الألمان يعيشون الحاضر والمستقبل, ولا يشعرون بالحنين إلي أمجاد الماضي, فهم علي عكس غيرهم من شعوب العالم جربوا هذه الحالة وتلك, وذلك في فترة زمنية وجيزة, فلم يجدوا أفضل من تجربة الوحدة, سواء الوحدة الألمانية, أو الوحدة الأوروبية, ونظرة سريعة علي وضع الألمان قبل إعلان توحيد شطري ألمانيا تؤكد لنا أن إمبراطوريات الماضي لم تحقق مجدا لألمانيا يعادل واحدا علي عشرة مما حققه الألمان من ازدهار بفضل الوحدتين المحلية والإقليمية. قد يكون هناك من يطلق عليهم الآن زالنازيون الجددس ممن يشعرون بالحنين إلي فترة ما من الزمن, ولكنهم لا يعبرون عن القطاع الأكبر من الشعب الألماني بطبيعة الحال, وقد يكون هناك من سكان ألمانياالشرقية تحديدا من يشعرون بحنين آخر إلي فترة لم يكونوا فيها يشغلون أنفسهم بالبحث عن عمل إذ كانوا يعملون لدي الدولة, ولم يكونوا يعانون من هذا الارتفاع الرهيب في الأسعار الذي فرضته الرأسمالية المعاصرة, ولكنهم يدركون جيدا أن زأسعار زمانس كانت تتعلق بسلة محدودة جدا من السلع الأساسية التي لم يكن هناك غيرها, في وقت كان فيه سكان الغرب ينعمون بكل ما يريدون من رفاهية. كيف كان حال ألمانيا إذن قبل الوحدة؟ لقد خرجت ألمانيا من الحرب العالمية الثانية ممزقة ومنهارة اقتصاديا, فقد لقي أكثر من خمسة ملايين ألماني مصرعهم, وتعرض15 مليونا للطرد قسرا من ديارهم, وتعرضت برلين لدمار شامل, وتحول الجيش الألماني إلي سراب بعد استسلامه, وغرقت البلاد بصفة عامة في الفوضي والاضطرابات وتداعيات المحارق الجماعية التي استهدفت الأعراق المختلفة, وتحولت أحلام أدولف هتلر التوسعية وإمبراطوية الرايخ الثالث إلي زكوابيسس دفع ثمنها الألمان أنفسهم, وقسم الحلفاء الأراضي المتبقية تحت سيطرتهم إلي أربع مناطق هي التي شكلت ألمانياالغربية منذ عام1949, وفي العام نفسه أصبحت المنطقة الخاضعة للقوات السوفيتية هي جمهورية ألمانيا الديمقراطية. وكان الألمان الغربيون يعلنون دائما أن بون عاصمة مؤقتة إيمانا منهم بأنه سيأتي يوم من الأيام تعود فيه العاصمة إلي برلين بعد إعلان وحدة شطري البلاد. وكانت ألمانيا الاتحادية زالغربيةس ركنا أساسيا من أركان المعسكر الغربي في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية, فقد انضمت إلي حلف شمال الأطلنطي زالناتوس منذ عام1955, وكانت عضوا مؤسسا للسوق الأوروبية المشتركة منذ عام1957 التي مهدت لاحقا للوحدة الأوروبية, وكانت علاقاتها قوية مع القطبين الرئيسيين في المعسكر الغربي الرأسمالي وهما الولاياتالمتحدة وبريطانيا. أما ألمانياالشرقية زالشيوعيةس الموالية للمعسكر السوفييتي, فكانت تحمل اسم جمهورية ألمانيا زالديمقراطيةس وهي لم تكن كذلك بطبيعة الحال, بل كانت السلطة الوحيدة فيها للمكتب السياسي لحزب الوحدة الاشتراكي الألماني ولجهاز أمن الدولة الذي كان يعرف باسم زأشتازيس وكانت مهمة الدولة توفير حياة شبه كريمة لمواطنيها في ظل اقتصاد شمولي علي الطريقة السوفيتية, ولكن هذا الوضع لم يكن يقارن بالحالة المزدهرة التي كان يعيشها الجزء الآخر من الألمان المقيمين في الشطر الغربي الذي استمتع بمزايا النظام الرأسمالي واقتصاد السوق الحرة, فكان مستوي المعيشة شديد التباين بين الجانبين بصورة دفعت المقيمين في الشرق إلي البدء في التذمر من وضعهم, وبدأت حالات هروب المواطنين من الشرق إلي الغرب بحثا عن حياة أفضل, وهو ما كانت تحظره القوانين في الشطر الشرقي, ولكنها لم تكن تستطيع إيقافه, فكان بناء جدار كبير في عام1961 لمنع حالات الهجرة والتسلل التي كانت تتم عبر المدينة المقسمة. وكانت ألمانياالشرقية في ذلك الوقت مرتبطة بحلف سياسي وعسكري مع دول الكتلة الشرقية وعلي رأسها الاتحاد السوفييتي عن طريق حلف وارسو, واقتصاديا كانت عضوا في مجموعة زالكوميكونس الاقتصادية التي كان يقودها الاتحاد السوفييتي. وكان من المشاهد الغريبة في ذلك الوقت تلك اللقاءات التي كانت تتم في المناسبات الثقافية والرياضية الدولية بين شطري ألمانيا, التي يفترض أنها دولة واحدة أصلا, وهو وضع موجود حاليا فقط بين الكوريتين, وهو وضع لم يكن ليستمر طويلا, وحدثت في السبعينيات من القرن الماضي بعض مبادرات تدعو إلي التقارب فقط, وكان أهمها تلك التي قام بها المستشار الألماني الأسبق فيلي برانت, والتي كان أبرزها اعتراف بون في الغرب بحكومة برلين في الشرق وباستقلال دولة ألمانيا الديمقراطية زالشرقيةس. وكانت البداية الحقيقية للوحدة الألمانية في الثاني من مايو1989 من داخل المجر, عندما قررت تلك الدولة الشيوعية السابقة تفكيك الستار الحديدي وفتح الحدود, وهو القرار الذي بدأ تنفيذه في23 أغسطس من العام نفسه. وتسبب هذا القرار في بدء موجة نزوح هائلة من مواطني ألمانياالشرقية الباحثين عن الحرية وفرص العمل والحياة الأفضل في النموذج الغربي من بلدهم ذ ألمانياالغربية- ونجح بالفعل الآلاف من هؤلاء النازحين في دخول أراضي ألمانياالغربية عبر الأراضي المجرية المتاخمة, وهو ما اضطر السلطات في ألمانياالشرقية نفسها تحت وطأة الأمر الواقع إلي تخفيف قبضتها علي حدودها مع ألمانياالغربية قبل نهاية العام نفسه, لتبدأ بعد ذلك التحولات التاريخية التي أدت إلي سقوط سور برلين وانضمام الولايات الخمس التي كانت موجودة في ألمانياالشرقية إلي الولايات العشر التي كانت تشكل ألمانياالغربية أو ألمانيا الاتحادية, وتم إعلان الوحدة بشكل رسمي في3 أكتوبر.1990 وبعدها, وتحديدا في10 مارس1994, أصبحت برلين عاصمة للدولة الموحدة الجديدة التي حملت وما زالت تحمل اسم ألمانيا الاتحادية, واحتفظت بون العاصمة القديمة للشطر الغربي ببعض الوزارات والمصالح الحكومية قبل أن يتم الانتهاء من نقل الحكومة بالكامل إلي برلين عام.1999