إذا كنا نريد أن نتصدي للأفكار المنحرفة والشاذة التي ظهرت في وقت نحن أحوج ما نكون فيه إلي الانشغال بالبناء والتنمية والعمل والالتفاف حول هدف وطني؛ فعلينا مراعاة فقه الأولويات من خلال أدواته ومضمونه والذي يراعي وضع الأحكام والقضايا في مراتبها الشرعية دون تقديم أو تأخير؛ بحيث لا يؤخر ما حقه التقديم. ولا يقدم ما حقه التأخير. ولا يصغر الأمر الكبير. ولا يكبر الأمر الصغير. كما أن علينا أيضًا مراعاة فقه الموازنات الذي يوازن بين المصالح بعضها البعض والمفاسد بعضها البعض. أو الموازنة بين المصالح والمفاسد. وأن يصهر هذا في بوتقة تجمع هذين الفقهين في علاقة تلازم وتداخل. فكلاهما مرتبط بالآخر. فالموازنات تنتهي دائمًا بالأولويات. وهذا واضح كما ذكرنا آنفًا بما فعله النبي في الفترة المكية وفي صلح الحديبية. ورحم الله الإمام ابن تيمية حين قال: "الواجب تحصيل المصالح وتكميلها. وتعطيل المفاسد وتقليلها. فإذا تعارضت كان تحصيل أعظم المصلحتين بتفويت أدناهما. ودفع أعظم المفسدتين مع احتمال أدناهما هو المشروع". پوعندما نذهب ونري كيف وازن القرآن الكريم بين المصالح بعضها البعض نجد الجواب في آيتي سورة التوبة فيقول الله تعالي: "أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللّهِ لاَ يَسْتَوُونَ عِندَ اللّهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ*الَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِندَ اللّهِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ". فقد وازن بين مصالح مشروعة هي سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام. وبين الإيمان بالله والجهاد في سبيله. فجعل الله الإيمان والجهاد أعظم درجة وأرفع منزلة. أما حينما وازن بين المفاسد فقال تعالي في سورة الكهف: "أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءهُم مَّلِكى يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةي غَصْبًا". "وفي الموازنة بين المصالح والمفاسد يقول تعالي "يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمى كَبِيرى وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَآ أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا". وأمام هذا السيل الجارف من الانحرافات والتطاول علي ثوابت الدين والأمة والطعن في صحابة رسول الله صلي الله عليه وسلم تحتم علينا أن نراعي فقه الأولويات وأن نتصدي لأي فوضي في الخطاب الديني. وهنا يتبادر إلي الذهن تساؤل: هل لنا أن نتأسي بالمرحلة المكية في عهد النبي صلي الله عليه وسلم؟ والذي أصبغ فيها خطابه الدعوي بفقه الأولويات. تلك المرحلة التي انصب تركيزه صلي الله عليه وسلم في بناء العقيدة والدعوة إلي الله والاهتمام بالتنشئة وإعداد جيل قادر علي تحمل هموم الدعوة والوصول بها إلي أقطار الأرض كافة بعيدًا عن إثارة الأمور التي لا طائل من ورائها. فقد كان أكثر ما يشغله هو ترسيخ العقيدة والتوحيد في نفوس المسلمين. وعبادة الله ونبذ ما دونه من شرك وطاغوت. والتحلي بمكارم الأخلاق التي عز وجودها في زمن ظهرت فيه سلوكيات بين المسلمين لا تمت للإسلام بصلة.پ پوإذا كان الشرع الحنيف قد ألزمنا بل وأمرنا في مواضع عدة بمراعاة المصالح ودرء المفاسد عن الأمة؛ فمن الضروري أن تتجه دفتنا إلي القواعد الفقهية پوإلي أدوات الفهم الصحيح پوإلي مراعاة فقه الأولويات والموازنات. والبعد عن العبث والتطاول؛ بحيث إذا حدث تزاحم في أمر ما قُدِّم خير الخيرين ودفع شرُّ الشرين. بما يعود علي الأمة بالنفع والصلاح.