تعيش الأمة الإسلامية أزمة حقيقية بكل ما تعني الكلمة. أزمة ترتبط بأسس أصيلة لمكوناتها الشرعية والعقدية تتمثل في اتساع الهوة بين أصول الشريعة الإسلامية في القرآن والسنة النبوية المطهرة. السلف الصالح بالتزامهم بكونهم جيل الأمة الأول والأقرب لعهد النبوة. وما نعاصره اليوم من إسلاميين ومتأسلمين. وسلفيين ومتسلفين. وملتزمين ومتظاهرين بالالتزام الديني. وما نعاصره من جماعات وتيارات دينية اتخذت من الدين الإسلامي والتعاطف معه وسيلة لتحقيق أهدافها السياسية الدنيوية.. وبين ما كان عليه صحابة رسول الله - صلي الله عليه وسلم. وحال السلف الصالح. وحال المسلمين اليوم نبحث عن الفارق. وهل هو بحق واسع وكبير؟ ولعل حسن التأسي بسنة نبينا الكريم في مولده وهو أمل يراودنا جميعا يبقي أمل ما لم نقف علي حقيقة الواقع الحالي. بداية يؤكد الدكتور أحمد كريمة. أستاذ الشريعة بجامعة الأزهر. أن هناك فرقا كبيرا بين الأصولية التي تعني العودة الي الأصول أو السلف الصالح. وبين السلفية المعاصرة كمنهج في التفكير يأخذ بالقشور ويترك جوهر الإسلام كالعدالة والحرية واحترام حقوق الإنسان. بل ويقوم بتكفير عامة المسلمين ويغلق عقله عن التفكير بل يرفض استخدام العقل أو الاعتراف بالعلم. وهو في الحقيقة يدعي الانتماء إلي السلف ولا ينتمي إليهم. وإنما يتشبث ببعض أقوال من يعجبه من السلف بصرف النظر عن واقعنا اليوم. ويرفض السير علي هدي السلف الصالح. ويفهم السلفية كشكل وظاهر ويتجاهل جوهر السلفية وحقيقة الإسلام والأهداف الكبري للأمة. أضاف: السلفي نسبة الي السلف الصالح السابقين من صدر الإسلام ومن عصر التابعين وتابعي التابعين. أي القرون الثلاثة الأولي. والسلفية بهذا هي السير علي نهجهم بالتزام أمور الدين وفهمه الواسع وليس القوقعة والانعزالية والسلبية وإنما تكون بالشمولية والموسوعية التي يفهم منها هذا الدين ككل من عقيدة ومعاملات بينما الأصولي يأتي نسبة الي الأصولية وهي قواعد الدين وأركانه. فالأصولي هو من يتمسك بأساسيات الدين من عبادات ومعاملات. وهناك فرق بين الأصولية والوصولية التي تفشت في عصرنا هذا. فالذين لهم أهداف خاصة ويزعمون أنهم أصوليون في نظري وصوليون الي مآربهم وأهدافهم ويخضعون الدين لأهوائهم. وما يدعون اليه من تشدد وتزمت ويفرضونه علي عباد الله. هناك فرق أشار الدكتور محمد محمود أبوهاشم. عميد كلية أصول الدين بجامعة الأزهر. الي أن الفارق كبير بين ما كان عليه السلف الصالح من التزام بتعاليم شريعتنا الغراء. وتطبيق للقرآن والسنة وحرصا علي تلمس سيرة الحبيب المصطفي - صلي الله عليه وسلم. واتباع سنته وأوامره. واجتناب نواهيه بينما السلفيون اليوم في غالبهم يبحثون عن الظاهر أكثر من الباطن. يهملون الجوهر الأصيل للسنة النبوية المطهرة. ونهج بعضهم في السياسة نهجا يتوق الي تحقيق المصالح السياسية الدنيوية الضيقة علي حساب أمر دينهم. وهو ما لا يتفق بحال من الأحوال مع أصل الشريعة المحمدية الطاهرة التي جاءت مجردة عن الهوي والغرض. بين الدكتور أبوهاشم. أنه إذا كان المسلمون يلتمسون اليوم طريقاً للنهوض فلن تتحقق لهم نهضتهم إلاپ بوحدة جماعتهم. وهذه الوحدة ليس لها سبيل إلا الإسلام الصحيح الذي مصدره القرآن والسنة. وهذه خلاصة الاتجاه السلفي الحقيقي المنتسب الي السلف الصالح من حيث العودة بالإسلام إلي معينه الصافي من كتاب الله وسنة رسوله - صلي الله عليه وسلم والتزام بحقيقة الإسلام والاعتصام بالله من اجل صالح الأمة دون تشويه للإسلام. ودون تشدد أو عنف أو تطرف. السماحة هي الأصل يبرز الدكتور السيد السحراوي. أستاذ ورئيس قسم الحديث بكلية أصول الدين بجامعة الأزهر. أن الأصل في الإسلام السماحة والتيسير فما خير رسول الله -پصلي الله عليه وسلم. بين أمرين إلا واختار أيسرهما مالم يكن إثما. فما كان أبدا لينا في موضع الشدة. ولا متعصبا في موضع اللين. وإنما يتعامل مع كل شئ بقدره وهذا أصل أزمة أمتنا الآن أن البعض بدل فيها اللين موضع الشدة. والشدة موضع اللين فوقعت كوارث وانتشر الإرهاب والتشدد. عرض الدكتور السحراوي. أن السلفية لا تُعبر عنها مجموعة من الفتاوي التي لها طابع مُعين. كما لا تُعرِّف بأشخاص حتي لو كانوا من رموزها. فلا يمكن بأي حال من الأحوال حصرها في أقوال الإمام أحمد بن حنبل وابن تيمية وتلميذه ابن القيم ثم الشيخ محمد بن عبدالوهاب ومن قال بأقوال هؤلاء فقط. وإنما يمكن تمييز وتوضيح أفكار هؤلاء الرموز بنسبتها للسلفية. والسلفية ليست مذهباً فقهياً مستقلًّا. وإنما هي منهج يُمكن أن يُطبقه كل مَنْ يتَّبع مذهبًا من المذاهب الأربعة التي يتبعها علماء أهل السنة والجماعة في كل عصر. كما لا يمكن الفصل بين قواعد هذا المنهج وبين عموم آراء السلف لأنها في الأصل قائمة عليه. فالسلفية في باب الفقه مثلاً هي مذاهب أهل السنة الأربعة التي كتب لها البقاء. وهي أيضًا في مذاهبهم التي غابت. كمذهب الإمام ثور والأوزعي والليث بن سعد. وهي في رخص ابن عباس وعزائم ابن عمر. ولا يمكن حصر واختزال كل هؤلاء في رأي واحد فقط. وادعاء أن هذه هي السلفية. ولأن السلفية معتمدة علي منهج السلف الصالح من الصحابة والتابعين وتابعيهم» فهم خير هذه الأمة. وأزكاها دينًا. وأعلاها مقامًا. وأعمقها فهمًا. وأعلمها بما كان عليه النبي - صلي الله عليه وسلم. ويستدرك هذه هي السلفية الحقة لكن وبكل أسف نجد الواقع بعيدا الي حد كبير عن هذه السلفية. ولن ينصلح حال الأمة الا بالقياس علي أصول الشريعة الإسلامية من قرآن وسنة. والتيسير علي المسلمين دونما تشدد أو تكفير.. مؤكدا ان التشدد الفكري هو الذي تسبب في ظهور من يتسلحون بفتاوي تكفير المجتمع للنيل من استقراره وإرهابه.