البابا تواضروس الثاني يلتقي ممثلي الكليات والمعاهد اللاهوتية بأكاديمية مار مرقس بوادي النطرون    زيارة وفد الوكالة الكورية للتعاون الدولي (KOICA) لكلية السياحة والفنادق بجامعة قناة السويس    كامل الوزير: مصر ستظل أرض الفرص الواعدة والاستثمار الآمن    رانيا المشاط تتسلم جائزة القيادة الدولية من معهد «شوازيل»    تداول 18 ألف طن و1000 شاحنة بضائع عامة ومتنوعة بموانئ البحر الأحمر    رشا عبد العال: «كارت تميز ضريبي» لتسهيل إجراءات تعامل شركائنا الممولين مع المصلحة    وزير الري يتابع الموقف التنفيذي للمشروع القومي لضبط النيل    الاحتلال يعتقل 40 فلسطينيا من الضفة الغربية    مسؤول أممي: اقتحام إسرائيل مجمع الأونروا في القدس يعد سابقة خطيرة    علاء عابد: خطوة فلوريدا تجاه الإخوان و"كير" انتصار دولى جديد ضد قوى التطرف    إصابة 34 إثر زلزال قوي ضرب شمال شرق اليابان بقوة 7.5 درجة    تشكيل ليفربول المتوقع أمام إنتر ميلان.. غياب محمد صلاح    الأهلي يبدأ معسكره المغلق الخميس استعدادًا لضربة البداية أمام إنبي بكأس عاصمة مصر    الزمالك يكشف عن عدد أعضاء الجمعية العمومية وعدد اللجان    تقرير: دعم ليفربول ل«سلوت» لا يعني التخلي عن «صلاح»    الطب البيطرى بالشرقية: فرق من 5 جهات للبحث عن تمساح الزوامل    ضبط 3 عناصر جنائية لتورطهم في غسل 160 مليون جنيه من تجارة المخدرات    أزمة الكلاب الضالة في مصر.. بين الأمان العام وحقوق الحيوان    إحالة عامل قتل صديقة بسبب خلافات فى المنوفية إلى المفتى    سقوط شخص من قطار بمركز طما فى سوهاج وإصابته بكسور وكدمات    الصحة: فحص 7.4 مليون طالب ضمن مبادرة الكشف المبكر عن «الأنيميا والسمنة والتقزم»    عضو «حقوق الإنسان»: انتخابات مجلس النواب تتم في سهولة ويسر    توقيع بروتوكول تعاون لإنشاء فروع جديدة للجامعات الروسية في مصر    رحاب الجمل: محمد رمضان في "احكي يا شهرزاد" كان ملتزم وبيصلي    الحبسي: عصام الحضري أفضل حراس مصري عبر التاريخ.. وشناوي "الأهلى" بعده    وزير الإسكان يهنئ وزير الشباب والرياضة بعد اختياره رئيسًا للجنة التربية البدنية باليونسكو    احجام المستهلكين خوفا من الفراخ السردة… اضطرابات وتقلبات فى سوق الدواجن بسبب الاستيراد من الخارج    رفض ليبي لتصريحات يونانية حول الحدود البحرية    الجيش الروسي يتقدم في أوكرانيا ويستهدف بلدة ميرنوهراد    قافلة «زاد العزة» ال90 تدخل إلى الفلسطينيين بقطاع غزة    وزير خارجية تايلاند يتهم كمبوديا بانتهاك اتفاق وقف إطلاق النار    ضبط 3 عناصر جنائية غسلوا 160 مليون جنيه حصيلة تجارة مخدرات    تعليم القاهرة تعلن موعد الاختبار التجريبي لمادة البرمجة والذكاء الاصطناعي لطلاب الصف الأول الثانوي    وزير الثقافة يلتقي نظيره الأذربيجاني لبحث آليات تعزيز التعاون بين البلدين    وزير الثقافة يلتقي نظيره الأذربيجاني لبحث التعاون بين البلدين    جعفر بناهي يترشح لجائزة أفضل مخرج في الجولدن جلوبز عن فيلم «كان مجرد حادث»    أحمد سعد وويجز يروجون لفيلم "الست" بطريقتهما    في ذكري «يحيي حقي».. أيقونة أدبية عربية جليلة    مواقيت الصلاه اليوم الثلاثاء 9ديسمبر2025فى محافظة المنيا    تعرف على أسعار الذهب فى البورصة المصرية اليوم الثلاثاء    فريق جراحة القلب والصدر بمستشفيات قنا الجامعية ينقذ شابا من إصابة قاتلة بصاروخ تقطيع الرخام    فوائد الامتناع عن الطعام الجاهز لمدة أسبوعين فقط    الكشف على 214 حالة خلال مبادرة "من أجل قلوب أطفالنا" بجامعة بنها    السكك الحديدية: تطبيق إجراءات السلامة الخاصة بسوء الأحوال الجوية على بعض الخطوط    الحبس عقوبة استخدام التخويف للتأثير على سلامة سير إجراءات الانتخاب    أسعار الأسماك اليوم الثلاثاء 9 ديسمبر    متحف اللوفر بين الإصلاحات والإضرابات... أزمة غير مسبوقة تهدد أشهر متاحف العالم    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : ماذا تعمل ?!    دعاء الفجر| اللهم ارزقنا نجاحًا في كل أمر    الرياضة عن واقعة الطفل يوسف: رئيس اتحاد السباحة قدم مستندات التزامه بالأكواد.. والوزير يملك صلاحية الحل والتجميد    هل يجوز إعطاء المتطوعين لدى الجمعيات الخيرية وجبات غذائية من أموال الصدقات أوالزكاة؟    المستشار القانوني للزمالك: سحب الأرض جاء قبل انتهاء موعد المدة الإضافية    رئيسة القومي للمرأة تُشارك في فعاليات "المساهمة في بناء المستقبل للفتيات والنساء"    حظك اليوم وتوقعات الأبراج.. الثلاثاء 9 ديسمبر 2025 مهنيًا وماليًا وعاطفيًا واجتماعيًا    أفضل أطعمة بروتينية لصحة كبار السن    مراد عمار الشريعي: والدى رفض إجراء عملية لاستعادة جزء من بصره    مجلس الكنائس العالمي يصدر "إعلان جاكرتا 2025" تأكيدًا لالتزامه بالعدالة الجندرية    لليوم الثالث على التوالي.. استمرار فعاليات التصفيات النهائية للمسابقة العالمية للقرآن الكريم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مع أمى فى رحاب الحرمين الشريفين
نشر في اليوم السابع يوم 23 - 10 - 2012

كانت أمى رحمها الله هى أهم وأفضل وأحكم وأصبر من وقف إلى جوارى فى محنتى الطويلة.. فقد ضحت بكل شىء وتحملت العناء معى فى كل لحظة.. حتى إنها اعتقلت كرهينة قرابة شهر ونصف فى مديرية الأمن قبل القبض علىَّ.. ومعها أبى وسبعة من أشقائى.
لقد ظلت أمى تجرى خلفنا من معتقل إلى آخر.. وكانت قبلها لا تعرف من الدنيا إلا بلدتنا الصغيرة ديروط ومحافظتها أسيوط حيث تعيش خالتى.. فلما اعتقلت مع أشقائى إذا بهذه المرأة البسيطة تطوف خلفنا سجون الدنيا كلها.. تارة تذهب إلى سجن أبو زعبل وهو أسوأ سجون الكرة الأرضية.. وأخرى لى ليمان طرة.. ومرات إلى استقبال طرة.. وتارة إلى دمنهور ووادى النطرون فى أقصى الشمال.. ومرات إلى سجن الوادى الجديد فى أقصى الجنوب..لم تضجر ساعة.. ولم تتوقف عن العطاء أبداً.. تحمل إلينا أمومتها الحانية ومشاعرها المتدفقة وكلماتها الجميلة المنتقاه مع سلواها لجراحنا ومعها كل ما لذ وطاب من الطعام تحمله على رأسها، وهى السيدة المسنة وتلاقى الأهوال عند أبواب السجون يعيدها هذا السجان ويزجرها الآخر ويؤخرها الثالث وتخضع للتفتيش.. وقد تصل إلى بوابة السجن مع غيرها من الأمهات فى السادسة بعد الفجر فلا تدخل إلا الساعة 12 ظهرا.. فى حر الصيف أو فى برد الشتاء دون أن يكون هناك مكان آدمى للانتظار.. حيث لم تنشأ هذه الأماكن إلا بعد عام 2002 م تقريباً.
وأذكر أنها ذهبت يوماً لزيارة شقيقى المرحوم أحمد سعيد وكان وقتها معتقلاً فى سجن دمنهور فقال لهم الضباط: ليست هناك زيارة اليوم لأن هناك تفتيشا للسجن من مصلحة السجون.. وكانت هذه التفتيشات قبل المبادرة أسوأ ما تكون وتعنى فقط الأذى والإهانة والتكدير والضرب.. ولا تفتيش فيها ولا يحزنون.. حيث لم يكن مع المعتقلين شىء على الإطلاق من أغراض الحياة الآدمية.. ولكنه العقل الفرعونى الطائش الذى لم يعرف يوماً حكمة ولا عقلا.. ولكن المبادرة أعادت العقل والحكمة للجميع.
المهم ماذا تصنع أمى ومن معها من السيدات من الصعيد فى هذا اليوم؟ هل ترجع وتقطع قرابة 800 كم دون رؤية فلذة كبدها وولدها الحبيب أحمد؟ وكيف تبيت فى دمنهور وهى لا تعرف فيها أحداً على الإطلاق؟ لقد ذهبت هى ومن معها إلى محطة القطار وهناك جاءتها الفكرة أن تبيت هى ومن معها من النسوة فى المحطة.. فاستأذنت رئيس المحطة أن يبيتن فى استراحة القطار وأن يغلقن الباب عليهن بالليل..ونظفن المكان ثم افترشن الأرض والدكك الخشبية ونمن عليها حتى الصباح.
لقد كانت أمى تدعو طويلاً وكثيراً «يا رب لا تمتنى حتى أرى ابنى ناجح فى الحرية»، وكنت أنا أدعو كثيرا أن أدركها وأبى فى الحرية قبل الممات وأرد بعض جميلها.. وكنت أقول كيف سأرد لها هذا الجميل العظيم.. كيف أوفيها بعض حقها وفضلها.. وأخيرا وجدتها.. فقلت لنفسى: أمى لم تحج حتى الآن.. وأعظم هدية أقدمها لها أن أتولى ذلك.
وجاءت الفرصة سانحة فتيسر لى أمر الحج وجمعت كل ما أملك وكل ما استطعت جمعه من نتاج بيع كتبى.. وبشرتها بالخبر السعيد الذى كادت أن تطير به فرحا.. فإمكانيات والدى المادية وقتها لم تكن تسمح لها بالحج..وكل ما صرفه من مكافأة نهاية خدمته الحكومية التى وصلت قرابة 40 عاما مكنته بالكاد أن يحج هو فقلت: «الآن جاء دورى لأن أعيش مع أمى فى أطهر مكان.. وأن أسعد بصحبتها بعد طول فراق».. خاصة أننى تركت بلدتى فى الصعيد وعشت فى الإسكندرية، وكان من أسباب ذلك الإشفاق الكبير عليها.. فقد كانت تخاف علىَّ بعد خروجى من المعتقل وكأننى طفل صغير.. إذا تكلمت مع صحفى تقول: «يا بنى خليك فى حالك ولاد الحرام كثير».. وإذا تحدثت فى الدعوة والدين تقول: «يا بنى لا نريد مشاكل مع الحكومة». وإذا سافرت من بلدتى وعلمت بذلك: «يا بنى سايق عليك النبى لا تروح هنا ولا هنا إن كنت بتحبنى» فقلت: أعيش فى الإسكندرية حيث نشأ أولادى.. فلا أغضب أمى وأكسب دعوتى ورسالتى وأعمل ما أشاء دون إزعاجها.
لقد كانت تعتبرنى وأنا فى الخمسين من عمرى طفلها الصغير الذى تخاف عليه وتخشى عليه الغوائل.. رغم قوة إيمانها وثبات يقينها.. فإذا رأتنى بعد الثورة فى إحدى القنوات الفضائية أو فى الصحف سعدت من داخلها ولكنها تقول: «يا بنى يقطع الجرايد والقنوات وسنينها.. مالنا إحنا ومالها».. فأطيب خاطرها.. فتضحك وتمضى الحياة صافية.
وكانت رحلة الحج مع أمى أغلى فترة عشناها سويا منذ أكثر من ربع قرن..قرابة شهر كامل لم نفترق.. لم أشأ أن تأكل مع النساء.. فكنت أحضر الطعام فى الفندق ونأكل سويا.. أو نأكل فى ساحة الحرم.. أو فى المطاعم الفاخرة فى مكة والمدينة.. شعرت أنها أغلى الأيام وأحلاها وأجملها.. كنت أدفع الكرسى المتحرك الذى تجلس عليه فى الطواف بسعادة غامرة.. فكم حملتنى قبل ذلك.. وكم آوتنى.. كم ضحكنا سرورا.. وكم خشعنا وبكينا..كم دعونا دعاء ً طويلا.. وكلانا يؤمن على دعاء الآخر.. كان لسانها متدفقاً بالدعاء لكل الناس..لا تكره أحداً ولا تدور حول ذاتها. إنها أيام الحب الخالص لله سبحانه ولرسوله «صلى الله عليه وسلم» ولأمى.. وهى أعظم من وجدتها تحب الله ورسوله وإيمانها وتقواها وصلاحها أعظم منى ملايين المرات.. ازدريت إسلامى إلى جوار إسلام هذه المرأة البسيطة.. وعبادتى إلى جوار عبادتها.. لقد ظلت تصوم الليل حتى آخر عمرها.. لم تأكل لقمة واحدة من الحرام.. تحسن إلى جيرانها.. يفيض حبها على الجميع.. تتحدث عن الجميع بالخير.. لم أرها تكره أحداً.. ولم أجد أحداً يكرهها.
آه يا أمى.. أنت الإسلام بحق وأنا العملة المزيفة..فكم من عوام المسلمين من هو أفضل إسلاماً وأعظم يقيناً وتوكلا من أكابر الدعاة والوعاظ..رحمك الله يا أمى.. يا من تعلمت ومازلت أتعلم منك الكثير.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.