اهتزت مصر كلها من أقصاها لأقصاها لوفاة الشاعر الكبير عبدالرحمن الأبنودي.. ونعاه الشعب كله وودعه وداعاً يليق بتاريخه في حب مصر وسريان نيلها في دمه يفيض بحبه علي فقرائها قبل أغنيائها ومدافعاً عن المهمشين من أبنائها. كانت روحه تحلق دائماً في أجواء مصر.. ترابها وسمائها.. نيلها وزرعها.. يفترش أرضها.. ويحلو له الجلوس فوق مصاطبها.. يعشق أبناء ريفها.. يسامرهم في أشعاره.. ويحزن لأحزانهم.. كانت كلمة "مصر" تهز وجدانه من أعماقه. نشرت صحيفة "المصري اليوم" آخر قصائده قبل وفاته.. ودعوني أنقل للقارئ بعض أبياتها التي تهيم في حب هذا الوطن العظيم: ويا مصر إن خيروني ما أسكن إلاكي ولأجل تبتسمي.. ياما ببات.. باكي تسقيني كاس المرار.. وبرضه باهواكي بلدي!!.. ومالي إلا انتي.. ولو ظلمتيني مقبولة منك جراح قلبي ودموع عيني الجرح يُشفي.. إذا بأيدك لمستيني كلك حلاوة.. وكلمة "مصر" أحلاكي. وفي تلك القصيدة الرائعة تحدث عن الفقر والفقراء وقال ضمن ما قال: سامع دموعهم سمع.. ومع الفقير ليه صوت دمعة بطول السنين من الميلاد.. للموت الفقرا.. ربك عشانهم بس.. خلق الصبر والصبر زاد الفقير.. من ولدته للقبر ما هو لولا صبر الفقير.. ازاي حياته تفوت *** صابر علي الجرح لا بعاني عطش ولا جوع وإن ما شافتني عينيك.. صوت الدموع مسموع مال النخيل ع المصاطب خد مكاني في الضل علمني أصبر علي الغريمين عدو أو خل وإذا ما شوفناش نتيجة.. نغير الموضوع!! *** الحمد لله خلقني فقير رقيق الحال لا طلعت تاجر ولا طلعتش رجل أعمال لا مساومة ولا غش ولا بشوف الدنيا من خرم قرش ولا بشيل الميه في الغربال *** والحمد لله خلقني حتة من ناسي وبنام براحتي.. لأن فراشي بمقاسي مكفي بيتي حلال وكل من شافني يقول "يا خال" عابر سبيل.. ورأيي من راسي *** وعملت قبة جميلة وتحتها مرقد في آخر الرحلة هافرش فيه واتمدد لنوم بلا صحوة ماحاخدش في ايد الزمن غلوة وكل ألواني هتهرب.. ماعدا الأسود *** هكذا كانت قصائده تعبر عن وجدانه وأحاسيسه تجاه وطنه وتجاه فقراء مصر.. واعتزازاً بعزته وشرفه.. منتظراً ساعة الخلاص التي أتت في موعدها.. وليقول: في آخر الرحلة هافرش فيه واتمدد.. لنوم بلا صحوة!! قال تعالي: "فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون" صدق الله العظيم. رحمك الله يا خال أبنودي رحمة واسعة.. وألهم مصر والمصريين ومحبيك الصبر.. "إنا لله وإنا إليه راجعون".