لم يتوقع الغرب أن ينهار سور برلين بهذه السهولة والذي تحل ذكري انهياره الخامسة والعشرون في التاسع من نوفمبر القادم. السور تم بناؤه عام 1961 ليكرس تقسيم ألمانيا التي انهزمت في الحرب العالمية الثانية وتم توزيعها بين دول الحلفاء. كان الشرق أو الشطر الشرقي من نصيب الاتحاد السوفيتي وكان الغرب من نصيب الولاياتالمتحدةالأمريكية وبريطانيا وفرنسا وإذا بالعالم يقسم فعليًا بين شرق وغرب وتبدأ الحرب الباردة بسخونة لم يعتدها العالم من قبل. شعب واحد وشوارع تنتهي بخط أحمر لا يمكن تجاوزه. غرب بما لديه من رفاهية وإعلام براق وحياة مترفة وشرق يحاول أن يبني نفسه بالجهد والعرق وكأن الحرب لم تنته بعد. شباب الشطر الشرقي وأسر بكاملها تحاول الهروب من الشرق إلي الغرب. وقتلي يتساقطون وهم يحاولون العبور وحتي لا يفكر سكان الشرق في الهروب أو الهجرة إلي الغرب تفتأ ذهن الاتحاد السوفيتي وألمانيا الديمقراطية في ذلك الحين أن يبنوا سورا في برلين يفصل شرقها عن غربها ويقف علي أبراجه رجال مدججون بالسلاح تقتل كل من يحاول الهروب أو العبور من برلينالشرقية إلي برلينالغربية. ومع تفكك الاتحاد السوفيتي القديم وخروج دول أوروبا الشرقية من تحت قبضته لم يتبق إلا ألمانيا المقسمة. فإذا بالجماهير ليلة التاسع من نوفمبر تهرع إلي السور بكل ما تملك من أسلحة بسيطة. قطعة حديد أو شاكوش لتحاول أن تفتح في السور منفذًا ليكون ممرًا إلي ألمانياالغربية. ليلة شتوية قارسة البرد وشباب يتسلق السور وآخرون يفتحون فيه ثغرات وإذا بالسور ينهار وتعم الاحتفالات. لقد صارت ألمانيا مرة أخري دولة واحدة وسقط السور الذي كان يفصل بين الشعب في الغرب والشعب الألماني في الشرق وبدأت الاحتفالات والألعاب النارية حتي الصباح إيذاناً بالوحدة الألمانية الجديدة. وكانت تكلفة الوحدة باهظة. لقد بلغ ما تم إنفاقه علي تحقيق الوحدة بين الشطرين إلي 1.6 مليار يورو بحلول عام 2009 فيما أطلق عليه إعمار الشرق وتم توحيد الطرق وتطوير شبكة الاتصالات وإعادة مشروعات البنية التحتية وإنشاء العديد من المدارس والمستشفيات في مدن الشطر الشرقي مثل درسدن ولايبزيج وكيمينس. مشروعات صخمة ليصبح الشرق مثل الغرب تمامًا في طرقه ومواصلاته واتصالاته وخدماته الصحية والاجتماعية. خمسة وعشرون عاما مضت علي انهيار سور برلين وكأن الأحداث حدثت بالأمس ومازال رنين أجهزة الوكالات يدق في أذني وعندما رأيت السور المنهار في إحدي الزيارات إلي برلين مع الإبقاء علي نقطة واحدة وبوابة واحدة للذكري وهي نقطة تفتيش تشارلي. أيقنت أنها شعوب تستحق الاحترام.