مرة كان في واحد ماشي وقابل واحد لابس جلابية بيضاء قصيرة ومنديل كبيييير على راسه ومرَبِّي دقنه .... يا للهول !!! ... تسارعت دقات قلبه ثمّ احمرَّ وجهه ونظر إلى ذلك الرجل نظرة تَنُمّ عن كل الكراهية والغضب والإستياء، فلاحظ الرجل الملتحي تلك النظرة وأحس بالمشاعر التي يكنها له ذلك الشخص الذي أخذ يفكر "دلوقتي هيقولِّي إنت كافر ويقيم الحد عليّا ويطلّع الصواريخ من دقنه ويروح يفجّر البيت بتاعي" ... ثمّ المفاجأة ... إبتسم الرجل الملتحي في وجه ذلك الشخص وقال له "السلام عليكم" ... "السلام!!" أخذ يفكر الشخص الخائف والغاضب في نفس الوقت في كلمة "السلام" لحين إنتهاء الرجل الملتحي من جملته "السلام عليكم ورحمة الله" فرد عليه مندهشاً بعد أن بدأ يهدأ "وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته" فبادره الملتحي " أنا حاسس إن إنت متضايق إنك شوفتني !" فرد قائلاً "أصلي افتكرتك اخوان وهتقيم الحد عليّا" فقال له "أنا مش إخوان ... بس ليه افتكرت إني إخوان ؟" فرد "عشان دقنك والجلابية وكده" فقال له "بس الإخوان مش بيربوا دقنهم" فرد متعجباً "أمال من الفكرة والتفجير" فضحك وقال له "إسمها التكفير والهجرة وأنا مش منهم" فرد "يبقى الجهاد أو الجماعة الإسلامية ... المهم سلفي متشدد وخلاص" فقال له "واضح إن معلوماتك مشوشة بعض الشئ عن التيار الإسلامي في مصر ... أنا هأحاول أشرحلك ببساطة التيار الإسلامي في مصر من واقع فهمي المتواضع" : التيار الإسلامي في مصر ينقسم إلى أربع قطاعات كبرى متمثلة فيما يلي : الأزهر الشريف جماعة الإخوان المسلمين المنهج السلفي ومن ينتسب إليه ومن يُنْسَب إليه المتصوفين أو الصوفية والعجيب والمعَقَّد في ذات الوقت أن هناك تداخلا غير ظاهر للعامة بين الثلاث قطاعات الأولى ، فمثلاً تجد في داخل الأزهر من هو إخوان، كما تجد أيضاً كثيراً من الأزهريين، إن لم يكن معظمهم ، على المنهج السلفي الحقيقي في صورته النقية ، كما تجد من الإخوان والسلفيين من تخرج من الأزهر الشريف. هل بدأت تحتار وتتشتت ؟ .. دعني أقرب لك الصورة ... وسأقتصر هنا على الحديث عن أكثر القطاعات إثارة للحيرة والريبة وهو القطاع السلفيّ، لأن جزء لا بأس به من الناس على دراية بباقي القطاعات. لكي نتكلم عن القطاع السلفيّ، وجب أن نقسِّم كلامنا إلى نقاط: تعريف كلمة السلفية من هم السلف المدرسة أو المنهج، والشعار المنتسبين والمنسوبين طبقات أفراد التيار أولاً: تعريف كلمة السلفية السلفية في اللغة هي "الإنتساب للسلف" فحرف الياء هو ياء الإنتساب المشددة، وسلف الشئ أصله أو قديمه ومنها كلمة أسلاف، فجدودنا هم أسلافنا أو سلفنا ونحن خَلَفَهم. السلفية إصطلاحاً هي إتباع السلف في منهجهم وفكرهم وليس مجرد أفعالهم. أمّا المعنى الشائع بين الناس في المجتمع فهو متعدد ومختلف تبعاً لمدى فهم الشخص للواقع ومدى إحتكاك الشخص بهذا القطاع وأوجه هذا الإحتكاك، فتارة يقول لك شخصٌ ما "السلفيين اللي همّا بيربوا دقنهم ويلبسوا جلابية بيضاء قصيرة ومنديل كبير أو طاقية وماسكين سواك" وآخر يقول لك "دول المتشددين اللي ماشيين ورا الوهابيين بتوع السعودية" وآخر يقول "دول الرجعيين اللي عايزين يرجعونا 100 سنة ِلوَرا" وآخر "يا ساتر دول ناس جهلة ومتخلفة وبيكَفَّروا أي حد غيرهم وإرهابيين" وآخر "دول ناس بركة بتوع ربنا" وهكذا ... كل هذه التعريفات صحيحة وخاطئة في ذات الوقت وستفهم ماذا أقصد عندما تنتهي من القراءة. ثانياً: من هم السلف طبعاً ممكن حد يقولك "السلف تلف والرد خسارة" ... مش مهم. السلف هم الصحابة والتابعين وتابعي التابعين، مجموع هؤلاء يطلق عليهم "السلف الصالح" ويُسْتَنَدُ في ذلك إلى حديث عمران ابن حصين في الصحيحين "خيرُكم قرني ثمَّ الذين يلُوْنَهم ثمَّ الذين يلُوْنَهم" ثاثاً: المدرسة أو المنهج ، والشعار شعار المنهج السلفي هو "الكِتابُ والسُنَّةُ بِفَهْمِ سَلَفِ الأُمَّة" وضَعْ تحت كلمة "فهم" ألف خط. من الشعار يتضح منهج المدرسة السلفية وهو أنّ مَصْدَرَيْ الدين هما "القرآن الكريم، والسنّة" فقط، ونظراً لنزول القرآن الكريم في زمن قومٍ إشتهروا بالبلاغة وقمة المهارة باللغة العربية، حتى كان يقام سوقاً للغة وهو سوق عكاظ، وهو ما ينقصنا نحن الخلف حيث ضَعُفَت اللغة العربية لدينا، إحتجنا لكتب تفسير أو على الأقل معاني الكلمات لكي نفهم آيات القرآن، الأمر الذي لم يحتاجه الصحابة الكرام. ولذلك كان لابد لنا لكي نطبق ديننا تطبيقاً صحيحاً أن نفهم الدين فهماً صحيحاً، وهل يختلف أحد أن السلف هم خير من فهم الدين فهماً صحيحاً؟ وهنا يتجلى أهم ما في الشعار "بفهم سلف الأمة". وتتأتى معرفة فهم سلف الأمة للدين، إمّا بطريق مباشر في أقوالهم الواضحة وشرحهم للدين، أو بطريق غير مباشر بالإجتهاد لإستنباط ذلك من أفعالهم وأقوالهم الغير واضحة بالنسبة إلينا. أما الخطأ الشائع الذي يقول أن السلفية تقليد أعمى للسلف فهو عكس مفهوم السلفية تماماً. فمفهوم السلفية أن تفهم كيف طبق أحد السلف آيةً أو حديثاً ما في ظل معطيات محددة وتتعرف كيف فهم تلك الآية أو ذلك الحديث ثمّ تطبق هذا الفهم على المعطيات الجديدة لكي تصل إلى حكمٍ ما أو فعلٍ ما، ولربما تكون النتيجة عكس مافعل ذلك الصحابيّ تماماً، وتكون بذلك متّبعاً له. أمّا أن تقلده تقليداً أعمى بغير فهم صحيح فذلك هدم لمفهوم السلفية. ومن مبادئ ذلك المنهج، على سبيل المثال لا الحصر: الحجة بالدليل وليس بالشخص، الإهتمام بالدليل وصحته وصحة الإسناد، الدين حجة على الرجال وليس العكس، لا عصمة لأحد غير رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقه الخلاف، تعلّم قبل أن تتكلم أمام الناس. وفي ذلك بعض الأقوال الشهيرة؛ يقول الإمام مالك "كل يُؤخَذ منه ويُرَد إلا صاحب هذا القبر" وأشار إلى قبر الرسول صلى الله عليه وسلم، ويقول الإمام الشافعي "رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب"، كما يقول صلى الله عليه وسلم في حديثه الشريف برواية أبي هريرة في الترمذي و ابن ماجة "الحكمة ضالة المؤمن، حيث وجدها فهو أحقُّ بِها" وهذا الحديث يؤسس مبدأ غاية في الأهمية وهو أن تتعدد مصادر المعلومات لديك ولا تقتصر على مذهب أو شيخ واحد، فليس هناك أحد يمتلك كل الخير إلا رسول الله صلى الله وسلم. ويقول الله سبحانه وتعالى " وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ۚ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا" [الإسراء - 36]، فلا تتصدر للتكلم في أمرٍ ما إلا إذا قتلته بحثاً ودراسة. أما فقه الخلاف وهو أهم ما ينقصنا الآن، هو أن نتعلم كيف نختلف بغير تجريح، وليس معنى أن هناك شخص أخطأ في أمرٍ ما أن أقول أنه مخطئ دائماً والعكس صحيح. وأكثر ما يبعدنا عن فقه الخلاف هو مبدأ التعميم وثقافة الشائعات. ما سبق هو مختصر وجيز للمدرسة السلفية ومنهجها ومبادئها، ولكنه يتضمن أسس عامة تتيح لك فهم السلفية. السؤال؛ إذا كان هذا هو مفهوم السلفية، فلماذا يحدث ما نرى من جانب بعض "السلفيين"؟ إذا أردت إجابة ذلك السؤال فإقرأ ما تبقى. رابعاً: المنتسبين والمنسوبين جوهر المشكلة في نظرة المجتمع للسلفيين هي النظرة السطحية إلى المظهر العام، والمشكلة ليست في المظهر نفسه ولكن في ثلاث أشياء رئيسية: الدافع وراء هذا المظهر، نظرة المجتمع لهذا المظهر ومدى فهمه للدافع وراءه، وأخيراً سلوكيات من هم على ذلك المظهر. يجب أن نفهم أن ليس كل من أطلق لحيته وإرتدى الجلباب القصير وغطى رأسه يصبح سلفي أو ملتزم أو متدين، هناك دوافع كثيرة قد تدفع أي واحد منا لفعل ذلك. من أمثلة تلك الدوافع ما يلي: الوجاهة والمكانة؛ ليقال له الشيخ (رياء). بعض التجار الذين يعمدون إلى ذلك، ولا أقول كلهم، ليثيروا لديك عاطفة تجاههم أنهم أهل تقوى وصلاح وتثق بهم وتفضلهم عمن سواهم أو ليغشوك. شاب بعيد قليلاً عن الدين وفي لحظة صدق وتوبة يذهب إلى المسجد فيجد شباباً صالحاً يداوم على الصلاة والطاعة فيجدهم على ذلك المظهر فيقلدهم حباً فيهم وحباً لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتشبهاً به دون أن يهتم بالحكم الشرعي، فحتى لو كانت سنّة غير واجبة سيفعل ذلك حباً في رسول الله صلى الله عليه وسلم. بعض تجار الأشرطة الدينية والسواك والكتب والكتيبات المنتشرين أمام المساجد ليتماشى مع الشكل العام لهذا المجال. بعض الناس سيقولون لك "عشان ربنا يباركلي". الإقتناع بالرأي الفقهي الذي يقول أن إطلاق اللحية واجب، أما موضوع الزي فهو مُجَرَّد تَشَبُّه برسول الله صلى الله عليه وسلم نابع من الحب له صلى الله عليه وسلم. مخبر أو مرشد من أمن الدولة للدخول في الصفوف والتجسس. مما سبق يتبين لنا أن ليس كل من كان على ذلك المظهر، سلفي ملتزم بنية صادقة ويفهم الإسلام بصورة صحيحة، فمن الممكن أن يكون ذو نية غير صادقة، أو ذو نية صادقة ولكن ليس على درجة كافية من الوعي بالدين فتُحْسَب تصرفاته الخاطئة على المنهج. والآن قبل أن نعدد المنتسبين والمنسوبين من الجماعات والحركات، لنرجع بالتاريخ إلى الوراء لنتعرف كيف بدأت هذه الحركات. عندما جاءت الحملة الفرنسية إلى مصر وإستسلم الجميع كان الأزهر الشريف هو الذي وحد المصريين خلفه وقاد المقاومة ضد الحملة الفرنسية ونجح في طردها من مصر، كان وقتها الأزهر الشريف مؤسسة مستقلة إستقلالاً تاماً وكانت هيئة كبار العلماء هي التي تحدد شيخ الأزهر، فكان الأزهر قوياً شامخاً يقف في وجه الباطل أياً من كان، وكان بحق منارة الإسلام في العالم أجمع. ولكن الإنجليز تعلموا الدرس فكان من أهدافهم القضاء على قوة الأزهر ليتمكنوا من مصر، وتم ذلك على مراحل، فَصْل دار الإفتاء عن الأزهر وتشكيل لجنة إفتاء أخرى تابعة للأزهر، منصبي مفتي الديار والإمام الأكبر يكونا بالتعيين من قبل الحكومة، فَصْل أملاك الأزهر عنه ونقلها لوزارتي الأوقاف والزراعة، وبذلك يتم التحكم تدريجياً في الأزهر الشريف وإضعاف دوره في المجتمع وتطويعه للحكومة شيئاً فشيئاً. في ذلك الوقت بدأ الأزهر تدريجياً يفقد قوته ومكانته والأخطرمن ذلك؛ بدأ يفقد مصداقيته، مما دفع بعض أبناءه للخروج والإستقلال عنه وتكوين حركات دعوية مستقلة، إلى جانب آخرين من خارج الأزهر قاموا بالمثل، وهنا تشتت الشمل وانفرط العقد، وظهر المعتدل وظهر المتشدد وظهر المتطرف العنيف. وأخذت هذه التيارات والحركات في التنامي والتعدد والإنتشار شيئاً فشيئاً في ظل تراجع دور الأزهر، حتى وصل بنا الحال إلى العمليات الإرهابية والمصادمات والمواجهات الشهيرة في العقود الماضية والتي كانت غريبة عن وصادمة للمجتمع المصري. إلى أن قامت هذه الحركات بمراجعات أعلنت بعدها تخليها عن العنف، والعجيب في الأمر أن الحكومة وقتها لجأت، متأخرةً، لعلماء الأزهر في إدارة الحوار مع هذه الجماعات بعد أن تكبدت مصر خسائر ملموسة. بعد ما سبق نعدد معاً الحركات والتيارات التي نشأت في مصر والتي تدَّعي بعضها، بطريقة أو بأخرى، أنها على منهج السلف، ولكن سأترك لكم تقييمها ووزنها بمقياس المفهوم الحقيقي الذي سبق أن وضحناه سابقاً بعد أن تتعرفوا بأنفسكم على هذه التيارات وليس عن طريق مُجَرَّد السماع عنها: الجماعة الإسلامية. جماعة الجهاد الإسلامي. الجمعية الشرعية. جمعية أنصار السنة المحمدية. جماعة التبليغ والدعوة. الجماعات وأركز على كلمة "الجماعات" السلفية. المستقلين. هذا بالإضافة إلى جماعة الإخوان المسلمين والتي تقول أيضاً أنها على منهج السلف ولكنها تُمَثِّل قطاعاً بحد ذاتها. هل تستطيع أنْ تُمَيِّز بين تلك الجماعات بمُجَرَّد النظر، بإستثناء الإخوان بالطبع؟ أتحدى أن يستطيع أحد ذلك؟ اللهمّ إلا جماعة التبليغ والدعوة المميزين بطريقة معينة في شكل العِمامة. هل تستطيع أن تقول لنفسك الآن منهج وفكر كل جماعة بالتفصيل ومن هم قادتها، ناهيك عن تحديد "الجماعات" السلفية ومن هم ومن قادة كل جماعة منهم؟ وهل تستطيع أن تسرد من هم المستقلين وما تخصص كل واحد منهم، هل هو متخصص في الدعوة أم الفقه أم أصول الفقه أم الحديث أم التفسير أم أم أم .....؟ إبحث وتعرّف أولاً، ثمّ ناقش وتحاور، ثمّ انقد وهاجم ولكن حاول أن تتجنب التجريح. خامساً: طبقات أفراد التيار تكمن المشكلة في أن كل من أطلق لحيته يقال له "يا شيخ" حتى لو كان شاباً صغيراً حديث عهد بالتدين والإلتزام. تتفاوت الدرجات بين الملتزمين ويجب علينا أن نضع كل شخص في موضعه وقدره حتى لا نتوه ونتشتت. وهذه الدرجات أو الطبقات كما يلي: العالم الموسوعي أو ما يُسَمَّى "شيخ الإسلام"؛ وهو من إستطاع أن يجمع بين كافة علوم الدين وفنونه إلى جانب ما يلزم من العلوم طبقاً لمعطيات كل عصر. العالم المتخصص؛ وهو من تخصص في علم بعينه إلى جانب إلمامه بالعلوم المرتبطة بتخصصه وإلمامه بالمبادئ العامة في باقي العلوم. الدعاة، وهم الذين تقع على عاتقهم مهمة تقريب الناس إلى الدين وتبصيرهم بالمبادئ والأسس، وما يلزم لكل مسلم ليمارس دينه، وإحياء الوازع الديني وإعلاء الهمم لطاعة الله وعبادته. ولا يلزم الداعي أن يكون متعمقاً في علوم الدين ولكن وجب عليه أن يكون مُلِمَّاً بمبادئ الدين بصفة عامة وأن يكون لديه موهبة الخطابة والتكلم أمام العامة وألا يتصدر في التكلم في أمر ما إلا بعد البحث والدراسة التامة لهذا الأمر والرجوع لأهل العلم. طلاب العلم، وهم الشباب الذين أرادوا أن يسلكوا طريق طلب العلوم الدينية إمّا عن طريق الإلتحاق بالمعاهد المعتمدة رسمياً، أو عن طريق التتلمذ على يد أحد الشيوخ، أو عن طريق الإجتهاد الشخصي من خلال قراءة الكتب. المتبعين أو العامة أو الجمهور أو المقلدين أو المريدين ... سَمِّهم ما شئت، وهم عموم الملتزمين. ***** إذاً السؤال الذي يفرض نفسه الآن، بعد أن أخذنا لمحة سريعة عن التيار السلفي، أين تقع المشكلة؟ تكمن المشكلة في ما يلي: قلة وعي الناس بواقع التيارات الإسلامية والتيار السلفي على وجه الخصوص، وذلك إمّا نتيجة التشويه الإعلامي، وإمّا غياب إرادة التعرف على ذلك التيار لأسباب متعددة منها النفور الشخصي أو الكسل أو العداء الفكري، وإمّا قصور في طريقة تواصل المشايخ مع المجتمع، والإنعزال والإنغلاق، مما أدى إلى عدم معرفة الناس بهذا التيار والمنهج معرفة صحيحة. وأكثر ما يؤرقني شخصياً، قول أحدهم، "الدين عزيز" تأتيه ولا يأتيك، وهذا أبداً لم يكن نهج رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا نهج صحابته الكرام، الذين بذلوا الغالي والرخيص وبذلوا الجهد والعرق والدم والوقت وكل شئ في سبيل نشر الإسلام. تَصَدُّر عالم متخصص في علم معين ليتكلم في علم آخر، فيصيب أحياناً ويخطئ أحياناً، فيُفْسِد من حيث أراد أن يُصْلِح. الحماس الزائد والعاطفة الدينية المقترنة بعدم الوعي الكامل لبعض الشباب الذي يدفعهم، بعد قراءة كتاب أو إثنين أو حتى كتيبات، أن يتكلموا أمام العامة فيفسدوا أيضاً من حيث أرادوا أن يصلحوا. غياب فقه الواقع لدى البعض. بعض أفراد من عموم الملتزمين لا يفهم فهماً صحيحاً فتصدر منه سلوكيات مخالفة للإسلام ويُحْسَب على التيار. ويتأتى عدم الفهم من إتباع أنصاف العلماء، أو أن البعض يُقَدِّس الشيخ الوحيد الذي يسمع له، وليس على لسانه غير كلمة "الشيخ قال"، ونَسِيَ أو لم يعرف من الأساس أنه لا قداسة لأحد في الإسلام، مما يؤدي إلى التعصب للرأي وضيق الأفق. إختراق الأمن لصفوف التيار بهدف الإفساد، وحادث كنيسة القديسين بالإسكندرية خير دليل على ذلك. هل توصلت الآن لإجابة السؤال " إذا كان هذا هو مفهوم السلفية، فلماذا يحدث ما نرى من جانب بعض "السلفيين"؟" ***** الحل من وجهة نظري الشخصية يتلخص في نقطتين رئيسيتين: عودة الأزهر الشريف مؤسسة مستقلة إستقلالاً تاماً. الإنفتاح والحوار. يقول الله سبحانه وتعالى في سورة الحجرات- الآية 13 " يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ "