لأن الثعلب أخفق في التقاط العنب من فوق الكرمة. فقد انصرف معزياً نفسه بأن العنب حصرم. ذلك هو موقف من خذلته فنية القصة القصيرة. فأعلن وفاتها. "خمس دقائق" المجموعة القصصية الجديدة للمبدعة زينب عفيفي. تأكيد علي أن وفاة القصة القصيرة لا تعدو إعلاناً عن وفاة موهبة صاحب الزعم الغريب. المجموعة تضم 19 قصة قصيرة. كل قصة من صفحتين إلي ثلاث صفحات. تفاعل الفنون يضفي علي قصص المجموعة تميزاً لافتاً. ثمة التبقيع اللوني والكولاج والهارموني الموسيقي والتقطيع والفلاش باك والحوار الدرامي. ثقافة معرفية أتاحت لزينب عفيفي أن تفيد من تفاعل الفنون. أو وحدتها. في صياغة إبداع له رؤاه وفنيته. الهارموني الذي يسم المجموعة يجعل من قصصها لوحات منفصلة. بل إنها بالتقديم والتأخير. والحذف أحياناً إضافة إلي السرد الروائي. عمق المعني ما حفلت به آخر قصص المجموعة من الشخصيات والأحداث. تصلها وشائج واضحة. إنها نهاية روائية. اللوحات عن الطفولة. وتعدد الأصوات يصدر عن مرحلة الطفولة المعاشة. أو يستعيد ما كان.. تتوالي مراحل العمل إلي الشيخوخة. تظل الطفولة هي النبع الذي ننهل منه المعاني الجميلة.. حتي الإهداء إحالة إلي الطفولة. ومقولة ساراماجو عن السنوات الأولي من حياتنا. سنوات البراءة التي لا ننساها. النشأة والذكريات والأحلام التي يصعب أن تطمسها الحياة. ظني أن كل طفل يتذكر فرحة العيد. حين تصبح الأحلام فستاناً جميلاً. وحذاء ينام بجوارنا حتي الصباح. ومرجيحة تأخذنا وتطير بنا فوق السحاب. ولأن القصص أقرب إلي متتالية عن الطفولة. فهي قصص عن الأسرة. وعن العلاقات الإنسانية بعامة تختلف ملامحها عندما تكبر. ما كان فسيحاً وعالياً. يختزل. لا يبدو كما نتذكره. أشير إلي قول يحيي حقي: الماضي مهما كان مراً. فهو حلو. ثمة حضن علي المقاومة يطالعنا في قصة "الإرث" عن الذين يرثون العمي. لكنهم في الوقت نفسه يرثون الإصرار علي رفض اليأس. معظم قصص المجموعة مغلقة النهاية. نهاية موباسانية. لحظة تنوير تسبقها البداية والوسط. النهاية المفتوحة هي ما نغادر به الإبداع السردي منذ جعله العظيم تشيخوف نهاية لقصصه. تمنيت لو أن زينب عفيفي حذفت آخر السطور علي معظم القصص. سطرين أو ثلاثة. يتحقق بحذفهما اكتمال القصة. تراثنا القصصي يمتد عشرات العقود. تحققت للمبدع والقاريء حصيلة رائعة. صار احترام المبدع لخصائص الفن وآفاقه الجديدة ضرورة. فضلاً عن احترام ذكاء القاريء الذي لابد أن تعيده عملية القراءة إلي أعمال أخري قرأها من قبل. الأسلوب يخلو من الجهارة والافتعال والترهلات. وإن وضعتنا الفنانة من خلال عنايتها بالتفصيلات والمنمنمات في داخل الشخصية. وما يحيط بها من أماكن وأحداث. خمس دقائق تطرح ثماراً طازجة. تدين بفنيتها المتفوقة "تعديد" فاقدي الموهبة. وأنهم نعوا في وفاة القصة القصيرة زوال موهبتهم!