عرفتها منذ شبت في الحي بهذا الاسم الذي لم يكن قط اسمها.. كنت طفلة. وأمي وخالاتي بررن تسميتها بأنها دوماً متحففة بمعني لم أعرفه فيما كن يسخرن ويتلمزن فيما بينهن. مما أثار فضولي أكثر من تلك المرأة الأربعينية التي تملك أريحية نادرة وطلة تختلف وتنفرد دونهن بها. كذا كانت تلقي معاملة سعيت جاهدة لفك طلاسمها بعقلي الصغير الثاقب. كان لها أثر في نفوسهم رجالاً ونساء. الرجال كانت تنفرج أساريرهم لحظة رؤيتها. وتتملكهم بهجة حاولوا اخفاءها سدي. كي لا تتعارض مع نواهيهم لنسائهم بعدم استقبالها لدي بعضهن. والأخريات بعدم الترحاب بها.. مبررين ذلك بأنها امرأة يلوك الكل سيرتها لأنها لا تستر جسدها مثل نسائهم. وتعمد لإظهار جزء من صدرها العارم. وتكتحل حتي أذنيها . تتشدق باللبان الذي لا يخلو منه ثغرها الضاحك. ورغم النواهي والتشدد الظاهر من قبل الرجال كانت تحظي بترحاب خفي لدي النساء فهي "حلاوة الدلالة" جالبة الحِنة. مالكة الأسرار. عالمة البواطن بما يهواه الرجال داخل المخادع. فضلاً عن أنها تبيعهن ما لا يستطعن الحصول عليه كنتُ أتلصص عليهن.. كانت النسوة تقمن الجلسة في شقة إحداهن. يفترشن الأرض في حلقة تتوسطها الخالة وهن مجتمعات حولها فاغرات الأفواه منصتات كمن تجمع حول الساحر. هذه قطعة مخملية طولها لا يتعدي الشبرين. وكذا لا تستر الساقين. وتلك صدرية بالترتر وخرج النجف تضيء وتومض تحت الغطاء. قطعاً محصلة الذكريات تلك نتاج تلصص. لا أجرؤ وقتها علي الانتساب للحلقة السرية. فقط كنت أرقب نزع الحلاوة من علي سيقانهن فأهرع إلي الخارج رعباً. ألحق بالجمع الذي يفترض بي أن أكون معه من الأطفال الذين احتالت عليهم الخالة حلاوة بقطع النوجا فذهبوا ليفضوا غطاء البلاستيك عنها والتهامها. لكن سرعان ما أعاود لثقب الباب. كان يحيرني لغز الخالة الممنوع من الصرف أكثر من موقف النساء والرجال. كنت أراها طازجة. نضرة. ساحرة علي الدوام. وكيف تحظي بتلك الشعبية والود والترحاب السري لدي النساء رغم تشدد الرجال. إلا أن جانباً خفياً كانت لا تظهره النسوة في حاجتهن لها. وكذا إعجابهن بها. فهي أول من كسر قواعد الحارة المزعومة. قالت لي أمي رداً علي حيرتي المتبدية عليَّ منها. وأنا أسأل لم يشدد أبي علي عدم التعامل مع خالتي حلاوة؟.. فهي أطيب حالاً من نسوة كثر عرفناهن. وأكثر حنواً منهن جميعاً. بنيتي ليست بالسيئة لكنها محبة للحياة .تتزين. تأكل. تضحك. هي لا تكذب بنيتي إنها تعمل. من يريد سلوك مسلك شائن لن يكد في المنازل والأسواق. ويتجول يحمل أرطالاً فوق رأسه تنوء أي منا بحملها. أقنعتني أمي ببراءة ساحة حلاوة. لكن لغز الخالة ظل عالقاً في ذهني. ربما لأنني رأيتها تضحك وتقبلني. وأنا من يلامسني يقرب حد القلب. ربما لنظافتها ورائحتها العطرة علقت بذهني كرمز للحياة والنضارة والألق. تتردد في ترحاب وسِريّة علي منازلنا من قبل النساء. ويلقاها الرجال بتحية وضاءة واستهلال باسم. وعلي الجانب الآخر استنكار تام ونبذ لوجودها. ظلت كما هي سنوات تأتي في خلسة نهارية ونتجمع نحن الفتيات اللاتي انضممن للنسوة لانتقاء مستلزمات العرس "الشوار" ونتضاحك علي نكاتها الإباحية عجباً وخجلاً. وسمعت فيما بعد أنها تزوجت بشاب يصغرها بسنوات. يعشقها ويتيه بها. لم تفارقني صورة الخالة للآن إلي أن التقيتها أخيراً. عجوز للغاية منكفئة علي وعاء نحاسي أمام الغرفة التي تسكنها. تدخن سيجارة اقتنصتها من شيخ يقاربها في العمر.. بعد مداعبة أفضت بالشارع إلي الضحك الذي أظهر فمها الفارغ من الأسنان وصوتها المتحشرج الذي لا تأبه له وتنعته باسم أمه لتضحك معهم . تدخن سيجارتها وتشرب كوب الشاي مبتسمة ابتسامة رضا نادرة. يمر الأطفال يضعون النقود في الإناء فتدوي. فتتحسس الخالة تحت الملاءة لتناولهم قطع النوجا المغلفة ببكارة النايلون.