لقيت دعوة الرئيس عبد الفتاح السيسي لتطوير الخطاب الديني التي أطلقها في الاحتقال بالمولد النبوي الشريف منذ أيام استجابة سريعة من شيخ الأزهر ووزير الأوقاف والأئمة والدعاة حيث تم تشكيل لجنة تضم علماء من كافة التخصصات منها ما هو ديني وإعلامي واجتماعي وجميعهم يتميزون بالوسطية والاعتدال لبحث آليات تطوير الخطاب الديني الذي كثر الحديث عنه منذ سنوات ولم يتم تطويره حتي الآن .. في الوقت الذي أقامت فيه مكتبة الإسكندرية مؤتمرا لمواجهة التطرف والبحث عن أسباب عدم تطوير الخطاب الديني. السؤال الذي يفرض نفسه ما هي الآليات التي يجب أن تتبعها اللجنة المشكلة حتي نقضي علي ظاهرة التشدد والتطرف التي اجتاحت مجتمعنا في السنوات الأخيرة ؟. يقول الدكتور حامد أبو طالب عميد كلية الشريعة والقانون جامعة الأزهر الأسبق إن تطوير الخطاب الديني يحتاج إلي دراسة وتنفيذ فالمهمة الأولي تتمثل في التفكير بكيفية تجديده بمعني جعل الخطاب الديني يتناسب وأفكار الشباب والمستجدات في المجتمع والمتغيرات المحلية والدولية. ومن هنا يجب علي الهيئات الدينية وفي مقدمتها الأزهر والأوقاف ودار الإفتاء أن تتعاون فيما بينها لتشكيل اللجان التي تعمل علي ذلك ويكون أعضاؤها من مختلف طبقات الشعب ما بين شباب وشيوخ وعمال وطلاب ومثقفين وغيرهم من جميع الفئات حتي تقف هذه اللجان علي المستجدات في هذا العصر وما يفضله الناس في الحديث .. هل يفضلون الحديث السياسي أم الاجتماعي أم الأسري أم الإنتاجي وهكذا حتي نخرج بابتكار أساليب حديثة ترضي جميع المستمعين وتحقق رغباتهم ثم يأتي بعد ذلك دور تدريب الأئمة والدعاة من المسلمين وغيرهم علي هذا الأسلوب الجديد والحديث في طريقة الإلقاء حتي تصل المعلومات سواء كانت مكتوبة أو مقروءة أو منقولة عبر شبكات المعلومات الدولية أو مصورة في أفلام وغير ذلك بطريقة سهلة وميسرة وبعيدة عن التشدد والغلو. د. حمدي طه الأستاذ بجامعة الأزهر يؤكد أن القضية ليست في تطوير الخطاب الديني بقدر ما هي تتمثل فيمن يقوم بتطوير هذا الخطاب فليس من المعقول أن نؤمن شباب صغار السن ليس لهم خبرة في الحياة ولم يتعمقوا في أمور هذا الدين أو في غيره من الأديان في تشكيل الرأي العام فعندما ننظر إلي الطبيب نجده لا يستطيع أن يمارس مهنته إلا بعد أن يحصل علي سنة امتياز لبيان قدرته في أداء مهمته والمحامي والمهندس لا يمكن أن يقوما بعملهما إلا بعد تدريب فترة والاستفادة ممن هم أكثر منهم خبرة لذلك فإن الواجب أن نلحق هؤلاء الخريجين للعمل كدعاة وتوزيعهم علي المساجد التي يقطن في أحيائها أساتذة الأزهر والذين يتميزون بالخبرة والحكمة في مخاطبة الناس ثم بعد ذلك يحصلون علي شهادة تجيز لهم الوقوف علي المنبر بعدها نحاسبهم علي ما يقدمونه للرأي العام. أكد د. طه أنه لابد أن تتوافر عدة شروط لتطوير الخطاب الديني منها حصول الداعية علي المعلومات المطلوبة وقدرته علي مخاطبة الآخر ويكون ملما بأحكام الآيات القرآنية وأن يكون فصيح اللسان حاضر البديهة وذا سمعة طيبة وأن يلتزم بالزي الأزهري داخل المسجد وخارجه حتي يكون هناك نوع من الوقار .. بالإضافة إلي صرف مكتبة علمية لكل داعية حتي يكون علي دراية بأحكام الدين المعتدلة. أكد الشيخ عبد الناصر بليح المتحدث الرسمي لنقابة الأئمة والدعاة علي أن تجديد الخطاب الديني الذي ينادي به رئيس الجمهورية ويؤكد علي ضرورة تنفيذه لن ينفذ في يوم وليلة ولكنه يحتاج إلي دراسة موضوعية متأنية وآليات لتنفيذه بجد واجتهاد ومثابرة لتحقيق الهدف المنشود من وراء هذا التجديد والتطوير. أشار إلي أنه ينبغي أن يتم الإعلان عن تقديم بحث من السادة الأئمة عن وجهة نظرهم ورؤية كل إمام لهذا التطوير وما هي الأساليب والوسائل التي يتم استخدامها .. وما هي المعوقات التي يجب الحذر منها ثم ما هي الأليات التي ينبغي أن تستخدم في عملية التطوير علي أن يعلن عن المسابقة خلال أسبوع ويتم تسليم الأبحاث لوزارة الأوقاف في موعد أقصاه 15فبراير القادم ويتم تشكيل لجنة لفحص البحوث وإعطاء مكافأة مجزية لأفضل عشرة أبحاث .. بحيث تختار اللجنة أفضل العناصر التي يمكن الاستفادة منها في عملية التطوير. وتقوم اللجنة بصياغة برنامج التطوير كاملاً ومراجعته ثم عرضه علي مشيخة الأزهر تمهيداً لعرضه علي مؤسسة الرئاسة لاعتماده واعتماد الميزانية الخاصة به والقوانين التي ينبغي أن تحكم هذا التطوير حتي يأخذ برنامج التطوير مسار الجد والحزم والصرامة في تنفيذه ويتم التخطيط له علي المدي البعيد لأنه سوف يتعلق بدورات ومناهج وقنوات شرعية سوف يسلكها بمشيئة الله. وفي الإسكندرية اختتم مؤتمر "نحو استراتيجية عربية شاملة لمواجهة التطرف" أعماله بمكتبة الاسكندرية حيث أثارت قضية تطوير الخطاب الديني جدلا بين علماء الدين الذين شاركوا في المؤتمر حول كيفية تطوير هذا الخطاب وأهم القضايا التي تحتاج للتطوير. يقول الشيخ حسن عبد البصير إمام مسجد الشهداء بمصطفي كامل يجب علي كل الدعاة التركيز في نشر سماحة الإسلام وعلي حسن الخلق لأن الإسلام لا يقبل إهدار الدم ولا إحراق الكتب ولابد من الحفاظ علي عقائد الديانات الأخري مشيرا إلي أن الأمة حاليا تعاني من هزيمة نفسية نتيجة ظهور تنظيم داعش والذي يطلق عليه تنظيم الدولة الإسلامية ولابد من التصدي له بكل حزم وشدة . أضاف "إذا وجد الإرهاب وجد الإلحاد" فلابد من نشر التعاليم الصحيحة للإسلام وكيفية التراحم بين المسلمين وشدد علي ضرورة توحيد نظم التعليم لمواجهة الازدواجية لضمان تشكيل العقل العربي والاعتماد علي التوازن المعرفي بين العلوم الإنسانية وتربية النشء . أكد أن الفقر والعشوائيات تقف حائلا أمام تطوير الخطاب الديني في بعض المناطق نظرا لعدم توافر أساسيات الحياة من صرف صحي ومياه شرب نظيفة فهذه المناطق أرض خصبة "للإلحاد والتطرف والشذوذ" وطالب بتحقيق العدالة الاجتماعية بين سكان القصور والقبور. أحمد الشيخ باحث ديني يري أن الفقر والأمية والجهل ثالوث خطر يدفع الأشخاص إلي الانسياق وراء خطاب ديني مشوه وفتاوي مغلوطة وآراء ضيقة الأفق. فضلا عن الشعور بالقهر نتيجة المعايير المزدوجة. لتصبح "المرأة" في مقدمة ضحايا التطرف نتيجة لتعثر مسيرة التنمية الثقافية والاجتماعية. وطالب المسئولين في الدولة بسن قانون يجرم الإفتاء بدون تخصص واحترام عقول الناس وبخاصة بعد الفتاوي المشكوك في صحتها مثل إيجاز الزواج بدون عقد وحرمانية نزول المرأة للبحر لأنه مذكر وغيرها من الفتاوي التي تثير ضجة بلا داع بين الناس . الشيخ محمد أبو الخير مدير أوقاف غرب استشهد بقوله تعالي "ادع إلي سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة" فلابد أن يكون الداعي لتطوير الخطاب الديني صاحب فكر وحكمة وعقل سليم يخدم مصالح الوطن وأن يراعي ظروف البلاد والعباد بحيث لا يكون الخطاب متشددا بعيدا عن الغطرسة الدينية فقد قال رسول الله صلي الله عليه وسلم "يسروا ولا تعسروا" وقال أيضا "بشروا ولا تسددوا" . أضاف لابد أن يكون الخطاب ذا نظرة مبعدية مواكبة للعصر الذي نعيش فيه وأن يراعي الخطيب ثقافة المنطقة التي يلقي فيها خطابه وظروف الحياة السياسية التي تعيشها البلاد وأن يحرص علي حقوق الفقراء والمساكين في حديثه وحرمة حقوق الجوار بحيث لا ينفر من الخطاب المسلمين وغير المسلمين . يقول الشيخ شريف حماد إمام مسجد التقوي بالعطارين لابد من أن يتمتع الخطيب بمعرفة عدة مجالات منها الفلسفة وثقافات اللغات المختلفة وأن يكون علي صلة بمواقع التواصل الاجتماعي ومواكبا لكل الأحداث التي تجري في مصر والعالم لأن لغة عصرنا تختلف من عصر لآخر , وطالب بمراجعة مستمرة للفكر الديني وعدم التشبث بالرأي الأوحد.