للمرة الثالثة أعود للكتابة عن هذا الصداع الذي يتعرض له الشعب المصري وعلي وجه الخصوص الأسر التي لديها طلاب أو طالبات في الثانوية العامة وقد دفعني للكتابة المتكررة حول هذا الموضوع الاهتمام المبالغ فيه من قبل وزارة التربية والتعليم والتصريحات الصحفية المتوالية عن هذه الشهادة وكأن التعليم في مصر وقف عندها.. وأن الثانوية العامة هي البداية والنهاية ولا شيء آخر. وبصراحة فإن وزارة التربية والتعليم أولت هذا الاهتمام البالغ بصورة أكثر وأعمق من الوزارات السابقة. وقد لاحظت أن هناك تركيزاً شديداً علي منع الغش.. وكأنها قاعدة عامة وأن الطلاب كلهم غشاشون في حين أن ذلك غير صحيح لأن من يقوم بالغش هم أعداد محدودة للغاية. وكنت كلما سمعت وزير التربية والتعليم وهو يتحدث في المحطات الفضائية عن الاستعدادات الضخمة التي اتخذها لكي يمنع تسرب أسئلة الامتحانات.. أقول ياريت..!! وفي إحدي المرات قال أتحدي أن يتسرب سؤال واحد أو امتحان واحد هذا العام.. ومن الطبيعي أن كل هذه التأكيدات جعلت الناس تصدق أنه لن تحدث حوادث غش! ويبدو أن القائمين علي أمر الثانوية العامة نسوا أن الغش أصبح له أدوات مختلفة تماماً عن الماضي. هناك استخدام لأجهزة الكمبيوتر المتناهية الصغر وهناك تنوع غريب في كل هذه الأجهزة حتي قبل. ولا أدري مدي صحة هذا القول بأن بعض أجزاء بطاقات الائتمان قد استخدمت في نقل أسئلة الامتحان. المهم.. حدثت الفضائح وضاعت تأكيدات الوزارة وتسربت بعض الامتحانات.. إذن لماذا كانت كل هذه الإجراءات والاستعدادات والتكاليف الهائلة التي تكبدها الشعب المصري ثم بعد ذلك حدث ما حدث من حالات تسرب الأسئلة. المفروض أن وزارة التربية والتعليم.. وأعلم أن لديها مناهج وبرامج يتم تدريسها لتلاميذ حول استخدامات "النت والكمبيوتر" أن تعرف الوزارة مسبقاً هذه الأساليب الحديثة في الغش.. فما كان يتبع في الماضي لم يعد يصلح حالياً وسط هذا التقدم العلمي المذهل. والواقع أنني أتساءل ماذا تفعل دول العالم التي لديها شهادة مثل شهادة الثانوية العامة. هل يطبقون ما نطبقه نحن.. بالتأكيد هذا لم يحدث وأعتقد أنه لن يحدث وبالتالي لماذا لا تتعرف يا سيادة الوزير علي الأساليب المطبقة في الخارج وعن إمكانية الاستفادة بها عندنا.. من غير المعقول أن نستمر علي نفس الأسلوب الذي ساد التعليم عندنا منذ سنوات طويلة.. لابد أن يتغير الأسلوب القديم ونسعي لتطبيق الأساليب الحديثة المتطورة خصوصاً السهلة منها وأعلم أن الرد سيكون أن أعداد طلبة الثانوية العامة عندنا أضعاف أضعاف تلاميذ أي دولة. ولو كان العدد يشكل مشكلة فالواجب أن نعالج هذه المشكلة.. أيضاً. زمان.. كانت نتيجة الثانوية العامة ذات شقين.. الشق الأول خاص بطلاب المدارس الحكومية.. وكنا بالفعل نفتخر بأننا تلاميذ في مدارس حكومية.. لأن النتائج دائماً كانت فوق أي مستوي.. وكانت الدراسة فيها حقيقية لا وهم فيها والمدرسون جادون فيما يؤدونه.. أما الدروس الخصوصية فكانت نادرة وقاصرة علي أعداد محدودة للغاية أما الشق الثاني فهو الخاص بنتائج المدارس الخاصة وطلبة المنازل. وكانت النتائج لهذا الشق تشير دائماً إلي عبارة "لم ينجح أحد" ودارت الأيام وانقلبت الأحوال وأصبح طلاب الثانوية العامة لا يذهبون إلي مدارسهم من اليوم الأول لبدء الدراسة.. ويقبعون في منازلهم يذاكرون ويلتحقون بمراكز الدروس الخصوصية.. وتحولوا بذلك من طلاب منتظمين إلي تلاميذ منازل.. ومدارسهم الحكومية لم تعد تلزمهم لأنهم يدرسون في مراكز الدروس الخصوصية والتي يحصل طلابها عادة علي مراكز متقدمة.. كيف تسمحون بذلك ياسيادة الوزير.. وبصراحة لست أنت الأول ولكن كان ذلك متبعاً في عهود الوزراء السابقين.. ولأن مراكز الدروس الخصوصية تبدأ في تلقي طلبات التلاميذ قبل إعلان نتائج الثانوية العامة عادة.. فإنني أتساءل.. ماذا ستفعل يا سيادة الوزير.. هل ستمنعونها وتغلقونها وتشجعون التلاميذ علي الذهاب إلي مدارسهم وتقنعون المدرسين بأن يذهبوا إلي فصولهم ويخلصوا في التدريس لتلاميذ المدرسة كما يفعلون في مراكز الدروس. لقد ذكر لي الطلاب بأن الدراسة في هذه المراكز أعمق فائدة ويحققون كماً هائلاً من التحصيل العلمي.