهاد عالم من العلماء وكون منهجا تبعه مجموعة من الناس وعالم آخر كون منهجا آخر تبعه مجموعة أخري من الناس وطرف ثالث وهكذا وبالتالي لا يجب ألا نختلف لأننا بعد هؤلاء العلماء سنلتقي في رسول الله صلي الله عليه وسلم وسنلتقي في الله عز وجل.. فهذه المذاهب ليست مسلمات.. بل المسلمات هي السنة النبوية الشريفة والقرآن الكريم.. أما إذا ظل هذا الشتات وظللنا كل متمسك برأيه لا يريد أن يستمع إلي الآخر ولا يريد أن يتحاور معه نتقاتل في الغيبيات أعتقد أن الحال لن ينصلح. * هناك اتهام بأن الإسلام يظلم المرأة فما تعليقك؟.. وإلي أي مدي وصلت المرأة العمانية؟. ** الإسلام كرم المرأة أفضل تكريم.. لكن بعض العادات والتقاليد تظلمها كما أن المرأة في بعض الأحيان تعزف عن الحصول علي حقوقها الممنوحة لها برغبتها.. فعلي سبيل المثال هناك 20 امرأة عمانية ترشحت خلال الدورة الثامنة من انتخابات مجلس الشوري ولم تنجح سوي واحدة.. وكل الزملاء الإعلاميون الذين زاروا مراحل التصويت للانتخابات قالوا إن هناك تواجدا كثيفا من المرأة في التصويت فلمن أعطت المرأة صوتها.. بالطبع أعطته للرجل.. فأنا أعتقد أن المرأة يجب أن تكون فاعلة في مجتمعها وأنها لم تقنع الناخبات من بنات جنسها وليس الناخبين بأنها قادرة علي الوصول لهذا المجلس.. ربما تنسي دورها طوال العام ثم تنتبه قبل الانتخابات بشهرين أو ثلاثة وتبدأ حملات الدعوة وهذا لا يكفي لابد أن يكون هناك تراكم وتواصل مجتمعي ودور حقيقي وتبني لأمور وقضايا المرأة.. ولكن هذا لا يعني أن المرأة العمانية غير ناضجة أو غير جاهزة.. بل توجد لدينا 4 وزيرات وأكاد أقول إن 80% من سفاراتنا في الخارج بها نساء يعملن ليس بدرجة سفيرة ولكن بدرجات مختلفة.. المرأة العمانية موجودة عسكرية وطبيبة وطيارة وتعمل في كافة المجالات ولا ينقصها شيء.. وبالنسبة للتعليم 50% من نسبة المتعلمين في عمان من الفتيات لدينا مجموعة كبيرة من النساء حاملات للشهادات العليا.. إذن ليس هناك أي معوقات طبيعية تحول دون وصول المرأة إلي مجلس الشوري أو أي منصب مرموق بل الذين يحول هو المقدرة علي أن تقدم نشاطا يسوق لها أنها تعمل لصالح المجتمع وأن تؤكد علي دورها.