جنة إسرائيل طه خليفة سور برلين قبل سقوطه عام 1989 كان مقبرة للألمان الشرقيين وغيرهم من الشطر الشرقي من أوروبا الراغبين في اجتيازه إلي ألمانياالغربية حيث الحرية والديمقراطية والرفاهية وفرص العمل والحياة الرغيدة. بلدان أوروبا الشرقية الواقعة تحت سيطرة حكم أحزاب شيوعية وهيمنة الاتحاد السوفييتي عليها كانت بمثابة سجن كبير من الكبت والقهر والقمع والفقر والانسحاق الإنساني. وكانت أوروبا الغربية في نظر هؤلاء المساجين هي الخروج إلي الحرية ودخول الجنة. وإذا كانت هناك بعض المبالغات بالنسبة لسوء الأوضاع في الشرق أونعيمها في الغرب حيث كانت الحرب الباردة المستعرة بين المعسكرين تحاول تشويه صورة الآخر وتزويق وتحسين صورته هو فقط. لكن بالفعل كانت الأوضاع في أوروبا الغربية وأمريكا هي الأفضل والأكثر إنسانية بدليل أولئك الذين كانوا يضحون بحياتهم يوميا، ورغم معرفتهم بالمخاطر فهم لم ييأسوامن محاولات عبور سور برلين. هناك الآن أكثر من سور برلين آخر- بالتعبير المجازي للكلمة- حيث يسقط الألوف ضحايا خلال اجتيازه للانتقال من عالم الشقاء إلي عالم السعادة والهناء. البحر المتوسط هو سور برلين مائي يحاول كل يوم شباب كثيرون عرب وأفارقة عبوره لبلوغ الجنة الأوروبية. والمصريون لهم نصيب كبير من تلك المغامرات المميتة وقد ابتلع البحر منهم العشرات ومن أفلت من الغرق تم اعتقاله وإعادته إلي مصر مرة أخري. ورغم تشديد الإجراءات من جانب أجهزة الأمن علي ضفتي المتوسط فإن تلك المغامرات لن تتوقف رغم أن فرص النجاة تكاد تكون معدومة. وهناك سور برلين آخر وهو الحدود بين مصر وإسرائيل. وقد أخذت تلك الحدود تكتسب شهرة بين المغامرين الحالمين بحياة أفضل في إسرائيل وليس مصر بالطبع. ولذلك أصبحت سيناء وحدودها وجهة جاذبة للمغامرين ليس للسياحة والاستمتاع بسحر شرم الشيخ والغردقة وطابا وغيرها إنما لعبور الحدود تحت النيران لبلوغ صحراء النقب ومنها إلي داخل إسرائيل . لم نكن نسمع يوما أن أحدا يسعي لاجتياز الحدود لدخول إسرائيل إلا تجار المخدرات أو السلاح أو المهربين أو العملاء والجواسيس. وكان أحيانا رعاة الأغنام يضلون طريقهم في المنطقة الحدودية. لكن منذ فترة بدأ توافد سوداني كثيف علي الحدود واتسع التوافد ليشمل مواطنين من دول أفريقية عديدة. وقد نجح كثيرون في دخول إسرائيل عبر شبكات التهريب لكن المدهش أن تلك الشبكات تقوم بتهريب فتيات من أوروبا الشرقية والدول التي استقلت عن الاتحاد السوفييتي السابق إلي إسرائيل لاستغلالهم في أعمال منافية. لكن الأكثر ادهاشا ان هناك شبانا من جورجيا تم ضبطهم وهم يحاولون عبور الحدود بحثا عن العمل في إسرائيل. الواضح أن منطقة الحدود تلك أخذت شهرة عالمية واسعة لدي المهربين للوصول إلي جنة إسرائيل. والمفارقة أنه بينما هناك من يسعون لدخول إسرائيل بطريقة غير شرعية وهم من غير اليهود انما مسلمون ومسيحيون ولا دينيون فإن أبناء إسرائيل من اليهود يغادرونها لأنهم لا يرونها الجنة الموعودة. كما أن يهود الخارج لم يعودوا يقبلون علي الهجرة إلي أرض المعياد كما كان يحدث في السابق ولدرجة أن الوكالة اليهودية المسؤولة عن تهجير اليهود ستغلق أبوابها قريبا. الإسرائيليون يرون بلدهم نارا حمراء بينما الغرباء يرونها جنة خضراء.. فمن هو العاقل ومن هو المغفل هنا؟ عن صحيفة الراية القطرية 2/4/2008