هل لمتع الإنسان في الحياة الدنيا حدود يقف عندها ويقول: ها أنذا وصلت إلي أقصي ما أريد؟!.. أم أن الإنسان بطبعه تغلبه شهواته لا أقصد الجنسية فقط وإنما غريزة الاستمتاع وحب التملك؟!.. فكلما وصل إلي درجة من الإشباع النفسي والمادي تطلع إلي درجة أخري.. وهكذا إلي أن يتخطفه الموت ويرحل عن الدنيا. تسألني: لماذا هذه المقدمة عن حب التملك لدي الإنسان؟!.. فأقول: قرأت في صحيفة "الأهرام" بالأمس أن مواطناً خليجياً من دولة الإمارات العربية الشقيقة اشتري أغلي سيارة في العالم ثمنها حوالي مليونين ونصف المليون دولار. أي ما يوازي 15 مليون جنيه مصري!! السيارة العجيبة من طراز "فايرون 16.4" وهي من إنتاج شركة "بوجاتي" الشهيرة في صناعة السيارات.. ويمكن أن تبلغ سرعها القصوي 431 كيلومتراً في الساعة!!! والسؤال هو: من الذي يستطيع قيادة سيارة بهذه السرعة المهولة التي تكاد توازي سرعة الطائرة؟!.. ثم أين الطرق علي سطح الكرة الأرضية وليس في دولة الإمارات فقط التي يمكن أن تسير عليها السيارة بهذه السرعة؟!.. أعتقد أن الأمر خارج عن حدود المعقول. وحدود الممكن.. فهي سيارة ذات إمكانات عجيبة. ولكنك لا تستطيع الاستمتاع بهذه الإمكانات عملياً. إذن.. ما الفائدة التي يمكن أن تعود علي الأخ المواطن الإماراتي من امتلاك مثل هذه السيارة الباهظة الثمن إذا كان من المستحيل عملياً استخدام إمكاناتها؟! الأمر الأغرب أن هذا المواطن الخليجي الذي لم يعلن عن اسمه. كما جاء في الخبر الذي نشرته صحيفة "الأهرام" يمتلك 800 سيارة فخمة أخري!!! وأرجو أن تلاحظوا معي الرقم مرة أخري 800 سيارة فخمة!! وأستطيع أن أقول بكل ثقة أن الأخ الإماراتي لا يمكن أن يتذكر ماركات هذه السيارات. ولا إمكاناتها باعتبارها فخمة. فضلاً عن موديلاتها "سنة الصنع" وألوانها.. ولو أراد أن يستخدمها كلها بواقع واحدة يومياً لمرت ثلاث سنوات من عمره قبل أن يعود للتي استخدمها أول مرة!!! في وطنك الصغير "الإمارات العربية" وفي وطنك الكبير "الأمة الإسلامية" أناس يتضورون جوعاً. ويمشون حفاة عراة يستحقون أن تنظر إليهم نظرة إيثار ومودة.. وأرجو أن تصلك كلماتي هذه قبل فوات الأوان لتستعد للقاء الخالق الذي وهبك هذه النعم. وسوف يسألك طبقاً لحديث رسول الله "صلي الله عليه وسلم": "وعن ماله فيم أنفقه". 800 سيارة فخمة يا أخي. شيء لا يصدقه عقل.. وسيارة ثمنها ما يقرب من مليونين ونصف المليون دولار. أمر يفوق كل تصور.. ولتسمح لي أن أسألك بكل أدب: المقر الأخير لكل إنسان لا تزيد مساحته علي مترين في متر.. فهل سيسع هذا المقر تلك السيارة العجيبة ومعها 800 سيارة أخري؟!.. أرجوك أن تستوعب السؤال وتجيب عنه بينك وبين نفسك. كان المفكر الكبير الأستاذ عباس محمود العقاد رحمه الله يقول: إذا أكل الإنسان بشراهة. فإن ذلك يدل علي سوء الخلق. حتي ولو كان طعامه من حر ماله. أخاف عليك يا أخي من وعيد الله يوم القيامة: "يوم يحمي عليها في نار جهنم فتكوي بها جباههم وجنوبهم وظهورهم.. هذا ما كنزتم لأنفسكم. فذوقوا ما كنتم تكنزون". وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه كلما سمع الآية الكريمة: "أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم بها فاليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تستكبرون في الأرض بغير الحق وبما كنتم تفسقون" كان يبكي بكاءً مُراً ويقول: يا ويلنا من عذاب الله.. رغم أن الرجل لم يكن يملك قوت يومه.