في احدي جلسات مجلس الوزراء التي انعقدت في شهر مايو 1968 فاجأ الرئيس جمال عبدالناصر وزير التربية والتعليم الدكتور حلمي مراد قائلاً "إن التعليم وصل إلي حالة غير مرضية ومستواه يتدهور سنة بعد أخري ورغم أن التعليم مجاني في جميع المراحل إلا أن الناس تدفع مبالغ باهظة في الدروس الخصوصية لأبنائها.. والامتحانات أصبحت كابوساً لكل طالب وأسرته. وفوق ذلك فإنه لا تكاد تمر سنة إلا ويتسرب امتحان أو أكثر". واستمع الدكتور حلمي مراد إلي هذا النقد من الرئيس.. ولكنه لم يستطع أن يفعل شيئاً وترك الدكتور حلمي الوزارة وتبعه وزراء آخرون ومستوي التعليم في هبوط مستمر.. الكل يطالب بتطوير التعليم وتطوير المناهج ولكن لا شئ يتغير.. وأعود إلي العام الدراسي الحالي.. ولنا أن نتصور كيف أن معظم طلاب وطالبات الثانوية العامة لم يذهبوا إلي المدرسة اعتباراً من أول يوم دراسي.. ولنا أن نتصور أيضاً أن فصول الثانوية العامة في عدد كبير من المدارس الحكومية أغلقت أبوابها لعدم وجود طلاب.. والطلاب لا يذهبون إلي مدارسهم لأنهم يعتقدون أن ذهابهم يعني مضيعة للوقت.. وبالتالي نشطت مراكز الدروس الخصوصية ونافست المدارس الحكومية وبالطبع كان الانتصار حليفها.. بالذمة هل هذا كلام.. أين كانت الإدارات التعليمية وأين كانت الوزارة وفصول الثانوية العامة بمدارسها لا يوجد بها طلاب.. لماذا اذن كانت هذه الفصول ولماذا إذن كان هناك مدرسون للتدريس ولماذا كل هذه الأموال الطائلة التي انفقتها الوزارة علي الثانوية العامة.. واضح أن الوزارة أغمضت عيونها عن هذه السلبية.. التي اكتشفها الرئيس عبدالناصر منذ نحو 46عاما.. ولم يتم التحرك نحو أي تطوير أو انقاذ.. وقد يبرر البعض ما حدث هذا العام بسوء الأوضاع الأمنية.. ولكن لا يمكن اعتبار هذا مبررا لعدم ذهاب التلاميذ إلي مدارسهم لأن باقي تلاميذ السنوات الدراسية الأخري واظبوا علي الحضور وطبعاً ستتكرر هذه المأساة في العام الدراسي المقبل ويلتحق الطلاب بمراكز الدروس الخصوصية والتي تبدأ الدراسة فيها اعتباراً من النصف الثاني من شهر أغسطس. بصراحة هذا النظام التعليمي الفاشل مازالت وزارة التربية والتعليم تصر عليه.. والأمر المؤكد أن دول العالم المتقدمة لديها أساليب أخري غير هذه الشهادة التي تطبق في مصر منذ نحو مائة عام.. والوزارة لا تريد أن تغيرها أو تطورها واذا أرادت التطوير بأن يكون للأسوأ لا للأفضل. والغريب أن الامتحانات التي تعقد للطلاب تجري في نفس الظروف والمناخ التي يسود كل عام حيث تهتم الدولة بكل أجهزتها بهذه الامتحانات لدرجة أن أوراق الأسئلة تنقل بالطائرات .. كما حدث العام الحالي.. ويفرضون نظاماً هائلاً من السرية خشية تسرب الأسئلة.. ورفم ذلك فإن تسريبها حدث ويحدث .. وتبريرات الوزارة تتنوع لدرجة أن وزير التربية والتعليم أعلن منذ أيام قليلة بأن تسريب الأسئلة حدث بعد بداية الامتحانات وليس قبلها. ولي أن أتساءل لماذا لا يتم تطوير الامتحانات لتساير التقدم العلمي السائد.. من غير المعقول أن تكون الامتحانات التي كانت تجري منذ أكثر من خمسين عاماً.. تتم في القرن الواحد والعشرين بنفس الأسلوب وربما كانت الامتحانات في الثانوية العامة قديماً أفضل من الآن حيث كانت هناك اختبارات شفهية بجانب التحريرية.. حرام أن يتعرض أولادنا من طلاب الثانوية العامة لتجارب الوزارة الفاشلة.. ويتعرضوا أيضاً لحرمانهم من الاجازة الصيفية التي كنا نتمتع بها زمان!