هالني كم النقابات المستقلة الذي ظهر إلي الوجود منذ اندلاع ثورة يناير حتي اليوم.. حيث وصل عدد هذه النقابات إلي 120 نقابة عمالية وثلاث نقابات مهنية. ومع احترامي الشديد لآراء اساتذتي وزملائي الكبار المؤيدين لفكرة انشاء نقابات مستقلة وكلهم شخصيات محترمة ولها وزنها المهني واؤيد رأيهم في انشاء النقابات العمالية المستقلة ولي نفس الأسباب التي تدعم هذا الرأي.. فإنني كنت ومازلت وسأظل ضد انشاء نقابات مهنية مستقلة ومن المؤكد أن لي أيضاً حجتي التي تدفعني للرفض والاصرار عليه. *** يجب أولاً أن نتفق علي مبدأ مهم جداً.. وهو عدم تجريح الآراء المخالفة.. فمن العار اتهام أحد بتهمة أو وصفه بصفات مسيئة أو تسفيه كلامه لمجرد أنه يختلف مع الغير في الرأي.. فقد يكون رأيك صواباً ويحتمل الخطأ وقد يكون رأي غيرك خطأ ويحتمل الصواب. من هنا.. أقول إن الذين أسسوا أو طالبوا بتأسيس نقابات مستقلة كان دافعهم بلا شك الصالح العام بعدما عانوا كثيراً وذاقوا الأمرين طوال العهود السابقة مما أثر بالسلب علي الأداء وانتقص من الحقوق وأدخل الواجبات "ديب فريزر" عميقاً وشديد البرودة. لذا.. فإنني اؤيد وبشدة انشاء نقابات عمالية مستقلة تدافع عن عمالنا وهم قاعدة عريضة ومؤثرة لا يستهان بها ويخرجهم من تحت عباءة ما يسمي بالاتحاد العام للعمال الذي استغلهم واستغل جهدهم وثرواتهم اسوأ استغلال لتلميع وورنشة حزب أوحد ضد كل الأحزاب والتيارات رغم الادعاءات والمزاعم بأن هذا الاتحاد لا ينتمي إلي أي حزب. لكن.. في نفس الوقت يجب أن تتجمع كل هذه النقابات العمالية المستقلة تحت "راية واحدة" حتي لا تقع هي الأخري تحت سيف الاختلاف والمشاحنات وتضارب المصالح التي تصل بها في النهاية إلي التفكيك أو الحياة كجزر منعزلة لا وزن لها ولا صوت. *** أما النقابات المهنية التي تتعامل مع فكر الإنسان وصحته وحقوقه ووجدانه مثل نقابات الصحفيين والأطباء والصيادلة والمحامين والممثلين وغيرها.. فإن لها أهدافاً مختلفة ودوراً مغايراً للنقابات العمالية.. ومن هنا أرفض وبشدة أيضاً أن تكون هناك نقابات مهنية مستقلة. السبب الرئيسي للرفض أن النقابات المهنية الحالية تمنح حق مزاولة المهنة وتحافظ علي معاييرها.. وبالتالي فإن النقابات المهنية المستقلة سوف تسمح لغير المؤهلين بمزاولة المهنة دون ضوابط أو شروط.. وسرعان ما سنجد كل من يفك الخط وقد أضحوا صحفيين. والتومرجرية وقد تحولوا إلي أطباء. والسمكرية والسباكين والنقاشين والميكانيكية والعجلاتية وقد أضحوا مهندسين. والباشكتبة وسائقي التاكسي وقد صاروا محامين. وبنات الليل اللاتي لا ينقصهن سوي "الرخصة" وقد سلطت عليهن الأضواء باعتبارهن فنانات!! هذا ليس تقليلاً من المهن الشريفة التي ذكرتها واربابها فيما عدا بنات الليل طبعاً.. ويمكن أن تكون لهم نقابات عمالية خاصة بهم. قد نسمع من اساتذتنا من يقول إن تراخيص مزاولة المهنة "بدعة".. واقول له عذراً يا استاذي.. انها ليست بدعة ابدأ بل حصانة للمهنة وضبطاً لايقاعها وضمانة لحقوقنا وحماية لعقولنا وصحتنا وحقوقنا ووجداننا وغير ذلك. *** إن كلامي عن تراخيص المزاولة ومعايير المهنة لا يعني ابداً أن نقاباتنا المهنية الحالية "صاغ سليم" وبلا أخطاء. بالعكس.. فما أكثر عيوبها واخطائها بل وخطاياها ولولا ذلك ما وصلت المهن المختلفة إلي ما وصلت إليه ولهذا أسبابه وفي مقدمتها سيطرة حزب أوحد أو تيار وحيد عليها مما اضعفها وسيسها وجعل نسيجها مهترئاً وبالتالي بعدت عن المهنية لفترة. لكن.. لأن الأساس والقوانين المختلفة واللوائح التي تحكم العمل النقابي موجودة.. فمن السهل تصحيح المسار وإعادة هذه النقابات إلي الطريق السليم.. مهنة وخدمات. نقابات مهنية مستقلة تعني مزيداً من الفوضي والتأخر.. ولدينا ما يكفي ويزيد.