عندما التحقت بالعمل في "المساء" مع أوائل ثمانينيات القرن الماضي كانت جريدتنا تصدر من صالة واسعة في الدور الثالث بالمبني القديم لمؤسسة دار التحرير للطبع والنشر.. وكانت صالة التحرير هذه تجمع كل الصحفيين معاً يومياً في مناخ أسري وعائلي.. وكنا نري ان هذا المناخ المتفرد يميزنا عن غيرنا من الصحفيين في أية جريدة أخري.. لأنه يزيل عن نفوسنا الرهبة من الكبار ويحقق لنا فكرة تواصل الأجيال بشكل مباشر وطبيعي وغير مفتعل. كنت محررا شابا بقسم الشئون الخارجية والترجمة وكان الأستاذ زكي مصطفي رئيساً للقسم الفني في ذلك الوقت ومن الذين يشار إليهم بالبنان.. فصفحة الفن واحدة من أكثر الصفحات تميزا في "المساء" بما تقدمه من مواد متنوعة ومتفردة.. وكانت الندوات الفنية التي يقيمها ويديرها الأستاذ زكي مصطفي في صالة التحرير تستضيف الفنانين والأدباء والمثقفين وتجذب القراء الذين يأتون إلي الجريدة خصيصا للمشاركة في ندواتها والتعرف إلي النجوم. ولأسباب عديدة.. وجدتني مشدودا إلي هذا الرجل الذي كان في قمة تألقه.. معجباً بقدراته الصحفية وعلاقاته الواسعة.. وراغبا في التعرف إليه أكثر وأكثر.. ولم يمض وقت طويل حتي كنت قد فتحت قناة للحديث معه والنفوذ إلي عالمه.. لأكتشف ان تألقه لا يعود إلي عمله الصحفي فحسب وإنما لمواهب عديدة يتمتع بها.. فهو شاعر وناقد وصحفي ومؤرخ فني.. هو في الحقيقة كشكول كبير متنوع الصفحات والاهتمامات.. وكلما فتحت فيه صفحة أمتعتك فرحت تبحث عن صفحة أخري ومتعة أخري. وراق لي كثيرا أن أشارك في جلساته وحواراته مع كبار الفنانين والشعراء الذين يترددون علي مكتبه طوال اليوم وأشهرهم عبدالله أحمد عبدالله "ميكي ماوس" والشعراء كمال عمار وأحمد فهمي خطاب وعمر عسل والزميل الكبير الناقد الرياضي والفنان الأستاذ عبدالفضيل طه يرحمهم الله جميعاً. وفي التسعينيات اجتمعنا هو وأنا في العمل بمجلة "حريتي" إلي جانب "المساء".. وازداد تعاوننا وترابطنا مع نجاح "حريتي" وتألقها عندما تولي رئاسة تحريرها الأخ الكبير الأستاذ محمد فودة فاتسعت صفحات الفن فيها وتنوعت واستحوذت علي جل جهد الاستاذ زكي مصطفي وعطائه حتي أصبح لا يري في "المساء" إلا نادرا. وعندما توليت مسئولية رئاسة تحرير "المساء" في أغسطس 2012 كان الأستاذ زكي مصطفي من أوائل من بحثت عنهم لإثراء صفحة الفن بما يضفيه عليها من لمساته الصحفية والنقدية وما يقدمه من تأريخ للفن والفنانين.. وهي كلها مواد شيقة يقبل عليها القراء.. خصوصا إذا صدرت من قلم صادق وأمين ومعروف بعلاقاته الواسعة.. قلم مثقف ورشيق ولا تمل العين من شاعريته. والحمد لله لم يخب ظني.. فقد أدي الصديق الكبير دوره ورسالته وما زال علي أعلي مستوي وفي تواضع جم.. هو الذي يفكر ويقترح بحماس شديد.. ويأتي حاملا مادته الصحفية دون أدني تأخير.. وعندما تنشر مادته يفرح بها أيما فرح وكأنه في بداية مشواره الصحفي.. ولا يفعل ذلك في الصحافة إلا المبدعون.. وليس الذين يتكسبون منها كوظفية لمجرد أكل العيش. وعندما تطالع عزيزي القارئ ما يكتبه الأستاذ زكي مصطفي في صفحة الفن بالمساء يوميا سوف تدرك تماما انك تقرأ من معين لا ينضب.. كشكول زاخر بالأدب والأخلاق والعلم والفن والحب.. متعك الله بالصحة والسعادة وطول العمر يا عم زكي.. وبارك في قلمك.