أشارت تحليلات ودراسات كثيرة صدرت خلال السنوات الماضية . إلي أن محاولة إنشاء دولة جديدة في حوض النيل عن طريق تقسيم السودان إلي دولتين. شمالية وجنوبية. هي في الاساس مؤامرة صهيونية صليبية لضرب الاستقرار في وادي النيل والتحكم بدرجة أو أخري في مياه النهر الخالد وتطويق قلب العالم العربي من ناحية الجنوب وأكد ذلك التدخلات المباشرة وغير المباشرة من قبل مراكز هذا التحالف غير المقدس في كل مراحل تطور هذه القضية لدرجة أصبح معها إنكار ذلك نوعا من تجاهل الواقع المشاهد والملموس . ورغم ذلك انبري العديد من المحللين والدارسين للدفاع عن وجهة النظر المضادة باعتبار القول بنظرية المؤامرة عموما وفي هذا الموضوع خصوصا نوعا من التخلف والرجعية وقفزا علي معطيات الأسباب الموضوعية وإخلاء لزمة المسئولين عن تردي الاوضاع في الجنوب السوداني خلال العقود السابقة وكأن فكرة المؤامرة قد انتهت ولم يعد علي ظهر الارض من يتآمر علي غيره . وكان لزاما بحكم طبائع الامور أن يحدث شئ ما يحسم هذا الخلاف بين الرؤيتين وقد حدث هذا فعلا منذ ايام حيث أعلن "سلفا كير" نائب الرئيس السوداني ورئيس حكومة الجنوب انه لا يستبعد فتح سفارة لاسرائيل في جوبا وبرر ذلك بأن إسرائيل لا تمثل عدوا للجنوب السوداني وإنما عدوا للفلسطينيين فقط ولا شك أن هذا إعلان مبكر عن توجه النظام القادم في الجنوب ليس فقط من القضية الفلسطينية ولكن من مجمل القضايا العربية والاسلامية. وأيا ما كان فإن ما يحدث وما سوف يحدث في جنوب السودان تتجاوز اهميته منطقة حوض النيل لانه ليس الا حلقة في مخطط عريض طويل يستهدف اعادة رسم المنطقة سياسيا وسكانيا وبالتالي اقتصاديا وعسكريا وربما اجتماعيا ايضا اذ لا يخرج ذلك ابدا عما عرف منذ سنوات بالشرق الاوسط الجديد والكبير بالصياغة الامريكية التي طرحتها الولاياتالمتحدةالامريكية في ظل ادارة غير المأسوف عليه بوش الصغير. وتكمن خطورة ما يحدث في أن نجاح التحالف الصهيوني الصليبي في فصل الجنوب عن الشمال في السودان قد يكون تجربة ربما تتكرر في دول أخري مستهدفة وداخلة في إطار ما يمكن تسميته ب "بروتوكول صهيون الجديد " الذي أعلن عنه لأول مرة علي صفحات مجلة "كيفونيم" الصهيونية منتصف الثمانينات والتي قدرت فترة تنفيذه بحوالي عقدين أو ثلاثة من بداية التسعينيات . وبالإشارة إلي المقال المذكور يتبين ان معظم بل كل الدول العربية داخلة في المخطط الذي يجري تنفيذه الآن علي قدم وساق وهو ما يثبت يقينا ان الأمن القومي العربي مخترق تماما وأن هذه الدول المستهدفة لا تعطي أي اهتمام لهذا المخطط؟ ربما لأنها تتصور أن ما يقال عن هذه المؤامرة مجرد اوهام لن تتحقق متناسية ان فكرة انشاء إسرائيل ذاتها بدت في فترة ما وهما لا يمكن ان يتحقق. جاء في هذا البروتوكول مثلا.. "أما العراق الغني بالبترول وبالصراعات الداخلية فهو علي خط التسديد الإسرائيلي فتفكيكه بالنسبة الينا أعظم من تفكيك سوريا والسودان ولبنان" . وجاء فيه.. " ان تقسيم لبنان الي خمسة اقاليم يعطينا مقدما صورة عما ينبغي ان يحدث في مجموع العالم العربي فتفجير سوريا والعراق الي اقاليم محددة علي اساس عرقي او ديني يجب ان يكون علي المدي الطويل هدفا ذا اولوية بالنسبة لإسرائيل والمرحلة الاولي هي تدمير القوة العسكرية لدي هذه الدول ثم ان البنية العرقية لسوريا قد ينتهي بها الي انشاء دولة شيعية علي طول الشاطئ ودولة سنية في منطقة حلب واخري في دمشق ورابعة درزية في ارضنا الجولان وهي تتكامل في كل حال مع حوران وشمال الأردن". وجاء فيه أيضا.. "والأردن هدف استراتيجي عاجل وهو علي المدي الطويل لن يكون بوسعه ان يشكل تهديدا لنا بعد تحليله فنهاية ملك حسين ونقل السلطة الي ايدي الأغلبية الفلسطينية هما ما ينبغي أن تتوجه اليه السياسة الإسرائيلية وهذا التغيير يعني حل مشكلة الضفة الغربية ذات الكثافة السكانية العربية وان تهجير هؤلاء العرب الي الشرق في ظرف سلام او علي إثر حرب وتجميد نموهم الاقتصادي والسكاني هما ضمانتا التغييرات المقبلة ويجب ان نعمل كل ما في وسعنا لتعجيل هذه العملية". وجاء فيه أهداف مشابهة لتحقيقها في شبه الجزيرة العربية ومصر فإذا ما تصدعت مصر وحرمت من اي سلطة مركزية فإن بلادا اخري مثل ليبيا والسودان وما هو أبعد منهما سوف تواجه نفس الانقسام فإنشاء دولة قبطية في صعيد مصر ودويلات اخري ذات اهمية ضعيفة هو مفتاح التطور التاريخي الذي أرجأه حاليا اتفاق السلام ولكنه محتوم علي المدي الطويل "وأضاف البروتوكول".. إن استعادة سيناء بمواردها الراهنة هدف ذو أولوية تحول دون الوصول اليه حتي الآن اتفاقات "كامب ديفيد" واتفاقات السلام وبذلك حرمنا من البترول ومن الموارد التي تصدر عنه وتحملنا نفقات باهظة ويجب علينا ان نعمل حتي نستعيد الوضع الذي كان في سيناء قبل زيارة السادات والاتفاق التعيس الموقع معه عام 79. هكذا نري بوضوح ان ما يحدث الآن في العراق وفي لبنان وفي السودان وربما في سوريا ومصر كمحاولات الوقيعة بين ابناء الوطن الواحد مجرد تطبيق عملي لهذا المخطط وربما لا يحتاج ما أوردناه الي تعليق خاصة ان الواقع يثبت فعلا انه مخطط يجري تنفيذه الآن وليس كلاما انشائيا يمكن تجاهله فهل ننتبه ونتحرج باعتبار تقسيم السودان مقدمة لتقسيم دول أخري ام اننا سنبقي مكتوفي الآيدي حتي نجد أنفسنا وقد حل علينا الدور بينما نحن مشغولون بأمور أخري أتفه كثيرا من هذا الخطر الداهم..؟؟!