المتابع للحركة التعليمية والعلمية من المتخصصين وغير المتخصصين.. يتأكد أن التعليم في مصر تحول إلي تعليم "كتاتيب" يسيطر عليه "حيتان" الدروس الخصوصية.. وبما يوضح لكل ذي عينين تراجع الكنانة في هذا المجال الحيوي والهام عشرات السنين للوراء بعدما كانت في المقدمة في بداية القرن الماضي. مصر في عهد محمد علي وصلت إلي قمة التطور في التعليم والبحث العلمي.. فقد قام هذا الحاكم بإيفاد بعثات علمية إلي الدول الأوروبية المتقدمة خاصة فرنسا للنهل من فكرها العلمي المتقدم والرائع أيضا أنه كان يرسل بعثات أطفال لمعايشة نظرائهم في المدارس والمنازل الأوروبية.. والعودة بهذه التجربة الطفولية البريئة إلي كل أطفال مصر. لكن بعد هذه الطفرة لم يستغل الملوك والحكام بعد ذلك ما تم تحقيقه من إنجازات في هذا المجال.. بل أهملوا البعثات ودفنوا المواهب ودمروا المتفوقين.. من أجل أن يبقي أبناء الشعب درجة ثانية يهتفون بأسمائهم ويخضعون لقراراتهم.. ولا يقولون لهم.. "لا" أبدا. ومع مرور السنين تدهور الأمر أكثر وأكثر وازداد سوءا بعد ثورة 25 يناير 2011 المجيدة.. حيث نجح "حيتان" الدروس الخصوصية ومن يتمثل بهم من المدرسين في نقل التعليم من المدارس إلي "الكتاتيب" التي أعدوها وطوروها بالشاشات ومكبرات الصوت والسماعات والترجمة الفورية للغات. والنتيجة التعليمية لذلك بالطبع لا شيء.. لأنه يجلس في "الكُتاب" الواحد أو المكان الواحد أكثر من 100 طالب يدفع الواحد منهم أكثر من 50 جنيها في الحصة الواحدة مقابل أن يتمتع بصوت وصورة "شهبندر" الدروس الخصوصية أو صوت المادة أو البرنس والعلامة إلي غير ذلك من الألقاب. أما النتيجة التربوية فهي بالطبع "صفر".. لأن الطالب يشعر في خضم هذه الظروف السيئة بعدم الانتماء سواء لمدرسته أو لأساتذة أو حتي لنفسه ولأسرته.. ويصير حاقدا علي كل من حوله.. ظنا منه أنهم تعلموا أفضل منه. والوضع الأكثر خطورة والذي جاء نتيجة هذه السياسة العقيمة تجده في المدارس.. فإذا ذهبت إلي أي مدرسة ثانوي عام أو غير عام ستجدها خاوية من طلابها.. وإذا حدث وذهب بعض الطلاب إليها.. فإن ذلك يكون للتسلية وقزقزة اللب ومضغ اللبان وتدخين السجائر. وانضم إلي هذا الركب أيضا تلاميذ وتلميذا .. الشهادتين الإعدادية والابتدائية الذين انتقلوا رغما عنهم وبسبب الإدارات الفاشلة إلي التعليم في "كتاتيب الحيتان" سواء داخل المنازل أو الستائر أو مدرجات الجامعات.. نعم بعض المدرسين يستأجرون مدرجات الجامعات الآن لإعطاء الدروس الخصوصية بها خاصة لطلاب الثانوية العامة. طبعا.. الوضع في الجامعات لا يختلف كثيرا عما يحدث في المدارس فغالبية الطلاب لا يحضرون.. المهم أن يشتروا كتب الأساتذة ومذكرات المعيدين وينضموا إلي مجموعات المراجعة "الدروس الخصوصية" حتي ينجحوا نهاية التيرم! لكن.. ما الحل؟! الحل في تضافر كل الجهود في الدولة من أجل التعليم والبحث العلمي وإعلان عام 2015 أو 2016 عاما للتعليم والبحث العلمي.. مع اختيار كفاءات حقيقية لإدارة المدارس والجامعات في ظل تطوير شامل للمناهج والمقررات وتشجيعا لمواهب في البحث والابتكار. كلمة هامة: انقذوا التعليم والبحث العلمي قبل أن نضيع جميعا ولا نجد من ينقذنا!!