رحل الشاعر عبد الرحمن الأبنودي عن عالمنا، عن عمر يناهز 76 عامًا، بعد صراع طويل مع المرض، ليقابل ربه في ذكرى وفاة العم صلاح جاهين، وسيد مكاوي. "حيًا أو ميتًا أنا عبد الرحمن الأبنودي.. عِشت حياتي طفلًا، أحببت هذا الوطن والناس، متنسونيش ولا عايز أتلف في علم ولا ملاية، عايز أرحل من بره بره كده"، قالها الراحل قبيل رحيله بأسابيع خلال حوار أجرته معه إحدى القنوات التليفزيونية، ليوجه أخر رسائله للمصريين. فنان حر طليق، صادق، بسيط، صبغ أفكاره بكلمات بسيطة عبّر من خلالها عن العامة، عن الواقع، عن الثورة والغضب والحب والجنون، واحدًا من أشهر شعراء العامية في مصر والعالم العربي، ولد في محافظة قنا في صعيد مصر، لأب كان يعمل مأذونًا شرعيًا، وانتقل إلى مدينه قنا حيث استمع إلى أغاني السيرة الهلالية التي تأثر بها. عبد الرحمن الأبنودي، الذي قال عنه يحيى حقي، إنه يشبه "قرص العيش البلدي بالسمنة الفلاحي"، منوهًا عن خالص محبته وتحيته لهذا التشبيه الذي أسعده كثيرًا. "الخال" هو اسم الكتاب الذي صُدر مؤخرًا للكاتب الصحفي محمد توفيق الذي يشير إليه عن قرب ب"هذا هو الخال كما عرِفته.. مزيج بين الصراحة الشديدة والغموض الجميل، بين الفن والفلسفة، بين غاية التعقيد وقمة البساطة، بين مُكر الفلاح وشهامة الصعيدي، بين ثقافة المفكرين وطيبة البسطاء.. هو السهل الممتنع، الذي ظن البعض -وبعض الظن إثم- أن تقليده سهل وتكراره ممكن". "عمر ما تخيلت إنّي بحب أمي بالشكل ده، كلامها شِعر، وخدت منها أغاني كتيرة"، هكذا تحدث عن والدته، كاتبًا إليها قصدية "أمي والليل مِليل طعم الذات القليل، بترفرف قبل تِرحل جناح بريشات حَزانه.. تُقف للموت يُوماتي، مجاشي ابن الجبانة". شبّه صلاح جاهين ب"الطفل الكبير الغني الملئ بالإنسانية"، معبرًا عن حبه الشديد لكلماته التي قال فيها، "أنا قلبي قَلعة نحاس، صَهدت على الحُراس داخوا.. ولما زاد الصهد، ساح قفلها، ملعون في كل كتاب يا داء السكوت، ملعون في كل كتاب يا داء الخرس، الصمت قضبان منسوجين عنكبوت، يتشندلوا الخَيّالة فيه بالفرس، يتشندلوا الخَيّالة، واشحال بقى، عصافير غناوي ملونه رقيقة، حياتها في الزقزقة.. وأنا قلبي طير خير، إن ما غَنّاش يموت". "مصر محاصرة بكلاب من كل ناحية، احنا على الحافة.. هكون خاين لو زقيت مصر ناحية الكلاب دول"، كلمات عبّر بها عن الواقع المصري الآن، الواقع الذي خوّنه واتهمه بالجنون، ورسم على صوره علامة الموت التي أغضبته كثيرًا قائلًا "قتلوني، ورسموا عليا علامة الموت". كتب لمصر "يا مصر وإن خيّروني ما أسكن إلاكي، ولجل تتبِّسمي ياما بابات باكي، تسقيني كاس المرار وبرضُه بهواكي، بلدي ومالي إلا إنتي ولو ظلمتيني، مقبولة مِنِّك جراح قلبي ودموع عيني، الجرح يشْفى إذا بإيدك لمستيني، كلّك حلاوَة وكلمة مصر أحلاكي". حصل "الخال" على جائزة الدولة التقديرية عام 2001، ليكون بذلك أول شاعر عامية مصري يفوز بجائزة الدولة التقديرية، كما فاز بجائزة محمود درويش للإبداع العربي للعام 2014. كلمات أغنية وردة "قبل النهارده" هي أكثر الكلمات التي كتبها وعبّر من خلالها عن الحب، الذي وصفه ب"مفتاح الفرج": "أنا ياما قلت خلاص وقولت فات الوقت، وأتاري عمر يا ناس بيبتدي دلوقتي.. وكلمة قولتها قبل النهارده مهيش مني وأنا مقولتهاش، وضحكة ضحكتها قبل النهارده مهيش صوتي وأنا مضحكتهاش، وأيام عيشتها قبل النهارده مهيش عمري وأنا معيشتهاش.. حبيبي معاك عرفت أرتاح وأهدى، وقبلك دنيتي معرفتهاش، وقبلك كُلي مش محسوب عليا، وقبلك ضاعت الأيام بلاش". من أشهر دواوينه الشعرية "الأرض والعيال"، "الزحمة"، و"جوايات حراجي القط"، والسيرة الهلالية"، و"الأحزان العادية"، كما كتب عدد من الأغاني التي غنت في السينما المصرية أشهرها "عدى النهار"، و"احلف بسماها وبترابها"، "أحضان الحبايب"، و"طبعًا أحباب"، وغيرهم الكثير والكثير من الدواوين والأغاني.