أحاديث كثيرة تتناثر هنا وهناك. حول المناطق الحدودية بين مصر وليبيا. وحكايات يسردها الكثيرون عن دروب المهربين. للبشر أو السلاح أو المخدرات. وحتي نعرف الحقيقة قررنا القيام بمغامرة السير في بعض المسالك والدروب الصحراوية التي يستخدمها المهربون من مصر إلي ليبيا. رافقنا في المغامرة 4 من الأصدقاء بالطبع ليسوا مهربين ممن لهم دراية كبيرة بكافة الطرق والمسالك التي تعد منفذاً غير شرعي في الدخول والخروج للحدود الغربية. أعددنا ثلاث سيارات. مما تستخدم في رحلات السفاري. وتزودنا بما يكفينا من غذاء لنا ووقود. واتفقنا أن تكون ساعة الانطلاق من مدينة سيدي براني غرب مطروح بعد أداء صلاة العشاء. وبالفعل ركبنا كل اثنين في سيارة وانطلقت أمامنا سيارة يقودها شخص بمفرده. وهو الدليل ورغم أنه في العقد الثالث. لكن خبرته تفوق مائة عام. بدأ أحد رفاقي الحديث. قائلاً: يبلغ طول الحدود المصرية الليبية نحو ألف و50 كيلو متراً من الشمال عند البحر المتوسط وحتي الحدود المصرية السودانية. وتشهد هذه الحدود تشديدات واستنفاراً أمنياً خاصة في ظل تهديدات الجماعات الإرهابية: "الإخوان وأنصار الشرعية وداعش". ويتركز التشديد الأمني المصري في السلوم خاصة المنفذ البري ومن ناحيتي الهضبتين البحرية والقبلية بامتدادهما. 3 قطاعات للتهريب أضاف: رغم ذلك. فإن خروقات المهربين لا تنقطع ومهما كانت التشديدات الرقابية الحدودية. فلهم سبلهم ومساربهم ودروبهم من وإلي ليبيا.. مشيراً إلي أن تأمين الحدود مع ليبيا ينقسم إلي ثلاثة قطاعات: الأول يمتد من ساحل البحر المتوسط. إلي منطقة واحة جغبوب الليبية بطول 200 كيلو متر. والثاني من جغبوب إلي واحة سيوة المصرية بطول 65 كيلو متراً والقطاع الثالث من واحة سيوة حتي نقطة جبل العوينات بطول 785 كيلو متراً. الذي يعد الأكثر صعوبة في تأمينه بسبب طوله واحتياجه إلي طائرات استطلاعية وتفتيش بصورة متكررة خاصة الجزء المعروف بالمثلث الحدودي بين مصر وليبيا والسودان. وادي العقرب يعد وادي العقرب أشهر أودية التهريب جنوبي منفذ السلوم البري. جنوب المنفذ الحدودي حيث يوجد العديد من الدروب والمدقات الجبلية والصحراوية التي يسلكها المهاجرون غير الشرعيين وتجار المخدرات والسلاح عبر الأودية الجافة ذات الطبيعة الصخرية شبه الممهدة مما يسهل حركة السير من خلالها. ويتجاوز عدد هذه الدروب الصحراوية. العشرة.. وأشهر الأودية المستخدمة في عمليات التسلل ثلاثة: مدق وادي العقرب. ووادي الرمل. ووادي الماسورة. انطلقت السيارات وكأنها تعرف طريقها وغايتها ولا شيء يحرك سكون المشهد الليلي سوي الوصول إلي منخفض بعد أن انحرفنا عن الطريق الممهد لنسلك مدقاً صحراوياً. تفقد فيه نهاراً إحساسك بالاتجاهات فما بالك بالسير ليلاً. ورغم ما يشوب المغامرة من مخاطر إلا أن رغبتي في انجاز ما كلفتني به الجريدة. كانت دافعي لخوض الغمار. وكانت ثقتها شعاع نور في الصحراء المظلمة من حولي. خفف من مشاعر القلق المتناقضة بداخلي. أشد المدقات خطورة يواصل رفيق المغامرة سرده. حيث لاحظ صمتي وشرودي. وقال انه يوجد أودية أخري تنتشر جنوبي المنفذ ولكن غير مسماه ويعرفها البعض ويحفظون مسالكها ذهاباً وإياباً بين مصر وليبيا.. فالوديان تنتشر بكثرة أعلي هضبة السلوم شاسعة المساحة. التي ترتفع فوق سطح الأرض بنحو 200 متر ويسير فوقها خط الحدود الفاصل بين مصر وليبيا. وتمتاز بحافة شديدة الانحدار علي مدينة السلوم والبحر المتوسط حيث خليج السلوم. ويوجد مدقات أخري جنوبي المنفذ شمال نقطة "واعر" علي الحدود بين البلدين ويعد وادي النصراني أشد المدقات الصحراوية خطورة علي الحدود بين مصر وليبيا. وبعد مسيرة ساعتين. أو ما يزيد قليلاً فالإحساس بالوقت منعم توقف دليل رحلتنا في وادي منخفض وتوقفنا خلفه بالطبع. حتي لا نضل الطرق. وقد تجمعنا علي آثار إعاشة. حيث بقايا الطعام وزجاجات المياه والعصائر. مما يدل علي أن هناك من سبقونا للمكان. ولكن ليس بوقت بعيد. فاجأني الرفاق بالحفر في الرمال واستخراج حقيبة بلاستيك لأكتشف أن بداخلها أدوات عمل الشاي "براد وأكواب وولاعة ونعناع".. وقبل أن أسأل أجابني رفاقي بأن من يخرجون إلي الصحراء في اتجاه ليبيا يعرفون هذا المكان ويستخدمون الأدوات ثم يتركونها بعد تزويدها بما يمكن أن يكون معهم من مؤن زائدة. بعد الانتهاء من الاستراحة تم إعادة الأدوات لمكانها وواصلنا الرحلة. مررنا علي أودية عديدة أبرزها وأكثرها شهرة: وادي نجاة. ووادي ميراد الحطية الذي يتسم بالوعورة في أرضيته ولا يوجد أي مظاهر للحياة النباتية أو الحيوانية حتي الحشرات لا تعيش فيه.. فهذه الطرق محفوفة بكثير من المخاطر التي قد تهلك الشخص الذي يسلكها قبل بلوغ غايته. وهذه الأودية يتراوح طولها بين 10 و20 كيلو متراً حتي حدود ليبيا. فجأة. بدأ في الأفق ضوء كشافات سيارات متقطع. وقال رفيقي إنها أضواء حرس الحدود الليبي فقد اقتربنا من اجتياز الحدود دون أن يعرضنا أحد. إنها الطريقة التي يقوم بها الكثير من المهربين سواء السلاح أو المخدرات أو تهريب الشباب إلي ليبيا ولكن كما يقول رفاقي: يترك المهربون بضاعتهم عند مشاهدتهم القوات. وإن كانت القوات مصرية يهربون للأراضي الليبية وإن كانت ليبية يهربون للأراضي المصرية وسط بحر الرمال العظيم أو الكثبان الرملية المنتشرة علي الحدود. أشهر أودية التسلل وصلنا منطقة وادي الجدي ومنه إلي وادي القرن وهما أكثر الوديان شهرة عند مهربي البشر إلي ليبيا التي أصبحت رائجة هذه الأيام.. ثم وصلنا إلي الأراضي الليبية قبل الفجر حيث واحة جغبوب لنقصد منزل أحد معارف رفاقي الذي أحسن استقبالنا وقدم لنا مائدة إفطار من لحم الضأن. بعدها أخذنا قسطاً من النوم واستيقظنا ظهر اليوم التالي. لنتجول في الواحة التي لا تختلف كثيراً عن سيوة وكان يربطها بسيوة منفذ جمرك سيوة قبل ثورة 23 يوليو. ثم بدأنا الاستعداد لرحلة العودة إلي أراضي مصر المحروسة لنؤكد أن هناك العديد من المناطق الحدودية مازالت مخترقة. وإلا ما كان للقوات في ليبيا أن تضبط المئات أسبوعياً بعد تسللهم وتعيدهم لمصر. فضلاً علي عشرات الملايين من الأقراص المخدرة والسجائر المسرطنة التي تتدفق علي الأراضي المصرية. جزء يتم ضبطه. والباقي يدخل البلاد.